الناس أهم من العمليات

هذا هو الاكتشاف الذي عاد إليه المديرون ورجال الأعمال

مؤخرا . فبعد رحلات مضنية عبر نظريات وممارسات

إدارية متباينة مثل الإدارة بالأهداف وإدارة الجودة الشاملة

والهندرة والإنتاج اللحظي والتحسين المستمر، لم يجدوا

أبد ا من العودة إلى المبدأ الأول، وهو البشر أنفسهم . فأنت

تستطيع أن تستأجر سواعد الأفراد وعقولهم لتصميم وتنفيذ

العمليات، لكنك لا تستطيع امتلاك قلوبهم .


العمليات لا تفكر ولا تتعلم، أما البشر فهم الذين من

يفكرون ويتعلمون وينافسون ويغيرون . لذلك كان من

الخطأ أن نركز على العمليات ونهمل الأفراد . أما السؤال

الأبدي الذي لا يتغير ولا يغيب أبدا عن أي بيئة عمل في

أي زمان ومكان، فقد كان ومازال :

كيف نقود الأفراد إلى أفضل وضع ممكن لمصلحتهم

ومصلحة الشركة

من هنا يعود التحول من هندسة العمليات إلى قيادة

السلوكيات أو هندسة العلاقات . ورغم هذه العودة ما زالت

الممارسات والمفاهيم الإدارية فيما يتعلق بالإدارة غامضة

في أذهان الكثيرين
.
مكونات القيادة :

القيادة هي ممارسة التأثير على الأفراد بحيث يتعاونون

في سبيل تحقيق هدف مشترك
.
ويرى علماء نفس الاجتماع أن الرغبة في القيادة هي

إحدى الرغبات الغريزية التي تظهر لدى الإنسان، بمجرد إشباع الرغبات الأولية

بتوفر الغذاء والمأوى والرفيق .

وأن لهذه الرغبة الغريزية شكلان أساسيان ومتقابلان :

- رغبة التوجيه :

وهي تتمثل لدى القلة التى ترى في نفسها القدرة على

تحمل مسئولية قيادة الآخرين وتوجيههم إلى هدف واضح

وحدد .
- رغبة الطاعة :

وهي تتضح لدى الأغلبية التي تشفق من هول مسئولية

القيادة، ولكنها في الوقت نفسه تسعى لتحقيق هدف ما،

فتفضل أن تنضوي تحت لواء قائد أو نظام تثق قيه وتمنحه

ولاءها.

إذن عناصر القيادة ثلاثة، هي :


- قائد

- أتباع

- هدف مشترك

فإذا انطوت هذه العناصر الثلاثة داخل شكل من أشكال

التنظيم، فإنها تكون مؤسسة . أما إذا فشلت في ذلك فهي

تبقى مجرد " شلة " أو مجموعة

مجال القيادة :

القيادة علاقة نسبية تعتمد على المجال الذي تتبلور داخله .

فربة البيت مثلا تعتبر قائدة لأولادها وبناتها الصغار،

ولكن سمة القيادة تسلب منها داخل المجال الذي يجمعها

مع زوجها أو رئيسها في العمل . آما يحدث لك أن ترغب

في التطوع لقيادة فريق كرة القدم بالجامعة، ولكنك تشفق

من مجرد التفكير في الترشيح لمنصب وزير التعليم .

وذلك هو نفس ما يشعر به وزير التعليم إذا رشح لقيادة

فريق كرة القدم . فكل منا قائد في مجالات محددة، ولكنه

سرعان ما يصبح تابع ا مطيع ا في مجالات أخرى .

مجالات الخوف والمسئولية :

يعتقد معظمنا أن حب القوة ليس له نهاية، لأن كل الأفراد

والمؤسسات والدول تسعى لامتلاك المزيد من القوة في

كل لحظة دون أن يرتوي ظمأها . ولكن يبدو أن هناك

بعض الحدود الصارمة على حب القوة، والتي تمارس

تأثيرها علينا دون أن تلفت انتباهنا . فكما يحدث في رواية

"كارمن" يصعب على البطل أن يستمر في حب الفتاة

المغرورة التي لا تبادله حبا بحب فيتخلى عنها، بل ويقتلها

في النهاية . على نفس المنوال نجد الضعيف يستبشع

الممارسة الصريحة للقوة ويستمرئ استعراضات الأقوياء

. فالأفراد يرحبون بالقوة طالما كانت في مجال تفوقهم


وتنافسهم . أما إذا عجزوا عن التنافس في مجال ما فإنهم

يتبعون قائدا . فالعجز يولد الخوف . وأينما يحل الخوف يبحث الأتباع عن

السلطة ويخضعون لها
. وهذا يدل على

أن هناك رابطة قوية بين القوة والمسئولية والخوف . فمن

يخاف في أحد المجالات ينطوي تابعا بداخله ومن يتحمل

المسئولية في أحد المجالات يبرز قائد ا فيه .

الهدف :

لا تصلح الأهداف العادية لتجميع الأتباع حول القادة . بل

يجب أن يتسم الهدف، الذي يجتمع حوله كل من القادة

والأتباع، في مجال معين، بسمتين محددتين، هما :

- الجدية :

يجب أن يكون الهدف خطير ا وجاد ا ومعقد ا بدرجة تجعله

مستعصي ا على المحاولات الفردية . وهذا هو مصدر

الخوف.

- الإمكانية :

أيضا، يجب ألا يكون الهدف مستحيل التحقيق، ومن وجهة

نظر القادة والأتباع، وأن يكون أساسيا وجوهريا لكل

الأفراد وجدير ا بالسعي وراءه ويمكن إحرازه . وهذا هو مصدر المسئولية

والإيمان


سر قوة القائد :

يستمد القائد قوته من المصادر الأربعة التالية :

١- الوراثة :

الملك الذي يرث السلطة عن أبيه يعتاد التصرف في موقع

القيادة، وتصدر قراراته خالية من بعض الغرور والخيلاء

الذي يصيب الكثير من حديثي العهد بالسلطة .

٢- العلاقات العامة والاجتماعية :

هناك من القادة من يعتمد على شخصيته وحدها وقدرته

على التأثير في الآخرين، وإقناعهم بالحجة والبرهان . مثل

هؤلاء القادة يعمدون إلى استخدام الأساليب المختلفة

لتحفيز المرءوسين .

٣- الخبرة التقنية والمعرفة العلمية :

ليس هناك ما يثير العجب في أن يختار وزير الصحة من

بين الأطباء أو أن يختار وزير العدل من بين القضاة


٤- القدوة الأخلاقية والسلوكية
:
هناك عدد من القادة الذين يقدمون

لمرءوسيهم القدوة اللازمة لتغيير

سلوكياتهم و قيمهم . فهم يبذلون من

الجهد والوقت آكثر من أي فرد آخر

بالشركة . وهو ما يشجع

المرءوسين على التفاني في العمل

أكثر فأكثر .


القيادة في مجال الأعمال :

بالرغم من أن الأسس النظرية التي عرضناها سابق ا تنطبق

على أي تنظيم مؤسسي، فإننا بانتقالنا إلى دراسة القيادة

الاقتصادية، ننتقل من التركيز على أشكال التنظيم

والمناصب المؤسسية . فداخل نطاق العمل أنت تعمل

على
المستويين التاليين :

- على مستوى الوسائل : تأصيل قيم الابتكار والأمانة

والتعاون ورفع الأداء لدى المرءوسين .

- على مستوى الغايات : تحصيل النتائج والتركيز على

تحقيق الغايات العليا للشركة
.
الإشكال القيادي في الشركات

وصلنا أخير ا إلى الهدف الأساسي من تناول هذا الموضوع

. فما هي الفائدة التي يجنيها المدير من قراءة هذا

الكلام عن القيادة ؟ ما هي المشكلة التي نحاول أن

نقديم علاج لها ؟

يمكننا أن نلخص الإشكال القيادي الذي يواجه معظم

الشركات في مشكلتين أساسيتين هما :

المشكلة ١ : هروب القيادة :

من المفترض أن لكل شركة قائد يجتمع حوله الأتباع

وينسجون حوله جهودهم . ومن المفترض أن يكون هذا

القائد هو صاحب أعلى سلطة في الشركة . لكن يبدو أن

معظم قادة الشركات - أو مديري العموم كما يحلو أن

يصفوا أنفسهم - يتناسون هذه الافتراضات . ويعتقدون

أنهم بهذه الطريقة يستطيعون الهرب من مسئولية القيادة

فما هو تأثير هذا الهروب على أداء الشركات، في إطار ما

عرفناه عن مجالات المسئولية والخوف ؟ هل يمكننا أن

نستنتج من هذا أن قادة الشركات أصبحوا يخافون مسئولية

القيادة ؟ وما علاج هذه المشكلة ؟


المشكلة ٢ : مصيدة القيادة :
عندما يقرر قائد الشركة تولي مهام منصبه الحقيقي

ويشرع في ممارسة سلطاته الفعلية، فإنه كثيرا ما يغلب

الجانب الانفعالي على الجانب العقلاني . فيصر على

الإمساك بزمام الأمور بشدة، ويحار في قدر التمكين منحه

للعاملين .

فمن ناحية، يشعر القائد بأن عليه أن يلم بكل صغيرة

وكبيرة تدور في شركته، ليتمكن من السيطرة على

الأمور، وهو ما يضطره إلى بذل قدر هائل من الجهد

والوقت في العمل . وهنا يعتاد العاملون، طبق ا لنظرية

التوقعات المشتركة، قيام القائد بصناعة كل القرارات

الحيوية والثانوية بالشركة . وهو ما يجعلهم أشبه بالآلات

غير المفكرة . فيرون أن كل ما عليهم أن يفعلوه هو تنفيذ

أوامر القائد الحرفية . وبهذا تركد قدراتهم الابتكارية

والتطويرية وتفقد الشركة جزء ا من أهم أصولها البشرية .

وبذلك تقع الشركة في مصيدة القيادة المحبطة . وهنا يثور

سؤال :

ما هو نمط القيادة الأمثل للشركات ؟ أو ما هو نمط القيادة

الذي يفترض أن تتبناه كل الشركات ؟

الأنماط الفعلية للقيادة :
تنفرد كل شركة بيئية خاصة وشخصية تميزها عن غيرها

. وعند دراسة ممارسات وأنماط القيادة كما نجدها متحققة

في كل الشركات، يمكننا أن نحصل على أربعة أنماط

فعلية للقيادة، كما يلي :

النمط الأول : المتسلط

وهو النمط الذي يركز على العقاب أكثر من مما يركز

على الثواب . وفيه لا يثق المديرون في مرءوسيهم، ولا

يمارسون أي قدر من التحفيز الحقيقي. وتسري

الاتصالات في اتجاه واحد من القمة إلى القاعدة . وتتخذ

جميع القرارات في القمة دون أية مشاركة من العاملين .

النمط الثاني : الدكتاتور العادل

ويعتبر هذا النمط نوعا من التسلط الرحيم، حيث يوجد نوع

من الارتباط والعلاقة الإيجابية بين المرءوسين والقائد،

حيث يعمد القائد إلى التركيز على المكافآت أكثر مما يركز

على الجزاءات

ولكن العلاقة بين القائد والموظفين تشبه العلاقة الأبوية

حيث لا يسمح بالمعارضة ولا يفكر أحد في مناقشة أوامر

القائد لأنه مثال الحكمة والعلم والرحمة و الأبوة


النمط الثالث : المشاركة المحدودة

حيث يسمح للعاملين بقدر محدود من التأثير على عملية

صناعة القرار، حيث يستشيرهم القائد ويستطلع أراءهم

قبل اتخاذ القرار . وهنا تسري الاتصالات في اتجاهين

بين القمة والقاعدة . ولكن تتميز الاتصالات المتجهة من

الموظفين إلى القائد بالتزامها الحذر والحرص الشديدين،

وتستخدم ألقاب التفخيم والمدح بإفراط .

النمط الرابع : التفاعل المطلق

وهو نمط المشارآة الفعلية، حيث يثق القائد في قدرات

مرءوسيه، ويعتمد عليهم بدرجة آبيرة في عملية صناعة

القرار . آما تتراص المناصب في شكل أفقي وتتدفق

الاتصالات في جميع الاتجاهات، لتسمح بتداول المعلومات

بحرية .

الأنماط الغالبة :

يحتل النمطان الثاني والثالث أغلب الحالات الواقعية

المعروفة، ولكن الرغبة في التحرك محو النمط الرابع

تسيطر على معظم الأتباع. بينما يرغب معظم القادة في

التحرك نحو النمط الأول. وبما أن الوصول إلى النمط

الرابع آكثر صعوبة ويتطلب فترة زمنية أطول، فإن أكثر

المؤسسات تقنع بالبقاء عند النمط الثالث والركون إلى


ممارساته

يحلو للبعض القول بأن النمط الرابع أكثر فعالية من النمط

الأول. لكن هذا مجرد واحد من الأحكام المتسرعة التي

نطلقها دون تمعن بين الحين والأخر. فلابد أولا من

دراسة الظروف للمؤسسة وطبيعة المهمة التي تختارها

لنفسها. فداخل المؤسسات العسكرية مثلا قد يكون من

الخطورة بمكان التوقف للاقتراع على قرار ما. ورغم

الطابع السلطوي للمؤسسات العسكرية فإن هذا لا يمنع

الأفراد من الشعور بحب القائد والانتماء الصادق له. فقبل

أن تختار نمط القيادة الفعال لمؤسستك، عليك أن تأخذ

بالاعتبار المعايير الثلاثة التالية:

١- درجة التفاعل بين القائد والأتباع:

ويعني هذا المعيار بقياس قدرة القائد على التأثير في

الأتباع، وهو ما يختلف تبع ا لاختلاف عدد الأتباع

وثقافتهم ووسائل الاتصال التي يستخدمونها وأساليبها.

٢. طبيعة المهام والعمليات:

من البديهي أن يختلف نمط القيادة الذي ينتهجه مدير معمل

كيميائي مع باقي الكيميائيين عن نمط القيادة الذي ينتهجه

مدير محطة الوقود المجاورة مع العاملين. فالمهام

والوظائف المعقدة التي تتطلب إشراف ا عملي ا وعلميا

تستدعي نمطا يختلف عما يصلح للمهام البدنية السهلة،

التي يتحول فيها الإشراف إلى مراقبة. فكلما زادت درجة

تعقيد المهام التي يقوم بها الأتباع، كلما زادت قدرة

المؤسسة على التحرك من النمط الأول إلى النمط الرابع.

٣. سلطة موقع القيادة:

فسلطة مدير شركة على مرءوسيه تقل كثير ا عن سلطة

القائد العسكري على جنوده. وكلما زادت الصلاحيات

الممنوحة للقائد تمكن من التحرك من النمط الرابع باتجاه النمط الأول.