السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


هل أنت من أصحاب الهمم العالية أم الهمم الضعيفة ....
هل فكرت يوما كيف تنهض بواقعك السلبي فتحوله بإذن الله إلى واقع إيجابي ....
أم أنك رضيت على نفسك بالهوان وأن تكون في ذيل القافلة أو متخلفا عنها لا هدف لك ولا تطلعات .....

لا تكن مثل أولئك الذين ينهزمون أمام إحباطات العصر ويتعذّرون باستمرار بقوة اليهود والغرب وضعف المسلمين وأننا لا حول لنا ولا قوة ، مع العلم بأن كل واحد منا صغيرا كان أم كبيرا يمتلك كنزا ثمينا من التراكمات الشخصية التي تمكنه من إيجاد وتفعيل مشروعه الخاص الذي سيصب بلا شك في الإنجاز الحضاري الكبير الذي تنتظره أمتنا الإسلامية لتستعيد مجدها وقوتها بين الأمم الأخرى .

إن الفكاك من أسر التخلف ليس بالأمر الذي يمكن أن يتم بمجرد الإستغراق في بحر الأماني والأحلام ، والهروب من الواقع بحثا عن الحياة في مواطن الأوهام ، إننا إذا أردنا انتزاع أمتنا من قاع التخلف فإن علينا أن ندرك أن ذلك لن يتم بوقوفنا على قارعة التاريخ نحملق بأنظارنا بحثا عن اللحظة التي يمكن أن نجد أنفسنا وقد أصبحنا فيها شيئا مذكورا …إن هذا لن يتم حتى لو جلسنا القرفصاء الدهر كله .. لسبب بسيط : هو أن هذا الفهم في تغير أحوال الأمم يتناقض مع المفهوم الإسلامي الصحيح والذي أكدت عليه الآية الكريمة ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) .

كما ميّز الله الناس كأفراد بعضهم عن بعض بأشياء كثيرة … كاللون والملامح والتقاسيم ونغمة الصوت .. والبصمات ، فإن الله أيضا قد ميز كل إنسان بميزة واحدة خاصة أو أكثر هي الأبرز بين قدراته الأخرى .. وهي المفترض أن تبرز في كل إنسان على حدة كأرقى مهارة وأرقى أداء لأنضج ممارسة … وهي المفترض أن تتبلور بشكل مشروع متفرد متميز أو كإضافة متميزة في مشروع قائم .

لقد فعّل البخاري رحمه الله تعالى تميزه الذاتي فكان مشروعه الأبدي العظيم … صحيح البخاري .. وهكذا فعل الشافعي وغيرهم على مدار التاريخ الإسلامي تميزاتهم الخاصة فكانت منجزاتهم الخيّرة التي عرفوا بها في مجال الدعوة … والشهادة …. والفكر … والعلم … والسياسة …. والإقتصاد …. والاجتماع …. والاختراع … والطب … والتاريخ … واللغة ….. والقيادة ...والفلك …. والبحار … والصناعة … وهكذا … كانت تميزاتهم بما تمثله من مشروعات بلا حصر هي أرضية المشروع الحضاري لأمة الإسلام والإنسانية .

حافظ القرآن هو صاحب مشروع متميز ….. الأم في بيتها تربي أطفالها لتخرجهم نماذج رائعة إلى المجتمع صاحبة مشروع متميز …. فاعل الخير صاحب مشروع متميز …. مشروع طلب الشهادة في سبيل الله مشروع متميز …. المحترف في مهنته الساعي لتطويرها صاحب مشروع متميز … صاحب فكرة ينافح ويناضل من أجل تحقيقها على أرض الواقع هو أيضا صاحب مشروع متميز ….وهكذا فالمشاريع وإن بدأت فردية أو جماعية فهي في الحقيقة تعزيز للجماعية في كمالها الأدائي حين تكون لله سبحانه وتعالى .

ليس سليما أن يكون الإنسان المسلم صاحب الرسالة السامية " رسالة الإسلام في الحياة " أن ينظر خلفه فلا يجد لسنواته الماضية من عمره أي تراكم متميز خاص لأداءاته وممارساته المختلفة … فلا مشاركة جديدة ولا مشروع متفرد في تميزه الخيّر في إطار المشروع الحضاري الكبير .. إسلاميا أو إنسانيا .. إنها حالة غاب عنها ثقافة الإسلام الحضارية والهدي النبوي الكريم وأحاديث رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم في هذا المجال : ( من سنّ سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم الدين ... ) رواه مسلم وقال: ( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له .. ) .

الأب الذي لا يملك تراكما متميزا خيّرا .. لا يملك أن ينقل لأبنائه ما يمكنهم أن يقفوا عليه أو ينطلقوا منه أو يضيفوا إليه أو يعتزوا به .. فيستلهمون منه تفعيل قدراتهم وتميّزاتهم الخاصة .. وبالتالي تغيب عناصر الإستمرارية الحضارية للإنسان بعد موته …فلا صدقة جارية .. ولا علم ينتفع به .. ولا ولد صالح يدعو له .. كما أنه لم يسن سنة حسنة لمن بعده .. فغيابها جميعا .. أو بعضا منها يعود إلى ذلك الغياب لأهمية الوعي بالمرتكزات الأساسية لذلك التراكم الخيّر المتميز الذي على المسلم أن يصنعه في واقعه .. ومن هنا يكون حضور صاحب المشروع المتميز على الدوام في حس الواقع ووجدانه ويكتب الله له الأجر والثواب والمقام العظيم عنده .. فيكون المسلم قد سجل بذلك ( إن شاء الله ) وجودا دنيويا وأخرويا مشرفا في حياته وبعد مماته :
( وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ) سورة النور 55 .



# كيف نفعّل شخصياتنا المتميزة ؟؟ #

1. قد يدرك المرء تميزه الخاص مبكرا أو متأخرا … وقد يمارسه بتلقائية عشوائية أو مهدّفة … وقد يبلوره بمشروع مادي / فكري وقد يفعّل تميّزه في نطاقه الذاتي المحدود .. وقد يمارسه منفردا …. وقد يشرك معه آخرين …. وقد يحشد له الخبرات والإمكانات الأخرى المساعدة .. وقد يكون لمشروعه المتميز مردوده المادي أو المعنوي أو كليهما معا .. ولا يضير أن يجمع الإنسان بين خيري الدنيا والآخرة ... بين المصلحة الخاصة والمصلحة العامة ، المهم أن تكتشف ذاتك وتبدأ بمشروعك الذي ترتاح إليه وتتقنه ولا تفكر بالمستقبل وتحدياته من الآن فالله سبحانه وتعالى ثم إرادتك الصلبة " ضروري طبعا " سيدفعانك لحل المشاكل القادمة والمضي قدما في آفاق النجاح والتفوق .

2. ليس عيبا أن يشترك معك الآخرون في صنع مشروعك الخاص وأن تستفيد من خبراتهم وإسهاماتهم ومشاركاتهم فالإنسان اجتماعي بطبعه ويد الله مع الجماعة …المهم أن تعرف وتتعلم كيف توصل أفكارك إلى الآخرين وتتبنّى مشاركتهم معك .

3. يجب أن يشعر الإنسان المسلم بأن مشروعه المتميّز من المفترض أن يكون حالة ملازمة له وتأتي هذه الحالة الملازمة من شعوره بالمسئولية والواجب المنبثقين من عبادته لله سبحانه وتحقيق مبدأ الخلافة الحقة لله في الأرض في جميع شئون الحياة ، فليس هناك ما يعفي المسلم من الأداء المتميّز والتميّز الذاتي والجماعي على جميع الأصعدة والأداءات والمواقف .

4. التميّزات الذاتية في ممارساتها ومشروعاتها ….. ليست مشروطة بمستوى مادي أو ثقافي أو علمي أو عمر بعينه .. فهي حالة تستوطن في واقع المسلم مع استيطان الإيمان في قلب هذا المسلم الحق ، فكل (حالة تميّز) لها حجمها عند الله وعند الناس في الدنيا والآخرة سواء كانت مرئية أم غير مرئية فإن لها الأثر المباشر والغير مباشر على الجماعة الإسلامية والإنسانية وبشكل من الأشكال الملائمة والمناسبة … فمشروع ذكر الله في جوف الليل …. وذكر الله خاليا وفيض الدموع من العيون الذاكرة الخاشعة …. ليست حالات ذاتية فردية لا صلة لها بالواقع الجماعي وإن بدت كذلك ظاهريا وإنما لها أثرها الفاعل في الواقع الحياتي من صدق في التعامل وإتقان في إنجاز المعاملات وحرص على مصالح الآخرين ( رهبان بالليل فرسان بالنهار ) .
يقول تعالى : ( ولكل درجات مما عملوا وما ربك بغافل عما يعملون ) الأنعام 132.


# أين مشروع حياتك الخاص ؟ #

حشد للجماعية : لو أطلقنا بعض الخيال من عقاله مؤقتا وتخيلنا تميزا ذاتيا لإنسان مؤمن وفقه الله إلى معرفة تميّزه .. وبالتالي بلورته كمشروع خاص … وليكن ذلك التميز … التعليم والتربية … ولأن هذا الإنسان يملك قوة الحجة … وقوة الطرح … وهو في نفسه يعدّ مربيا ناجحا … ولديه قوة احتمال وصبر ….. فقد بلور ذلك التميز الذاتي في مشروع داخل مدرسته أو كليته أو جامعته لتفعيل دور الطلاب في خدمة مجتمعهم المحلّي .. فقام بإقناع إدارة مدرسته ثم توجه إلى أولياء الأمور ثم توجه إلى أعضاء المجلس المحلّي فردا فردا وأقنعهم ، فأطلق شعارا ( كيف نحافظ على مجتمع متكافل ومتعاون ) ، فيا ترى : كم سيحتشد مع صاحب هذا المشروع المتميز ؟؟ وما هي الأطوار التي سيأخذها هذا المشروع ؟؟؟

من المفترض أن الغالبية من سكان المنطقة سيضم صوته إلى صوت هذا المربي بشكل أو بآخر .. وكل محب للخير سيقف وراء هذا المشروع ..بشكل مختلف .. فليس بالضرورة أن كل محب للخير قادر على مثل هذا الأداء المتميز بتفاصيله الكثيرة لأي سبب من الأسباب ، وكل واحد سيمثّل هذا المشروع تطلعا من تطلعاته الرئيسة أو الثانوية وبالتالي سيكون له حيّز صغير أو كبير لمشاركة متميزة .. أو إضافة خاصة في هذا المشروع .. بعضهم سيحشد نفسه للدفاع عن صاحب المشروع نفسه .. وبعضهم سيقدم مالا .. وبعضهم سيعزز صاحب المشروع إعلاميا .. وبعضهم سيمده بالمعلومات والوثائق .. وبعضهم بالدعاء وبالدعم المادي أو المعنوي سواء بشكل مباشر أو من خلال بعض المنظمات الخيرية المحلية التي تعنى بالبيئة أو بالثقافة وهكذا … وبعضهم سيعززه بالحشد الجماهيري …. أو بالنشرات .. إن صورا لا حصر لها من المشاركات الآنية أو الطويلة المدى أو القصيرة أو المؤقتة أو الدائمة سوف تبرز لتشكّل زخما عظيما لمشروع ذلك المربّي باني الأجيال والمجتمعات .

بطبيعة الحال فالمشروع لا يتوقف عند الدعم والمساعدة والتنفيذ ، فماذا عن تربية هذا الجيل والأثر الذي سيتركه هذا المربي في هؤلاء الطلاب وإعدادهم للمستقبل وتفتيح آفاق الحياة لهم لاختيار الطريق الصحيح داخل مجتمعهم والتفاعل والتعاون مع أفراده ومكوّناته … إنه بلا شك مشروع كبير الأثر والتأثير …..

فما بالك إذا تحركت على هذا النحو آلاف المشروعات الخاصة المتميزة التي تلامس التميز الذاتي في كل مسلم بقدر ثقافته وإمكاناته ومتاحاته ..إنها حالة ستمثّل حتما إنتقالة حضارية جادة ( بإذن الله ) … ونحن نتحدث فقط عن جزئية محددة في الواقع التربوي ، فما بالكم بالمجالات الحياتية الأخرى الإعلامية والاقتصادية والإدارية والصحية والبيئية والإجتماعية .. إن ذلك في الحقيقة من صميم البعث الحضاري الإسلامي والهدي الرباني .

فما هو رأيكم يا ترى ….هل فكرتم بمشروعكم الخاص أم ستتركون ذلك للظروف ؟


هدفي من نشر هذا الموضوع هو شحذ الهمم...و دفع اخواني الى التفكير في بلورة مشاريع شخصية و جماعية لنناقشها و نستفيد جميعا