موقوف
- معدل تقييم المستوى
- 0
لا تكن فرداً أنانياً ...
لا تكن فرداً أنانياً ...
سمعت الشيخ الشعراوي –رحمه الله- مرة يقول: "اعمل قدر طاقتك وليس قدر حاجتك، فما يفيض عن حاجتك اجعله لله..".
إنك إن وضعت نصب عينيك أن لك إخواناً تعوزهم الحاجة، ويقعدهم العجز والمرض، ولا يسعفهم الجهد في الوفاء بحاجاتهم، إنك إن جعلت هؤلاء وحاجاتهم نصب عينيك، وما ينتظرك من الأجر والثواب، فلا أظنك –إن كنت تملك قلباً إنساناً مؤمناً حقاً- تتقاعس عن بذل ما في وسعك من جهد وطاقة وإمكانات، أو تعيش لا تفكر إلا في نفسك وأهلك، وتنسى –أو تتناسى- إخوانك هؤلاء، فقد قال عليه الصلاة والسلام: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يجب لنفسه"[رواه البخاري، وصححه الألباني في صحيح الجامع:7583].
روي عن أمنا عائشة رضي الله عنها، أنها قسمت في يوم ثمانين ومائة ألف بين الناس، فلما أمست قالت: يا جارية، عليّ فطوري، فجاءتها بخبز وزيت، فقالت لها أم درة: أما استطعت فيما قسمت اليوم أن تشتري لنا بدرهم لحماً نفطر عليه؟ فقالت: لو ذكرتيني لفعت.. سبحان الله! نسيت حاجتها لانشغالها بحاجات إخوانها الفقراء، وما تبتغيه من الأجر والمثوبة في الدار الباقية!
وكان عمر يتعاهد الأرامل فيسقي لهن الماء بالليل، ورآه طلحة بالليل يدخل بيت امرأة، فدخل إليها فإذا هي عجوز عمياء مقعدة، فسألها: ما يصنع هذا الرجل عندكِ؟ قالت: هذا له منذ كذا وكذا يتعاهدنا، يأتيني بما يصلحني ويخرج عني الأذى، فقال طلحة: ثكلتك أمك يا طلحة، عثرات عمر تتبع؟
وكان أبو وائل يطوف على نساء الحي وعجائزهم كل يوم، فيشتري لهن حوائجهن وما يصلحهن.
إن الله تعالى وإن وزع على عباده الطاقات والعطايا والهبات، ووسع على أناس في الأرزاق، لا ليستأثروا بها دون عباده المقدور عليهم في أرزاقهم، وإن كان هناك من يحرم الرزق بذنوبه ومعاصيه، إلا أن القاعدة أنك لا ينبغي أن تعيش لنفسك، فهذه أنانية لا ينبغي أن تكون من سمات المجتمع المسلم المتواد المتكاتف، الذي يعيش كالجسد الواحد، إن اشتكى منه عضو تداعى إليه سائر الجسد بالسهر والحمى.
قال عليه الصلاة والسلام: "إن لله أقواماً يختصهم بالنعم لمنافع العباد، ويقرهم فيها ما بذلوها، فإذا منعوها نزعها منهم، فحولها إلى غيرهم"[حسن، الألباني-السلسلة الصحيحة:1692].
قد يحرم البعض نعمة الولد، فيتوقف عن العمل مع قدرته عليه، ويكتفي بما جمع من مال، ويقرر أن يستمتع بهذه الثروة هو وزوجته. أو قد يصل إلى سن التقاعد مع بقائه نشيطاً ممتعاً بالصحة والقوة، إلا أنه يرى أنه قد آن له أن يرتاح، ويكفي ما جمع من مال، طالما أنه يفي بحاجاته وأسرته!
لماذا هذه الفردية وهذه المحدودية في التفكير؟! لماذا لا نسمو وترتقي نفوسنا وأرواحنا وتتسع آفاقنا وننظر إلى ما هو أبعد من هذه الحياة الدنيا ومتاعها؟!
إنك وقد أنعم الله عليك بالصحة والعافية، فإنما ليبتليك بهذه النعمة.. ماذا ستفعل بها، وكيف ستزكيها؟ فكل نعمة حتى تدوم ويبارك فيها بحاجة إلى أن تزكى وأن تستعمل في طاعة الله.
قال الشيخ علي الطنطاوي –رحمه الله-: ((..الحمد على النعم أن تفيض منها على المحتاج إليها.. حمد الغني أن يعطي الفقراء، وحمد القوي أن يساعد الضعفاء، وحمد الصحيح أن يعاون المرضى، وحمد الحاكم أن يعدل في المحكومين. فهل أكون حامداً لله على هذه النعم إذا كنت أنا وأولادي في شبع ودفء، وجاري وأولاده في الجوع والبرد؟ وإذا كان جاري لم يسألني أفلا يجب علي أنا أن أسال عنه؟.. إن كل واحد منكم وواحدة يستطيع أن يجد من هو أفقر منه فيعطيه.. ولا تظنوا أن ما تعطونه يذهب بالمجان، لا والله، إنكم تقبضون الثمن أضعافاً، تقبضونه في الدنيا قبل الآخرة.. إن الله يخلفه في الدنا قبل الآخرة..)).
قال تعالى:﴿..وما ُتْنفِقوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ وَما تُنفِقُونَ إلّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللهِ وَما تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لا تُظْلَمُونَ﴾{البقرة:272}، وقال عليه الصلاة والسلام: "ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع إلى جنبه"[الألباني-السلسلة الصحيحة:149]، وقال: "كم من جار متعلق بجاره يقول: يا رب، سل هذا لم أغلق عني بابه، و منعني فضله؟"[الألباني-السلسلة الصحيحة:2646].
نماذج كثيرة من الأنانية والأثرة شاعت في مجتمعاتنا، والتفكير في الذات وعدم رعاية حق المحتاجين، فلو أعلن عن وليمة مثلاً، وكانت الدعوة بالمجان، لركض إليها الأغنياء قبل الفقراء، ولأكلوا حتى تنفقئ أمعاؤهم، متمثلين بذلك المثل السيء الذي يقول: "اللي ببلاش كثر منه"!! وكان الأولى أن يستعفف الغني ويؤثر الفقير، أو أن يأخذ قدر حاجته ويفسح المجال لغيره، ولكن عفة بعض الفقراء قد يتعلم منها كثير من الأغنياء!
رُوي أنه أهدي إلى رجل من الصحابة –رضي الله عنهم- رأس شاة، فقال: إن أخي أحوج إليه مني، فبعث به إلى رجل، فبعث به ذلك إلى آخر، حتى تداولته سبع أبيات، فرجع إلى الأول.
المفضلات