1 - إن معرفة الأعداء قد تكون في رتبة مقدمة على معرفة الأصدقاء ، لان دفع الضرر – كما هو معروف – أولى من جلب المنفعة .. فعلينا أن نبحث عن الأعداء الذين يصدون عن مسيرة التكامل .. وعلى رأس الأعداء : الشيطان الذي أمرنا الله تعالى بعداوته..

2 - ان العداء الشيطاني لبني آدم عداء متأصل وقديم ، فهو الخبير بكل منافذ النفس التي قد تخفى حتى على صاحبها.. ومن الواضح ان كيده خفي في كثير من الحالات .. اضف الى انه يتربص بنا في كل مواطن الضعف ، اذ يرانا من حيث لا نراه..

3 - إن من الاعداء التي نغفل عنها هي : النفس التي بين جنبينا .. ولا نعني بذلك مجموع قوى النفس بما فيها القوة العاقلة ، بل نعني بها : ذلك الجانب الشهوي والغضبي من النفس ، والذي يدعو صاحبها لكل ما يوافق جاذبية الهوى ، ونار الغضب ، من دون ان يقيم وزنا لشريعة أو عرف ..

4 - ومن الاعداء الذين لا ينبغي ان ننكر عداءهم لنا ، هم الكفار والمشركون.. فالذي لا يعترف بوحدانية الله تعالى ولا بنبوة النبي (ص) الخاتم ، كيف يمكنه ان ينسجم معنا في مقام الفكر والعمل ، وخاصة مع اختلاف المصالح.. وقد سجل القرآن الكريم موقفا واضحاً تجاه خصوص اليهود ، فقال عنهم { لتجدن اشدّ الناس عداوة للذين آمنوا اليهود } والتاريخ يشهد الى يومنا هذا بعمق هذا التنافر والصراع.

5 - إن من الخطأ الفادح هو الانس الباطني بالكفار او المشركين .. إذ الارتياح النفسي مقدمة لعدم النظر الى باطلهم بعين الاشمئزاز والنفور .. وهذا بدوره يؤدي الى تعدي منكرهم الى حياتنا من دون التفات .. ومن مآسي الحياة معهم هو فقدان المنكر لصورته المظلمة في أعيننا ، فمن الخطورة بمكان أن لا يرى الانسان - بعد فترة من العيش مع المنحرفين - المنكر منكرا ..إذ كيف يمكن ردع من لا يرى المنكر قبيحا؟!..

6 - ان المشكلة الكبرى هي : أن نعيش جو العداء والبغضاء مع من نـشترك معهم في العقيدة والدين .. وعليه ، فلا بد من ان نفرق بين بغض الذوات وبغض الصفات والافعال .. فإن المبغوض إذا كان هي الصفة ،فمن المفروض ان يبغض الانسان موقع تلك الصفة ، ولو كانت نفسه التي بين جنبيه ، أو أعز المقربين لديه .

7 - ان علامة بغضنا للصفات والملكات ،هو عدم الاحساس بالحقد تجاه من نعاديهم ، وذلك فيما لو زالت عنهم تلك الصفات .. فمن الملاحظ ان البعض يعيش حالة العقدة من فرد لموقف شخصي عابر قد انتهي زمانه ، إلا انه يعيش حالة الحساسية التي لا مبرر لها في علاقته معه الى آخر عمره.. فالأمر أشبه بمرض منه الى موقف.

8 - ان خطورة جو العداوة مضاعفة فيما لو انتقلت الى الارحام ،وبذلك تصبح اداة للقطيعة : تقطع الارزاق ، وتعجل الآجال..فهل من الصحيح ان يقطع الانسان رحمه لاسباب واهية ، يضخمها الشيطان في نفس صاحبها ، ليجره أخيرا الى هذه الموبقة الملكة؟..

9 - ان الانسان الحقود ، يعيش جو التوتر الباطني دائما ، فتراه في نزاع داخلي مع من افترضه عدوا له..وهذا بدوره يؤثر على استقراره النفسي ، وجوه العبادي .. ومن الواضح ان الذي يعيش العداوة الباطنية لا بد وان ينكشف امره من خلال فلتات لسانه ، وصفحات وجهه.

10 - لا بد من ملاحظة بعض الامور المخففة ، لقبح الصفة الموجبة للعداوة .. فإن الجهل - وخصوصا القصوري ( غير المتعمد) منه -من موجبات افتراض العذر للطرف المقابل ، وبالتالي اعطائه شيئا من التبرير، الذي يزيل عن القلب حالة العداء الملتهبة.. فإن الذي لا ينظرالى الامور بهذا المنطق ، فإنه سيعادي الكثيرين .. ولا ينبغي أن يغفل الانسان عن حقيقة : ان جواب العداء هو المعاداة ، وقد يكون العدو اكثر قدرة على إيذائه لك ، من ايذائك له.

11 - ان الذي يعش حالة العداوة القهرية تجاه الاخرين ، ولكنه يعيش حالة التبرم مما هو فيه ، فإنه في مضان الرحمة الالهية ، التي تتصرف في قلب العبد ، فتنزع عنه حالة الغل التي دخلت فيه كرها.. ومن هنا يمن الله تعالى على أهل المدينة الذين كانوا من شرائح متنافرة كالأوس والخزرج ، والمهاجرين والانصار ، إذ ألف بين قلوبهم ، فأصبحوا بنعمته اخوانا ..

12 - ان من مصاديق الاعجاز الاجتماعي - كسنة لله تعالى في خلقه - هو أن الذي يدفع العدو بالتي هي احسن ،يرى آثارا غريبة في انه كيف يتحول العدو- بتسديد من الله تعالى - الى وليّ حميم ، كما ذكره القرآن الكريم .. فإن العدو قد لا يعترف بحسن تصرفك ، الا انه سيضمر لك الاحترام القهري الذي يمنعه من ان يضرك شيئا بمقتضى عداوته..