التاريخ بيت ضخم أبوابه كثيرة و مشرعة , منها ما كان نتيجة لخير الأفعال و أخرى لشرها , دخل إلى

ذلك البيت العظماء المصلحون والطغاة الظالمون , تقرأ سير بعضهم فتفرح وتقرأ أخرى فتكتئب , يقول

أحد الفلاسفة :" أما الرجل الصانع للأحداث فهو رجل أحداث , أفعاله هي نتائج طاقات وملكات ذكاء

حاد وإرادة قوية وشخصية بارزة أكثر مما هي نتائج حوادث عارضة " .


إننا في عصر توسعت فيه العلوم , وتعدد فيه الاتجاهات ولا مناص من أن نركز جهودنا النهضوية في

مسارات محددة فأشعة الليزر لم تكن بتلك القوة النفاذية إلا لأنها مركزة الإشعاع , إن عدم تركيز

المجهودات – سواء كان التركيز بمعناه العام في اختيار طريق للنجاح أو التركيز الخاص في سلسلة

المهام المناطة - يصيب المرء بنوع من الفوضى النفسية وعدم تقبل الذات كما يفقده قدرا ضخما من

ثقته بإمكانياته , وغالب أولئك يمكن أن نقول عنهم أنهم مصابون بـ"داء الفراشة " لكثرة تنقلهم بين

الأعمال , إن المتأمل لسير الأفذاذ السابقين منهم والمعاصرين أيضا يلمح قوة تركيزهم في مهام معينة

و يجد أن لديهم جلدا على الإستمرار والمثابرة , إن هنالك من يستعجل الحصاد ويريد أن يروم القمة في

أسرع زمن , وهذا لا ريب أنه حيلة شعورية تقضي بصاحبها إلى الإخفاق يقول هانك آرون : " أعتقد

أن ما يميز النجم على اللاعب العادي أنه يركز لفترة أطول قليلاً " .


إن عمق التأمل في مسارات النجاح المتاحة وعملية الاستمرار في اختيار الأنسب منها وتجربته له من

أفضل الوسائل المعينة على النهضة الذاتية . يقول جون ماكسويل :" إن العالم الذي نعيش فيه اليوم به

عدد غير محدود من الخيارت والفرص , ولهذا السبب يجد أكثر الناس أنفسهم مشتتين بين عشرات

الاتجاهات , والأسوأ من ذلك أنهم كثيرا ما يكتشفون أنهم ينفقون قدرا كبيراً من وقتهم وطاقاتهم في

أشياء لا تهمهم "


إن دعوتنا إلى التخصص في البناء و الانتاج لا تعني أبدا أن يتقوقع المرء في نقطة واحدة فقط بل لابد

من أن " يأخذ من كل شيء شيء ويأخذ في الشيء كل شيء" , ولا يمنع أن يكون الإنسان الطموح قد

ارتسم لنفسه مسارين أو ثلاثة تكون كلها موجه لخدمة مشروعه الحضاري الشخصي .