التسويق هو طريقك للتميز
"كل تقدم في حياتك يبدأ بفكرة من نوع ما، وبما أن قدرتك على خلق أفكار جديدة غير محدودة، فمستقبلك أيضًا غير محدود"
براين تراسي
فكل ما يهم حقًا هو ضرورة عثورك على وسيلة تعبير، يمكن عن طريقها توصيل معلومة بسيطة عن هذه الفكرة، مفادها أنك مختلف كل الاختلاف عن أقرانك العاملين في مجال عملك، ويفعلون ما تفعله ويبيعون ما تبيعه، عليك أن تعثر على طريقة تجعلك فريدًا من نوعك، متميزًا ومختلفًا عن غيرك، فهل تعرف ما هي وسيلتك لفعل ذلك؟ إنها التسويق، وما هو إلا هذه الوسيلة لعمل ذلك، ولترسيخ هذه الحقيقة في ذاكرة العملاء.
قضية العصر:
تعتبر دراسة التسويق من أهم الاتجاهات في الفكر الإداري، فالتسويق ـ عزيزي القاريء ـ يطبق كنشاط، طالما وجدت أي عملية تبادلية بين طرفين أحدهما المسوِّق وهو الذي يقوم بتسويق سلعة مادية أو فكرة أو خدمة ... إلخ، والطرف الآخر هو العملاء ويمثل مجموعة المستهلكين المحتملين للشيء محل التسويق.
ويعتبر موضوع التسويق هو قضية العصر، فالمبرر الإقتصادي لوجود أي منظمة – على اختلاف أهدافها - وبقائها في السوق، إنما يعتمد بصفة أساسية على مدى قدرتها على تسويق منتجاتها في الأسواق التي تخدمها.
وقد أضحى التسويق متغلغلًا في كافة حياتنا اليومية، وفي كل مجال من المجالات الاقتصادية، فالتسويق يُطبق الآن بنجاح ليس فقط في مجال إنتاج السلع الاستهلاكية والصناعية، وإنما أيضًا في مجال تسويق الأفكار والخدمات، بل وحتى فى مجال التسويق للقرار السياسي محليًا ودوليًا ولعلك تلاحظ ـ عزيزي القاريء ـ أنك تمارس العديد من الأنشطة التسويقية في مجال عملك أو حياتك الشخصية، بل أنت تعتبر ـ كمستهلك ـ جزءًا من السوق الذي تستهدفه وتخدمه العديد من المنظمات.
تعتبر أيضًا وظيفة التسويق من أهم الوظائف الإدارية لأي منظمة؛ فهي محددة لنجاحها، فقدرة أي منظمة على إنتاج السلع وتقديم الخدمات، تكون محدودة ما لم يصاحبها جهد تسويقي فعال، يساعد على تحديد احتياجات المستهلك وزيادة المبيعات والربحية التي تسعى المنظمة إلى تحقيقها، فقد تقوم إدارة الإنتاج بإنتاج سلعة معينة بكميات كبيرة وتكلفة مناسبة، وتضع إدارة البحوث والتطوير تصميمًا جذابًا للسلعة، وتوفر الإدارة المالية التمويل الكافي، ولكن كل هذه الجهود لن تؤتي ثمارها، إلا بالتسويق الفعال للمنتجات والخدمات التي تقدمها المنظمة للسوق المستهدف.
ماهو المقصود من التسويق؟
ولكن ماذا يعني لفظ التسويق بالنسبة لك؟ قد يستغرق الأمر فترة طويلة حتى تصل إلى الإجابة المطلوبة، وليس مستغربًا فهناك الكثير من الخلط في المفاهيم بين الدارسين والممارسين على السواء حول ماهية النشاط التسويقي، فلفترة طويلة من الزمان كان التسويق ـ ومازال للبعض ـ يعني البيع ومهاراته، وللبعض الآخر هو إتاحة وتوصيل السلعة في المكان والزمان الذي يرغبه المستهلك.
ولعل كثرة الإعلانات التي تراها أو تسمعها تجعلك تفكر في التسويق على أنه فن الإعلان عن منتجات المنظمة، لذا فإن كل هذه الاتجاهات التي أشرنا إليها تمثل جوانب أساسية للعمل التسويقي، ولكنها بالطبع لا تعني التسويق بل إنها إحدى مكوناته.
يمكن القول بأن التسويق يعني أشياء مختلفة للأفراد المختلفين، وقد تبنى بعض الكتَّاب وجهة نظر كلية "Macro Marketing" لتعريف التسويق على أنه: "خلق وتسليم مستوى معيشة أفضل"، ومن ثم فإن التسويق هو عملية اجتماعية، تهدف إلى تحقيق أهداف المجتمع، من خلال الموائمة بين المعروض غير المتجانس من السلع المقدمة بواسطة المنتجين، وبين الطلب غير المتجانس على السلع من جانب المستهلكين.
بينما البعض الآخر ينظر إلى التسويق من منظور جزئي "Micro Marketing" على أنه: "مجموعة من الأنشطة، التي تؤدي إلى إشباع إحتياجات المستهلكين، وتحقيق أهداف المنظمة، من خلال أنشطة تخطيط المنتج والتسعير والترويج والتوزيع، والتي تساهم في فهم الزبائن، بغية إيصال السلع وتقديم الخدمات، لتحقيق الاشباع المطلوب".
فالتسويق هو وسيلة لزيادة العوائد التي تحصل عليها من عمل تجاري، تلك العوائد توفر لك دخلًا أكبر، يجعلك تعيش حياة أفضل، وهو علم يحاول فهم ما الذي يجعل الفرد منا يوافق على شراء سلعة أو خدمة بعينها، منفقًا من ماله الذي كد في جمعه.
ولذا فإن التسويق الصحيح يبدأ قبل التصنيع، ويستمر طويلًا بعد وصول المنتج إلى الأسواق؛ فوظيفة التسويق هي تحويل رغبات المستهلكين المتغيرة، إلى فرص تحقق أرباحاً، وأما هدف التسويق فهو خلق حلول أفضل بكثير، توفر على المشتري الحاجة إلى البحث، وتوفر وقته وجهده، وتقدم مستوى معيشة أفضل للمجتمع ككل.
ومن ثم لا تنظر لممارسة التسويق على أنها التركيز للتخلص من السلعة اليوم، مع خسارة فعلية لمستهلك متوقع كان يمكن أن يعود غدًا، ولكن وظيفة مسؤول التسويق خلق علاقة طويلة المدى مع المستهلكين، تحقق منفعة متبادلة، لا تقتصر على عملية البيع وحسب.
ما الذي يميز أداء المنظمات؟
بدأ هذا السؤال ـ في الآونة الأخيرة ـ يطرح نفسه، على مستوى كل من الأكاديميين والممارسين، كنتيجة مباشرة لزيادة حدة المنافسة، ليس فقط على المستوى المحلي، بل على المستوى الدولي أيضًا.
وفي دراسة تضمنها كتاب البحث عن التفوق "Search of excellence" طبقت على خمسين من كبرى الشركات العالمية الناجحة مثل Procter & Gamble, IBM, 3M، وجد أن الشركات تشترك في صفات معينة تؤهلها لكي تكون من الشركات القائدة في الصناعات التي تعمل فيها، وقد ذُكر أن السمة المميزة للتفوق في هذه الشركات تكمن في:
1- القدرة على تقديم أفضل خدمة وجودة للمستهلك المستهدف.
2- القدرة على الابتكار، أي تقديم منتجات جديدة من وقت لآخر لمواكبة التغيرات المختلفة في احتياجات ورغبات المستهلكين.
وفي محاولتها إشباع احتياجات ورغبات عملائها، فإن هذه الشركات تضع مستهلكيها في بؤرة اهتماماتها، وتركز على اكتشاف ما يرغب المستهلك، وتترجم هذه الرغبات في شكل سلع وخدمات تقدم حلولًا لمشاكله، فعندما سُئل أحد المديرين في شركة IBM للحاسبات والاتصالات: "ما هي المنتجات التي تقوم ببيعها؟" كانت إجابته "إن الشركة لا تبيع منتجات وإنما حلولًا لمشاكل العملاء".
فقدرة المنظمة على إشباع احتياجات المستهلكين بكفاءة وربحية، هي المبرر الاقتصادي والاجتماعي لتواجدها في السوق واستمراريتها في تحقيق أهدافها.
فالمنظمات تسعى إلى تحقيق هدف مزدوج، وهو احتياجات عملائها وتحقيق مستوى ربحي مرضي، ويأتي ذلك بصفة أساسية من خلال النشاط التسويقي؛ حيث أنه النشاط الوحيد الذي يترجم مخرجات المنظمة وجهودها في شكل مقابل مادي، ويولد الإيرادات من خلال المبيعات التي تتحقق، حيث أن منتجات الشركة لا قيمة لها ما لم يتم بيعها في الأسواق.
الطفل الرضيع:
يظن البعض أنه لا يستطيع التسويق فصفاته لا تتفق مع هذه الوظيفة التي تحتاج إلى مقومات قد لا تتوافر به، وظنه هذا خاطئ، يرد عليه مدربو المبيعات، والذين يخبروننا أن كل البشر يتقنون البيع، ويكفيك النظر إلى الطفل الرضيع، فبضاعته هي البكاء والضحك، ومطلبه هو الطعام والشبع، إنك لا تجد طفلًا ـ في الأحوال العادية ـ يبكي وأمه لا تعيره بالًا، فالطفل يعرف بالفطرة كيف يحصل على مبتغاه بالبكاء، وكيف يكافئ بالضحكات وبانطلاق أسارير الوجه عندما يحصل على ما يريد، من أي كتاب أو مصدر تعلم هذا الطفل كيف يقنع أمه بأن تشتري منه بضاعته؟ من علَّم الطفل داخلنا كل هذا؟
إنها الفطرة التي أودعها الله فينا جميعًا، ولذلك حين تقول لي لا أستطيع التسويق، فأنا أرفض قبول ذلك منك، أنت تستطيع التسويق لنفسك، لكنك أنت من يرفض ذلك.
كان موقع "eBay" للبيع والشراء عبر الانترنت الأول في مجاله وفكرته، ولم يكن الأفضل برمجة وتصميمًا، بل بدأ متواضعًا مجانيًا، ثم مع إقبال الناس عليه، بدأ الموقع يوفر المزيد من الخدمات، مع تزايد عملاء الموقع؛ انطلق مؤسسه يسوق للموقع بكل قوة، وفي أشهر المواقع والأماكن.
في كل قصة نجاح ستجد للتسويق يدًا فيها، وإن كنت تريد أن تنجح، فعليك أن تستعين بمساعدة علم التسويق، بل يجب أن تعشقه، بسبب الفوائد التي ستعود عليك من ورائه، فهو سبيلك لأن تبدأ مشروعك الخاص بنجاح وتحقق حريتك وانطلاقاتك.
ولتعلم أن المرونة والتكيف سمتان رئيسيتان للنجاح في عصر التغيير السريع والمنافسة والتطور.
ولكن يبقى السؤال الأخير هو أكثر الأسئلة أهمية، فعلى كل منا أن يسأل نفسه كيف يستطيع أن يفهم التسويق أكثر؟ وكيف يبدأ حياته التسويقية؟
المراجع:
1- التسويق للجميع، رءوف شبايك.
2- مبادئ التسويق، د. محمد فريد الصحن.
3- كلية كيلوغ للداسات الإدارية العليا تبحث في التسويق، هيئة أساتذة التسويق في كلية كيلوغ.
4- القوانين العامة للنجاح، بريان تراسي.
5- البحث عن التفوق، توم بيتر وروبرت وترمان.
المفضلات