عندما كنت طالباً في المدرسة رسمت مثلثاُ في حصة الرياضيات بدون الهندسة وأدواتها , فستشاط المعلم مني غضباً وهو من جنسية مصرية و اسمه محمود ” الله يذكره بالخير ” وسألني بعتاب ولوم كبير لماذا لم ترسم المثلث كما يجب ومعك المسطرة والمنقلة فأجبته “الدعوه ماتحتاج ” خصوصا أنه تمرين سبقته تمارين وستتبعه تمارين ولو وقفت عند كل مثلث شاخصاً بصري احتراماً وجلالاً لمضى الوقت بدون منفعة
خصوصاً أني فهمت الدرس وهو في الأخير لا يعدو كونه مثلثاُ مزعج وليس بأفضل حالاً من الدائرة الساذجة والمربع المتغطرس, فوعظني بكثير من الحسرة وكثير من الرجاء وكثيرمن الشفقة وقليل من التصنع بلهجته المصرية الجميلة:

” لو إحنا بنعمل كدا دايمن مش حنعرف نبني هرم تاني ” !!!!!







تعجبت من كلامه أشد العجب , ونفرت منه نفوراً شديداً لأنه وبمقاييس عقلي آنذاك اعتقدت أن الأستاذ محمود الفرعوني يحن لأيام كيلوبترا ونيفرتيتي وأنه درس الرياضيات وعلوم المثلثات الكئيبة حتى يبنى هرماً كبيراً على النيل “عياذاً بالله “ , ويريدنا أن نكون مثله , ونحن قوم أعزنا الله بالإسلام , فكيف نعيد تاريخ أولئك الطغاة .
لكن ومع تقدم الأيام وتلاشي الأوهام , تبين لي أن الأستاذ محمود حفظه الله ورعاه أن كان حياً ورحمة الله أن كان ميتاً , لم يكن ينوي أن يبني هرماً ابداً ولم يكن يريدنا أن نصبح فراعنة بل كان يريد أن يبني في داخلنا حب إتقان العمل , وأن الهرم الذي قصده في كلامه ما هو إلا رمز للإبداع وصناعة المعجزات حيث أن الأهرام تعتبر من أعاجيب الدنيا.
متى أتقنا كل صغيرة وكبيرة في حياتنا وجعلناها على ما يجب , سوف تتبدل حياتنا إلى حياة أفضل وأكمل وأجمل , فلو أعطى المدرس الدرس كما يجب والطالب أخذه كما يجب والموظف أدى عمله كما يجب والخياط حاك الخيوط كما يجب وحتى ربة البيت لو كبست الكبسة كما يجب لرأيتنا في عالم يسوده الإبداع والعجب بدون تعقيدات ولا تعب . فدعونا نقتل عبارة ” مشي الحال “ حتى تتبدل الأحوال .
وصدق الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم حين قال ” إن الله يحب إذا عمل أحدكم عمل أن يتقنه ” .