كما الثورات في طبيعتها انقلاب على واقع فاسد عمّه الظلم والطغيان .. وأعملت فيه معاول الظلم هدما وخرابا، وتراكمت أسباب الضجر وكثرت فيه دواعي التمرد..فأصبحت الأسباب تزجي بعضها بعضا ويخرج من خلالها ودق البركان ونفحاته ...ساعتها وفي جو مشحون يكون قد آن أوان التغيير وتأهل الناس للانقلاب وتيسر الرائد الذي لا يكذب أهله فيكن محل ثقتهم ، ووضح الهدف وتمكن الشعار والمبدأ في القلوب ... حينها تكون نضجت العوامل وحان قطاف الأسباب .. وما على النتائج لتحصيلها إلا ضربة معلم حتى تخرجها ... فهكذا ديدن الثورات في معظمها الاجتماعية والسياسية منها على مر العصور ...وهكذا صورتها أيضا في النفس البشرية تلك اللبنة الأولى للأمة، والمجتمع الصغير الذي يسكن الجسد وتحكمه قوانين لا تكاد نفس تختلف عليها .
من منا راض عن نفسه ...وكم منا يحلم بثورة على عاداته وأسلوب حياته ..كثيرا هي اللافتات والشعارات التي تعنون طرق التغيير ... وأهمها أن تملك مفتاح نفسك ...وتكون الغني عن الناس وليس غنيا بالمال ...فعليك أن تزهد بما في أيدي الناس حتى يحبك الناس .. فلا تدع نفسك تلهث وراء متاع الدنيا عند هذا وذاك ...فتتردى ذاتك إلى تلك النفس الدنية التي تنبح على كل شهوة ولذة ...فتغدو تطمع إلى كل ما في الدنيا من صغائرها وكبائرها ..فتراها النفس لحمة جوعها ،ولقمة حياتها فتنبح وتنبح عليها ...ساعتها تكن الحجارة نصيب نفسك وتخسأ بالحجارة من الكلام والفعال .. وتهون على الناس نفسك كانت قد هنت عندها أولا .. وتلقيك في مهاوي الوحل فيعزف عنك الناس لسوء حالتك وقذارة مظهرك حتى وان أغمضت عينيك أو لم تلمح الطين يعلوك ..فلن يخفى ذلك على من يراك ..
فلا تمدن عينيك إلى ما متع الله عباده .. وأعطاهم من زهرة الحياة الدنيا ليفتنوا ويتمحصوا ..لا تتسابق على لعاعة الدنيا سباق الوحوش فتفقد توازنك ...فستلتفت الى نفسك ساعة أو قد لا تلتفت أبدا ... وإذا بك تزاحم الفقراء لقمة العيش وتجاثي الركب على درهم، ويعلو صوتك لكسب كساء أو حذاء حتى تهون نفسك أمام نهمها الفاغر فاه، فتمتد أيديها الى أهل المنن وتستوطن أماكن الشبهات فتكون مقصد سهام اللعنات والسخريات ...
إنها النفس تدعوك أن تمدّ عينيك إلى متاع الله للآخرين ... فيسكن الحسد نفسك ..وتركض وراء هذا وتتزلف لذاك..وتحسد أصحاب النعم وتجلب لنفسك النقم،وتحب هنا وتنافق هناك راجيا أن تنال غرورا .. وزخرفا من الدنيا أنت غني عنها ..احذر من هذه النفس حتى لا ترجو الناس وتطلب منهم رزقك وتسطو على ما لا تستحق .. وتطمع طمع بني ادم في أودية الذهب فلا ينال سوى التراب .
فحذار حذار أن تنزلق في مهاوي الردى وقبور الكرامة والمروءة ... فتهون نفسك أمام دنيا مهما صغرت أو كبرت ،،فتفقد كرامتك وعزتك وأنفتك ومنعتك ...فتصبح للناس كلبا تلهث ..وينزع من قلبك معاني العزة وحلاوة المروءة ولذة الشهامة ..والتي لن يدركها سوى من جالد نفسه وألزمها معاني التمنع والرفض للسعي نحو حثالة الدنيا من غير كد أو تعب وعرق ..
وانظر للرسول صلى الله عليه وسلم وهو ينزل عن بعيره ليأخذ سوطه الذي وقع وما يسأل احد أن يناوله إياه ..وخليفة يحمل حاجاته على كتفه.. وآخر ينير الفانوس بيده وهكذا تتواصل معاني العزة والاعتماد على الذات..
فإياك إياك أن تعطي مفتاح سعادتك وراحتك في يد الآخرين وتعلق قلبك على نفوسهم أعطوك أو منعوك .. فلتحمل راية الثورة على طبائع النفس في الاتكال ولتحك جلدك بظفرك وتتولى جميع أمرك ..فكرامة ومروءة دينك ونفسك تدعوك وطاعة الله والايجابية والقدوة رائدك وكتاب الله وإخوان صدق دليلك..فهيا الى طريق الثورة وطريق المنار لنفس غنية باقتدار.