هل تفهمني ؟ آن لك أن تفعل


هل تفهمني؟

سؤال كثيرا ما نواجهه و يوجهه بعضنا للبعض

و السؤال يثير التساؤل : هل نحن فعلا نفهم بعضنا من خلال ما نكتبه أو ما نقوله؟

لو كانت الإجابة بنعم .. فكيف نفسر الاختلافات الكثيرة التي تحدث في بعض البدايات ثم تنتهي إلى توافقات .. و العكس أيضا أن هناك توافقات في بعض البدايات تنتهي إلى خلافات .. و ربما معارك

و لو كانت الإجابة بلا .. فمن الطبيعي أن يثور تساؤل تالي تلقائيا و هو: لماذا؟ لماذا لا نفهم بعضنا ؟

و هل اللغة هي العامل الوحيد الفاعل في هذه القضية؟ بمعني أن معرفة طرفي النقاش لمدلولات الألفاظ و التراكيب اللغوية هي فقط التي تحكم فهم كل منهما للآخر أم أن هناك عوامل فاعلة أخرى؟

و هل الكلام المكتوب يعادل و يكافيء الكلام المنطوق؟ اي أنه لو افترضنا أني كنت أكلم شخصا ما وجها لوجه و قلت له كلاما ما فهل لو وجهت له نفس هذا الكلام مكتوبا على ورق (أو باي وسيلة كتابية اخرى) فهل سيفهم نفس الكلام بنفس الكيفية كما لو كانت كلاما منطوقا؟

من وحي هذه الاسئلة أستطيع التركيز على محورين اساسيين هما اللغة .. و الكتابة مقابل النطق

كبف يمكن للغة أن تكون اساسا للتفاهم ؟ .. أو العكس

اللغة تتكون أساسا من ألفاظ .. و من الألفاظ تتكون التراكيب

وظيفة اللفظ أن يكون دالا على معنى .. أو على عدة معان

إدراك تعدد المعاني هام للغاية في فهم مدلول اللفظ الواحد .. فما بالكم بالتراكيب

و بعد إدراك المعنى يأتي دور الاتفاق على فحواه بمعني أن يكون لنفس اللفظ نفس المعنى عند من يتداولونه .. و على ذلك فلو اختلف مدلول اللفظ عن معناه عند من يتداولونه – و كذلك التراكيب - فمن البديهي أن تحدث فجوة في التفاهم

و هنا يمكننا ملاحظة الفجوة التي تحدث بين من يستعملون الفصحى و من يستعملون العامية مثلا

و فجوة أخرى يمكن أن تنشا حتى بين المتعاملين بمنظومة واحدة من الألفاظ و التركيب – عامية كانت أو فصحى - هي في استخدام ألفاظ متداولة و شائعة أو ألفاظ شاذة و نادرة .. فكلما كانت الألفاظ اكثر شيوعا كانت أكثر فهما.. و لكن !! قد تنشا هنا مشكلة تؤثر على التفاهم ألا و هي التنميط و التأطير و الصور الذهنية المسبقة .. يمعنى أن يرتبط لفظ ما بمعنى ما بصورة ما من كثرة التكرار فينتعش هذا المعنى مرتبطا بهذه الصورة مما يؤدي إلى تآكل و ضياع المعاني الأخرى لنفس اللفظ و التي لو استخدمت لانصرف الذهن تلقائيا الى المعنى الشائع .

و انتقالا الى العامل الثاني .. الكتابة مقابل النطق

افترض جدلا أن شخصا ما يكلمك وجها لوجه .. فكم وسيلة لديك لفهم ما يقول؟

1- مدلولات الألفاظ المنطوقة المتعارف عليها

2- درجة الصوت التي ينطق بها الكلام (اللهجة أو النغمة)

3- لغة الجسد المصاحبة للكلام المنطوق (العين خاصة و الوجه و باق الجسد عامة)

4- الظروف المحيطة بحال الكلام من وقت و اشخاص و تفاعلات

إذا افترضنا أن الوسائل الثلاث الاولى يمكن قياسها على نسبة مئوية - و هو ممكن بالفعل - فكيف تكون نسبة كل وسيلة؟ .. و هنا قد نجد مفاجأة

الألفاظ المنطوقة تحظى بنسبة 7% فقط من القدرة على نقل المعنى المطلوب نقله

درجة الصوت تحظى بنسبة 38% من هذه القدرة

لغة الجسد تحظى بالباقي أي 55% من هذه القدرة

فهلا عقدنا المقارنة بين عامل الألفاظ المنطوقة فقط مقابل الألفاظ المكتوبة فقط .. فربما تساويتا من حيث قدرتهما على توصيل المعنى .. و لكن كم نسبة هذه القدرة من القدرة الإجمالية على توصيل المعنى المراد إيصاله؟

الإجابة أظنها واضحة .. هذا بفرض تساويهما .. 7% .. فقط

و هنا ينبغي لفت النظر إلى النسبة المتبقية (93%) و التركيز على أنها لا تتوفر لوسائل التفاهم الكتابية

ماذا عن الوسيلة الرابعة ! الظروف المحيطة بحال الكلام من وقت و اشخاص و تفاعلات .. إلى أي مدى يمكن أن تؤثر؟

الحالة النفسية لمستقبل الكلام مثلا .. هل يمكن ان يكون لها دور؟

و إجابة هذا السؤال أراها تتجلى في البيت المعروف : عين الرضا عن كل عيب كليلة .. كما أن عين السخط تبدي المساويا .. فهل مدلول الكلام عندما أكون راضيا يكون هو نفسه عندما أكون حانقا أو غاضبا؟
لا أظن أنني بحاجة للإجابة فهي بديهية

عندما يقول أحدهم لأحدهم جملة بسيطة مكونة من كلمتين - مثلا: أنت حمار .. أو .. يا جبان .. أو أنت غبي

فعلى كم معنى يمكن أن تفهم هذه التركيبة عندما تكون منطوقة ؟ و كذلك عندما تكون مكتوبة؟

كم وسيلة تتوفر لمعرفة مدلول هذه الجملة حال كونها منطوقة مقابل كم وسيلة تتوفر لمعرفة مدلولها حال كونها مكتوبة؟

ما هو الفاعل الأساسي في الفهم هنا : هل هو معناها عند القائل .. أم عند المستقبل؟ .. نعم .. المستقبل

من الذي حالته النفسية هي التي ستحكم فهم هذه الجملة : القائل أم المستمع؟ .. نعم .. المستمع

فيمكن أن افهمها على أنها إهانة مباشرة و بالتالي تجرحني .. و يمكن أن أفهمها على أنها مجرد مزحة و بالتالي تبهجني (بفرض أن الطرفين بينهما من العشم ما يكفي للمزح بهذه الطريقة) .. و المثل هنا تم ضربه بجملة معناها يحتمل طرفي النقيض – و يحتمل ايضا كل المسافة بين طرفي النقيض .. أفلا يلفت ذلك نظرنا لوجود مسافة بين الطرفين يمكن أن يقع فيها المعنى

و لو أدركنا وجود المسافة .. فهل يمكننا تحديد نقطة بعينهاعليها؟ أظن أن الأمر به بعض الصعوبة

هنا يظهر لنا عامل جديد في الفهم .. الا و هو حسن الظن .. أو سوء الظن

بتطبيق هذا العامل فينحصر المعنى في طرف واحد فقط .. فإحسان الظن بكلمة قد تبدو إهانة مباشرة يجعلها مزحة تدخل البهجة على النفس

و إساءة الظن تحصر المعنى في طرف واحد فقط و هو الإهانة و التجريح رغم أنه يمكن أن المقصود عكس ذلك

هذا بالإضافة إلى أنه من المعلوم أن بعض الألفاظ و التراكيب تستخدم على عكس المعنى الظاهر منها.. و هذا اسلوب معمول به لغويا .. فمتى يمكننا تمييز المعنى الظاهر من المعنى المقصود؟

و لكن إلى سؤال منطقي: هل هذه وسيلة مناسبة للتعبير عن المزح؟

هذا يجرنا إلى أهمية تعريف ما هو المناسب و غير المناسب و الاتفاق عليه أولا .. و بدون ذلك يظل الأمر نسبي

و بتعبير مواز .. هل يحسن احدنا التعبير عن نفسه؟

هل يحسن احدنا استخدام الأسلوب الذي يكفل فهم الأخرين له فهما صحيحا؟

تلك مهارة تقتضي معرفة المعاني المشتركة .. و التراكيب المشتركة .. و اختيار الأوقات المناسبة لحسن التلقي (لو كان لذلك من سبيل)


سباحة أخلص بها إلى اهمية تحديد معاني المصطلحات .. و الاتفاق عليها .. و إحسان الظن قبل أن نظن أننا قد فهمنا الآخرين .. أو اختلفنا معهم