هل نصفح عن أخطاء الآخرين؟






السير في طريق الكمال هي الغاية التي نصبو إليها، فمنذ الطفولة ونحن نتعلم على يد والدينا أن نتصرف بأفضل ما يكون وأن نحسن التعامل مع الآخرين كما يفعل أي إنسان صالح، وأن نحسن الظن بالآخرين ونعفو عن المسيئين، وأن نشارك بقية الأطفال في ألعابنا، وأن نساعد الفقراء والمحتاجين، ليس هذا فحسب بل يعلموننا أيضاً كيف نحسن التفكير والتحليل بما تستوعبه عقولنا الصغيرة آنذاك.
وحينما نرتكب خطأً ما مخالفاً لما تعلمناه على يد آبائنا فربما يسيطر علينا هاجس الخوف من العقاب، وأن لايكون آباءنا على إستعداد للصفح عن أفعالنا السيئة، ولكن بعد مدة نكتشف أن آباءنا هم أكثر رحمة ورأفة بنا وقد سامحونا على ما فعلناه، وقد تصبح هذه البداية لدى بعض الأطفال ليتمادوا في الأخطاء وتكرار أفعالهم السيئة لأنهم أخذوا الإنطباع بأن الآباء متعاطفين ومتسامحين وأنهم سيعفون عن هفواتهم عاجلاً أم آجلاً.


وعندما نكبر تنتابنا أفكار مشابهة عن الإنسان الكامل، فنحلم بالإقتران بزوجة ذات سمو وكمال، وعلى وقع هذا الحلم ندخل العش الذهبي فتتجسم الصورة لدينا للإنسان الكامل على شكل إمرأة ولكن بعد حين تبدأ هذه الصورة تتغير شيئاً فشيئاً حتى نجد أن الصورة التي كانت في مخيلتنا ما كانت إلا حلماً جميلاً.
وبين مرحلة الصبا ومرحلة النضج البشري يتقلب الإنسان بين تحولات كبيرة: هي تحولات ذهنية يتدرج فبها الإنسان من الوهم والحلم والحقيقة، وحتى يستقر حاله على وقع الحقيقة يكون قد عايش وجرب حالات ومراحل نفسية مختلفة، ومن الناس من لايصل أبداً إلى الحقيقة لأنه يريد أن يعيش في كنف حلمه الطفولي، ومنهم من يصل إلى معرفة الحقيقة والواقع في سن متأخرة من حياته، ومنهم من يسبق ذلك فيصل إلى معرفة الواقع في باكورة عمره.



المهم هنا أن نعرف بأن فهم الحقيقة هوالذي سيساعدنا على تخطي مسيرة الحياة بأفضل ما يكون، فالزوج الذي لايزال يعيش مع حلمه الطفولي بأنه تزوج ملاكاً هذا الإنسان لن يستطيع أن يعيش مع زوجته الحالية، ولن يعرف كيف يتعامل مع الواقع الجديد، أما الشخص الذي خرج من حلمه الطفولي وأدرك حقيقة الواقع فإنه ستتوفر لديه إمكانية التعامل معه.


وكما نعرف أن الإنسان خطاّء، فكيف ينبغي أن نتصرف أزاء هذه الحقيقة البشرية، ففي تصوراتنا المخملية لانتوقع مطلقاً أن تصدر أخطاء من الأشخاص الذين نحبهم آباءاً كانوا أو إخواناً أو أصدقاء أو ازواج او غيرهم، وعندما نلمس الخطأ منهم، لاندري ما العمل!! هل نقاطعهم أو نتشاجر معهم؟ أم نعفو ونصفح عنهم؟


ونحن عندما نقرأ قصة أبينا آدم وامنا حواء وكيف عفا الله سبحانه وتعالى عن ذنبهم، ندرك أن الحياة قائمة على اساس العفو والرحمة، ولكن ليس من دون ثمن فأبونا آدم وأمنا حواء (عليهما السلام) دفعا ثمناً غالياً لخطئهما وهو نزولهما من علياء الجنة إلى دنية الدنيا، فإذا كان هذا عقابهما لذنب واحد إقترفوه فما مصيرنا نحن الأرضيين الغارقين بالخطايا والذنوب؟



وهنا يجب التفريق بين العفو عن المجرمين وبين العفو والتسامح عن هفوات الناس وأخطائهم البسيطة التي إرتكبوها عن غير عمد والتي لم تتجاوز حدودها الدماء والمال والأعراض، ففي القصاص تتحقق معاني الحياة لأولئك الناس المسالمين الذين يريدون العيش بسلام وآمان.
إن الذي يستحق العفو هو ذلك الشخص الذي يريد أن يبني الحياة ويحاول جاهداً أن يرفع نفسه نحو الكمال، ومن هنا يتبين أن المسيرة الإنسانية الصحيحة هي التي يتعلم فيها الإنسان كيفية الصعود على درجات التكامل، لا أن يبقى في موقعه مكرراً نفسه و أخطاءه و كل يوم جديد يأتي عليه وهو قابع في زاوية النسيان.


هذا المبدأ ينطبق عليك كما ينطبق على زوجك وصديقك وقريبك وغيرهم، فما دمت لم تصل إلى درجة الكمال فلا تتوقع من الآخرين أنهم وصلوا إلى ذلك المستوى، فيجب أن تتوقع منهم الخطأ وأن تسامحهم وتصفح عن هفواتهم وأخطائهم.


إنك لو دققت في التضحيات التي تقدمها زوجتك لرعاية أطفالك، مثل: إستيقاظها في الليل لرعاية الأطفال وعنايتها بهم وإنشغالها الدائم في توفير الراحة لك ولأطفالك وكذلك بقية الأمور والمسائل لأدركت أن زوجتك أفضل من ملاك، لأنها هي المخلوقة من عالم المادة الدونية والروح العلوية تمكنت أن تتغلب على طبيعتها الأرضية وتضحي بوقتها وعمرها وشبابها في سبيل تحقيق السعادة لأسرتك، وهي في الواقع تقوم بأكثر من مجهودها.. أفليس من اللائق عندما ترتكب خطأً ما أن تسامحها وتصفح عنها، وهذا الأمر ينطبق على الرجل كما هو على النساء.


وبشكل عام فأن الإنسان يجب أن يتخذ العفو منهجاً له في حياته ويستعمله في كل حين مع اصدقائه وإخوانه وأقربائه وغيرهم، فمعظم ما يصدر من الناس من هفوات بحق الآخرين هي عفوية وغير مقصودة، وعليه يجب أن يتحلى المرء بالصبر والحلم حتى يتمكن من التعامل مع الموقف الصعب بشكل لائق.


مانشيت:
بين مرحلة الصبا ومرحلة النضج البشري يتقلب الإنسان بين تحولات كبيرة: هي تحولات ذهنية يتدرج فبها الإنسان من الوهم والحلم والحقيقة، وحتى يستقر حاله على وقع الحقيقة يكون قد عايش وجرب حالات ومراحل نفسية مختلفة، ومن الناس من لايصل أبداً إلى الحقيقة لأنه يريد أن يعيش في كنف حلمه الطفولي