في معنى التمثلات
صورة الدنيا على خمسة أجزاء كرأس الطير والجناحين والصدر والذنب. فرأس الدنيا الصين، وخلف الصين أمة يقال لها واق واق، ووراء واق واق من الأمم ما لايحصيه الله. والجناح الأيسر الخزر وخلف الخزر امتان يقال لإحداهما منسك والأخرى ماشك وخلفهما يأجوج ومأجوج من الأمم ما لا يعلمهما إلا الله. وصدر الدنيا مكة والحجاز والشام والعراق ومصر. والذنب من ذات الحمام إلى المغرب. وشر ما في الطير الذنب[1].

عبد الإله عقار-مترجم



في البدء كان التمثل.هكذا كان تمثل العالم-الدنيا-في الحكاية التي تنسب بداية الكرطوغرافيا العربية إلى عمر بن العاص. إن القارئ لهذه الأسطورة يجد نفسه أمام صورة ترسم في الذهن رغما عنه وتتبادر لذهنه أسئلة كثيرة من بينها:
لماذا تم استعمال هيئة الطائر الحمام وليس طائرا آخر لتمثيل الدنيا؟؛
لماذا رأس الطائر الصين؟ ألصدارتها آنذاك أم لسبب آخر؟؛
لماذا الصدر هو مكة وباقي الأقطار المذكورة؟ ألتواجد القلب في الصدر، فنكون أمام مركزية جغرافية؟ أم أن صدر الأمور أشرفها؟؛
وأخيرا، لم أردف بقولة: شر ما في الطير الذنب؟ هل المسألة عامة بالنسبة لكل الثقافات، أن شر ما في الطير الذنب؟ أو لهذه الدرجة، كانت البلدان التي تم موضعتها في الذيل، شرا؟ وإن كانت كذلك أين يكمن الشر فيها؟ أو كلها شر؟ أليس هذا تعميم جلي؟ أو بالأحرى ألسنا أمام حكم للقيمة هنا؟ قيمة الخير مقابل قيمة الشر. أم هي صورة نمطية كانت ملتصقة ببعض البلدان آنذاك؟
كلها أسئلة تستدعي إجابتها الرجوع إلى تلك الحقبة التي أنتج فيها هذا الخطاب عن الكارطوغرافيا والذي نجد بين ثنايا اللغة التي ممر عبرها، تمثل للعالم.
لا يهمنا في هذا المقام الضبط التاريخي لثقافة مجتمع معين أنتج في فترة من فتراته خطابا معينا، بقدر ما تهمنا الميكانيزمات المساهمة في بنائه والقناة التي وصلنا بها، بل والإشباع القيمي الذي يحتويه. ومن هنا، يمكننا هذا التصديرمن الوقوف في لحظتين على مسألتين مهمتين:
اللحظة الأولى، تحيلنا إلى مسألة اللغة وحمولاتها، واللحظة الثانية، تدفعنا إلى الصورة الذهنية للعالم التي نستشفها من خلال هذه اللغة.فإذا ما نحن تبنينا الأطروحة العامة المقبولة لدى علماء السيميائيات والأثروبولوجيا اللسانية والقائلة:"ن منظومة لغوية ما (ليس المفردات فقط بل النحو والتراكيب) تؤثر في طريقة رؤية أهلها للعالم وفي كيفية مفصلتهم له، وبالتالي في طريقة تفكيرهم[2]" فإن معنى الكلمة تحمل قليلا أو كثيرا من خصائص رؤية أهلها للعالم وكيفية مفصلتهم له وطريقة تفكيرهم في ظواهره. هذه هي الدعامة الأولى التي تحيلنا إليها لحظة مسألة اللغة.
أما اللحظة الثانية، لحظة صورة العالم من خلال اللغة، فإن الصورة تعطي للعالم هوية، بنية ومن ثم تمده بمعناه .وفي هذا الصدد، قدم ألان يابفيو، عالم النفس من جامعة تورنتو، ما سماه بنظرية الترميز الثنائي أو المزدوج للمعلومات. حيث أشار إلى أن المعلومات يجري تمثلها في الذاكرة من خلال نسقين أو نظامين منفصلين لكنهما مترابطان تماما: نظام التفكير بالصور العقلية والنظام اللفظي .وهكذا، نجد أنفسنا أمام طريقين، على الأقل، مؤديان إلى التمثلات، تمثلات شخص ما لشيء ما في أفق الحصول على المعنى الذي يعطيه الشخص للشيء اوالمعنى الذي يعطيه الشخص لمعيشه مثلا"[3].
ومما سبق، سيكون منطقنا في هذا الموضوع: التمثلات والتواصل، متأطرا بالتالي: بقدر ما نفهم المواقف والتاريخ الشخصيين للمتواصل معه، بقدر ما نكون على خطى فهم ومعرفةللبيئة التي يعيشون فيها . وبدرجة معرفتنا، من جهة أخرى، للوسط الذي تعيش فيه أو عاش فيه الفرد وفق تصور نسقي، بدرجة ما تصبح تصرفاته واضحة وتطلعاته جلية والكل عبر تمثله.

وسنقوم في البدء بالتطرق للتمثلات ثم بعد ذلك سنربطها بالتواصل اللفظي،الجسدي،المجالي.


فما معنى التمثلات إذن؟

[1] Ahmed, Elgharbaoui, la cartographie arabe des d&buts de l’époque moderne,
عبد الإله عقار، ترجمة" الكرطوغرافيا العربية، من بدايتها حتى العصر الحديث، مجالات ماربية، الاتحاد الجغرافي المربي، ع1، 2007، ص ص 7-20.
[2] Adam Schaff, langage et connaissance, Athropos, Paris, 1967,pp5-6 in.
محمد عابد الجابري، بنية العقل العربي، دراسة تحليلية نقدية لنظم المعرفة في الثقافة العربية، كلية الآداب، المركز الثقافي العربي، الرباط، 1986، ص 11.
[3] - شاكر عبد الحميد، عصر الصورة، السلبيات والإيجابيات، عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 2005، ص 155.