الدافعية وأهميتها في سلوك المنظمات





جلس هاني السيد مدير عام شركة الأمانة في مكتبه وحيدًا يفكر في التقرير الذي رفعه إليه علي شرف مدير مصنع الشركة بخصوص فريق الصيانة في المصنع, كان أكثر ما يشغل باله في هذا الخصوص هو التحول الغريب الذي طرأ على المهندس سامح فؤاد مهندس الصيانة, ما زال هاني يذكر جيدًا حواره الأول مع سامح في بدء التحاقه بالعمل بالشركة, لا ينسى حماسه وطموحه واستعداده المستمر للعطاء والبذل لمدة ستة شهور كاملة ... ستة شهور كان فيها مضرب المثل في المصنع كله.

ومع كثرة الظروف الصعبة التي مرت على المصنع كان سامح دائمًا على مستوى المسئولية, كما أنه كان متميزًا بقدراته العالية بشهادة كل من عمل معه, ثم ... تغير كل شيء, اختفي الحماس والجهد الكبير مفسحين الطريق للخمول واللامبالاة, ظهر وجه آخر مختلف لسامح, وجه الموظف التقليدي المتمرس في فنون التسويف و"التزويغ", كثرت شكاوي مهندسي المصنع من تراخي الصيانة وطول أزمنة الأعطال, واضطر علي شرف الدين مدير المصنع أن يكتب هذا التقرير للمدير العام يطلب فيه إعادة النظر في تشكيل فريق مهندسي الصيانة بالمصنع, بما فسره هاني السيد على أنه رغبة في إنهاء التعاقد مع المهندس سامح فؤاد بالتحديد.

لماذا تحول سامح بهذا الشكل؟! ... سأل هاني نفسه, هل يكون السبب هو عدم إدراج اسمه في كشوف العاملين المستحقين لحوافز مالية إضافية في آخر العام الماضي؟ لقد شعرنا وقتها أنه لم يمضض عليه وقت كاف في الشركة ... مجرد ستة شهور ... بينما أمضى عدد من زملائه عدة سنوات في الشركة, رأينا وقتها أنهم أولى بالحوافز لأنهم يعولون أسرًا ومضت عليهم سنوات دون حوافز, هل يكون السبب تغيير رئيس فريق الصيانة بالمصنع بعدما اعتاد سامح العمل مع رئيسه الأول الذي كان معروفًا بحين تفاهمه مع مرءوسيه, وبمحاسبتهم على مدى انجازهم للأهداف المتفق عليها لا على إجراءات التنفيذ؟ هل يكون السبب تلك الشائعات التي سرت بالمصنع بأن الشركة على وشك التخلص من وحدة الصيانة كلها والاتجاه إلى عقود الصيانة الخارجية للآلات؟ أم يكون السبب عدم قدرتنا على تلبية طلبه المتكرر بالسفر إلى ألمانيا للتدريب على صيانة الآلات الجديدة التي تعاقدنا على إستلامها من هناك خلال شهور؟

كانت هذه هي العقلية الإدارية الصحيحة التي فكر بها هاني في التعامل مع المشكلة, فقد استخدم استراتيجية البحث عن جذور المشكلة, والسعي وراء معرفة أسبابها, ومعرفة الدوافع التي دفعته إلى هذا السلوك خصوصًا أنه ليس من أصل طبعه, فمعدنه الحقيقي ظهر وقت أن جاء للعمل في المصنع في بادئ الأمر.

الدافعية منذ الطفولة:

في المراحل المبكرة من حياة الطفل (الأطفال الرضع) يمر الطفل بمرحلة التمركز نحو الذات (Egocentric Stage)، كل ما يعرفه الطفل هو ما يريده، تتمثل هذه المرحلة بـ"ماذا أريد"، "إذا أردت شيئًا معينًا، يجب أن أحصل عليه"، كما أنه لا يوجد فهم لحاجات الآخرين، وبالتالي لا يوجد جدوى من أخذ موقف ضد طفل رضيع، فهو لا يميز بين الأمور.

إذا تمت تربية الطفل الصغير بالشكل الصحيح، وتم تقبل موجات غضبه ومطالبه، دون الاستسلام لها، فمن الطبيعي أن ينتقل الطفل إلى مرحلة "يجب أن أنتمي وأكون مقبولًا"، فالطفل هنا يريد أن يكون جزءًا من المجتمع حوله، ويتصرف بطريقة يتأمل من خلالها أن يكون محبوبًا. كل شيء عنده إما أسود وإما أبيض، إذا قابل ابتسامة فهذا يعني أنه محبوب، وإذا قابل وجهًا عابسًا، فإن ذلك يعني له أنه غير محبوب، وكثيرًا ما يقول الأطفال لآبائهم "أنتم لم تعودوا تحبونني" فقط بسبب وجه عابس. ويتم في هذه المرحلة أيضًا تطوير ظاهرة الجيد مقابل السيئ، فالطفل إما جيدًا وإما سيئًا.

ينتقل الطفل بعد ذلك إلى مرحلة "سأكون لطيفًا معك، إذا كنت لطيفًا معي"، والعدل مهم لهم في هذه الفترة، وهم لا يرون سببًا لأن يكونوا جيدين إذا لم تكن أنت كذلك، وهم يتحدون عندما يسمعون عبارات مثل "افعل كما أقول لك"، وكثيرًا ما يستعملون عبارات مثل: "أنت تصرخ، أليس كذلك"، "لقد رأيتك تفعل ذلك"، "هذا ليس عدلًا"، وغالبًا ما يستعمل الكبار هذه المرحلة لعقد صفقات مع الأطفال كنوع من التحفيز "افعل لي هذا، وسأفعل لك ذاك".

ثم ننتقل إلى مرحلة عندما يبدأ الطفل الناضج فهم معنى عمل شيء للمجتمع المحيط، كاللعب في فريق المدرسة لصالح المدرسة، وليس فقط لمكافأة ذاتية, وفي هذه المرحلة يدرك الطفل أهمية المجتمع المحيط، وأنه أحيانًا يجب التخلي عن الاحتياجات والمصالح الشخصية لصالح المجموعة، فعبارة مثل "هذا ليس مقبولًا في المدرسة" تثير دافعيته في هذه المرحلة.

وأخيرًا، يصل الطفل إلى مرحلة الاستنتاج أن لكل شخص قيمة وأهمية، وأن كل شخص يستحق احترامنا ليس بسبب ما يقوم به، ولكن لأنه إنسان, وفي هذه المرحلة تكون واجبات الفرد هي المهمة وليست حقوقه، وهنا تتم إثارة الدافعية من خلال التعاطف، إذ يتم استعمال عبارات مثل "كيف تشعر؟"، والطريقة الحقيقية الوحيدة لتطوير هذا المستوى عند الطفل، هي إشعاره بالتعاطف معه في مطالبه، فهم يحتاجون أن يشعروا بتعاطف الآخرين معهم حتى يبدأوا بفهم ذلك.

أنواع الدافعية المختلفة:

يختلف الأشخاص ويتباينون فيما بينهم في طرق الدافعية, وهذه هي الأنواع الخمس للدافعية التي يتفاوت فيها الناس:

1. دافعية العمليات الداخلية (Intrinsic process Motivation): الأفراد الذين تكون مصدر دافعيتهم العمليات الداخلية يقومون بالأنشطة التي يجدون فيها المتعة، ولا تكون التغذية الراجعة على أداء هذه المهمة أو التغذية الراجعة الاجتماعية ذات أهمية.

2. الدافعية الأدواتية (Instrumental Motivation): يكون هذا النوع مصدرًا للدافعية عندما يؤمن الفرد أن السلوك الذي سيقوم به سيؤدي إلى ناتج معين مثل الأجر، والمديح، ... الخ.

3. الدافعية المبنية على مفهوم الذات الخارجي (External Self Concept-based Motivation): يكون هذا النوع مصدرًا للدافعية عندما يتبنى الفرد توقعات المجموعة، حيث يهتم الفرد في هذه الحالة بالتغذية الراجعة الاجتماعية، ويتصرف بطريقة ترضي المجموعة للحصول على قبولها وعلى منزلة جيدة بينها.

4. الدافعية المبنية على مفهوم الذات الداخلي (Internal Self Concept-based Motivation): يكون هذا النوع مصدرًا للدافعية عندما يكون توجيه الفرد ذاتيًا، إذ يقوم الفرد بوضع معاييره الخاصة به، التي تصبح الأساس للذات الإنسانية.

5. تذويت الأهداف (Goal Internalization): يكون هذا النوع مصدرًا للدافعية عندما يتبنى الفرد توجهات أو سلوكيات بسبب انسجامها مع نظامه القيمي.

قوانين للدافعية الذاتية:

ولك كمدير فأنت بحاجة كبيرة إلى أن تمتلك قدرًا من الدافعية الذاتية, فالمدراء هم من لا يحتاجون إلى تحفيز خارجي لكي يقوموا بالعمل وإن كانوا يحتاجون إليه ليبذلون أقصي ما يملكون وبإتقان شديد لإنجاز العمل, وهذه بعض قوانين الدافعية الذاتية التي لابد لك من تعلمها:

1. الدافعية ليست نتيجة تأثير خارجي، بل هي ناتج طبيعي للرغبة في الإنجاز، وإيمان الشخص بأنه قادر على عمل الشيء.

2. إن الأهداف المبنية على أساس تحقيق رغبات إيجابية، أكثر قوة من الأهداف المبنية على الخوف السلبي، والخليط المناسب بين هذين النوعين هو الأكثر قوة.

3. ابدأ بتخيل النجاح المستقبلي بوضوح، والمشاعر التي ستمر بها عندما تحقق هدفك.

4. تقدم ذهنيًا في مسار باتجاه هذا النجاح، وتخيل مشاعرك في محطات مختلفة في هذا الطريق.

5. اعط أولوية عالية للمهمة.

إلى أداء أفضل:

الأداء= الدافعية*القدرات*البيئة

إنها معادلة التفوق, فإذا تساوى الناس في القدرات والبيئة فإن الدافعية تكون هي العلامة الفارقة, بل وقد نقول أنه إذا وجدت أعظم القدرات مع توافر البيئة الجيدة دون وجود دافع قوي فإننا نحصل على أداء ضعيف, بينما إذا توجدت إمكانيات متوسطة وبيئة مقبولة ودافعية منقطعة النظير فإننا نحصل على أداء ممتاز.

أهم المراجع:

1. السلوك التنظيمي, د.صلاح الدين عبد الباقي ود.علي مسلم وآخرون.

2. السلوك التنظيمي, د.حسين القزاز ود.أحمد ماهر وآخرون.

3. السلوك الإنساني في منظمات العمل, د.رفاعي محمد رفاعي.



مصطفى كريم