يتضح من التطورات الاقتصادية والاجتماعية التي سادت الوطن العربي في العقود الماضية أنها أثرت على قطاع الزراعة والغذاء في هذه المنطقة، حيث أصبح العالم العربي يواجه مشكلة حادة تتنامى حسب وتيرة سريعة تتمثل في تدني مستوى الاكتفاء الذاتي وتزايد الاعتماد على المصادر الأجنبية لسد احتياجاته من الغذاء.
وتحمل هذه المشكلة في طياتها احتمالات خطيرة قد تحولها إلى أزمة حقيقية في حال حدوث نكسات أو هزات في الظروف الاقتصادية والطبيعية العالمية تتسبب في نقص أو انقطاع الإمدادات الغذائية من الأسواق العالمية أو ارتباك وصولها إلى الدول المستوردة.
وتتصدر مسألة التنمية الزراعية قائمة أولويات التنمية الشاملة لدى أصحاب القرار السياسي والاقتصادي وكذلك اهتمامات الباحثين والمفكرين في العديد من مناطق العالم وبالذات عالمنا العربي. ويعزى ذلك إلى تنامي العجز الغذائي في الوطن العربي وتفاقمه, رغم الإمكانات والطاقات البشرية والموارد الزراعية والمالية المتاحة.
ويتبادر إلى الذهن التساؤل التالي: هل نجم العجز الغذائي العربي عن معوقات طبيعية أو عن عدم تكافؤ الموارد الزراعية مع الموارد البشرية, بحيث أصبح الوطن العربي ينتج أقل مما يستهلك أو يستهلك أكثر مما ينتج؟
ولمعرفة محددات الأمن الغذائي العربي سنحاول تقديم بعض الإحصائيات والمؤشرات حول الإمكانات البشرية أي حجم السكان والقوى العاملة العربية والسكان الزراعيين.
الموارد البشرية العربية
”
يأخذ قطاع الزراعة مكانة هامة في اقتصاد العديد من الدول العربية, خاصة في توفير المنتجات الغذائية لإشباع حاجيات السكان وخلق فرص عمل لشريحة واسعة من السكان وتوفير المدخلات الوسيطة للعديد من الصناعات التحويلية، بالإضافة إلى مساهمته في مصادر النقد الأجنبي من خلال إنتاج سلع قابلة للتصدير.”
يقدر عدد سكان الوطن العربي بحوالي 279.1 مليون نسمة عام 2000 وهو ما يعادل 4.5% من مجموع سكان العالم (التقرير الاقتصادي العربي الموحد، عدد سبتمبر/ أيلول 2001). وقد سجلت الفترة الأخيرة حالة تحول ديناميكي -من حيث الكم والتوزيع بين الريف والحضر- في الموارد البشرية في الوطن العربي الذي يعتبر معدل النمو الديمغرافي فيه عاليا إذ يصل في المتوسط إلى حدود 3% سنويا. كما شهد التوزيع القطاعي لهذه الموارد تغيرا واضحا في الهيكل الاقتصادي العربي.
وتشير البيانات المتوافرة إلى أن القوى العاملة في البلدان العربية تمثل حوالي 32% من مجموع السكان عام 2000 أي ما يعادل 92 مليون عامل. ويستحوذ قطاع الزراعة على نسبة 30% من مجموع القوى العاملة، وهو ما يعادل 27.4 مليون عامل في نفس العام.
يحتل قطاع الزراعة مكانة هامة في اقتصادات الكثير من الأقطار العربية, خاصة في توفير المنتجات الغذائية لإشباع حاجيات السكان وخلق فرص عمل لشريحة واسعة من السكان وتوفير المدخلات الوسيطة للعديد من الصناعات التحويلية، بالإضافة إلى مساهمته في مصادر النقد الأجنبي من خلال إنتاج سلع قابلة للتصدير.
وتختلف الأهمية النسبية لهذا القطاع في الاقتصادات العربية اختلافا واضحا تبعا لاختلاف توزيع الموارد بينها. وفيما يلي أسماء الدول الثمانية الأولى من حيث مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي (حسب إحصائيات عام 2000) مع ذكر نسبة المساهمة:
السودان (34.2%). العراق (32.1%). سوريا (25.6%). موريتانيا (19.5%). مصر (15.8%). اليمن (15.3%). المغرب (12.3%). تونس (12.1%).
وتنخفض مساهمة الزراعة في الناتج المحلي الإجمالي إلى مستوى ضعيف يتراوح بين 0.3% و5.4% في أقطار مجلس التعاون الخليجي التي تتميز بموارد زراعية محدودة تقابلها موارد مالية هائلة (التقرير الاقتصادي العربي الموحد، عدد سبتمبر/ أيلول 2001, ص 36).
ونظرا للتفاوت في أهمية القطاع الزراعي في الهيكل الاقتصادي للدول العربية, فإن أهمية هذا القطاع في استقطاب وتشغيل اليد العاملة تتفاوت كذلك بين الدول العربية، إذ يظهر التوزيع القطري للسكان الزراعيين تباينا واضحا بين المجموعة العربية, ففي عام 1999 استقطب قطاع الزراعة حوالي:
72% من مجموع القوى العاملة الكلية في الصومال. 62% في السودان. 53.4% في موريتانيا. 52.6% في اليمن. 40.2% في عمان. 37% في المغرب. 30% في مصر. 28.3 في سوريا. 25% في تونس والجزائر. بين 1 إلى 6% في كل من الكويت والبحرين وقطر والإمارات وليبيا ولبنان.
وبصورة عامة يلاحظ تراجع السكان الزراعيين في البلدان العربية في الآونة الأخيرة ولو بنسب متفاوتة. وقد يرجع ذلك إلى التقدم الاقتصادي النسبي والتطور التقني والصناعي الذي شهدته دول المنطقة مؤخرا, مما أدى إلى تناقص الأهمية النسبية لليد العاملة في قطاع الزراعة وتحولها إلى القطاعات الأخرى, كما يظهر من الجدول التالي.
عبد الله لكحل
منقول
المفضلات