المبحث الثالث: نظرية الموقف (الظروف)
1.
تُعَدُّ هذه النظرية تطوراً جديداً في النظرة إلى القيادة والقائد، وترتكز على فكرة الارتباط بين الموقف والقيادة. ومعنى ذلك أن طبيعة المواقف، والظروف، هي التي تحدد نوعية القائد، طالما أنها تتباين من تنظيم لآخر، ومن وقت إلى آخر. لذلك، فمن الممكن أن يكون الفرد قائداً في موقف خاص، وتابعاً في موقف آخر. وقد اكتسبت هذه النظرية تأييداً أكثر، بين علماء الاجتماع والإدارة، بالمقارنة مع نظرية الصفات.

وتؤكد هذه النظرية، على أن الشخص، الذي يملك قدراً أكبر من المعلومات، عن موقف محدد، يصبح قائداً في هذا الموقف بالذات، فإذا تغيرت الظروف تغير القائد. وأن الأفراد يتجهون إلى اتباع القائد، الذي يتعرف على رغباتهم، ويعمل على تحقيقها، ويقتنعون بأنه سيحقق آمالهم.

وتركز هذه النظرية، على أن الظروف هي التي تبرز القادة، وأن نوع القيادة يختلف وفقاً لاختلاف الظروف. لذا تسمى هذه النظرية ـ أيضاً ـ "نظرية الظروف". ومثالاً على ذلك، أجريت دراسة على 475 ضابطاً بحرياً، في الولايات المتحدة الأمريكية، أوضحت أن قدرتهم على القيادة تأثرت بالظروف أو العوامل الموقفية، مثل:

أ. وظائفهم.

ب. المحيط التنظيمي.

ج. خصائص المرؤوسين.

2.
الارتباط بين الموقف والقيادة

أ.
تسعى هذه النظرية، إلى تحديد النمط القيادي الملائم للموقف السائد. فالظروف المحيطة بالجماعة، هي التي تؤثر في ظهور نمط القيادة، بحيث إذا تغيرت تلك الظروف، ظهرت الحاجة إلى نوع أخر من نمط القيادة، بما يتفق مع الظروف الجديدة.

ب.
هناك من يرى أنه لا يوجد القائد أو الزعيم، إلاّ بعد أن تتم تجربة محددة، يتضح منها شخصية القائد أو الزعيم. وأن القدرة على القيادة، تبرز وتكتسب من خلال التجربة، شأنها في ذلك شأن السباحة. وقد اهتمت عديد من الجهات بأسلوب المواقف، وقامت بتجارب عديدة، للتعرف على القيادات التي تحتاجها، عن طريق هذا الأسلوب.

ج.
استخدام اختبارات المواقف، في اختيار الضباط: Situational tests in officer selection.

اهتم الجيش الألماني، خلال عام 1920، باستخدام أسلوب المواقف، للكشف عن قدرات الضباط الألمان، وتحسين ملكة القيادة وتنميتها في الضباط، الذين سيقودون الجيش.

كما أن القوات المسلحة، في الولايات المتحدة الأمريكية، استخدمت ـ كذلك ـ أسلوب المواقف، لتحسين أسلوب اختيار الضباط. ومن أفضل هذه الأساليب، ذلك الأسلوب الذي اتبعه مكتب الخدمات الإستراتيجي (Office of Strategic Services). فقد كانت هيئة الاختبار تتضمن عدداً من علماء علم النفس، الذين وضعوا اختبارات عديدة، تتطلب: التخطيط السريع، وتنسيق العضلات، سواء باستخدام آلات أو بعدم استخدامها، وتنسيق الأفكار والكلمات.

وقد أجريت تجارب عديدة، خَلصُ منها العلماء، بأن الأشخاص الذين تتاح لهم الفرص، لكي يكونوا على أعلى قدر ممكن من الإلمام بالمعلومات، والمعرفة الواسعة بنشاطات الموقف ومتطلباته، يصبحون قادة.


3.
إن نظرة للتاريخ، ماضيه وحاضره، توضح أن هناك، فعلاً، ظروفاً أدت إلى بروز قادة أو اختفائهم. فمثلاً، نجد أن ظروف ألمانيا وإيطاليا، هي التي أدت إلى بروز شخصيتي "هتلر" و"موسوليني"، كذلك فإن انتصارات "أيزنهاور"، كقائد عسكري لقوات الحلفاء خلال الحرب العالمية الثانية، هي التي أدت بعد ذلك، إلى انتخابه رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية في سنة 1952، 1956، وقد برز "تشرشل" كقائد سياسي لبريطانيا، خلال الحرب، ولكنه لم ينجح في الوصول إلى مركز القيادة السياسية بعد الحرب. وكذلك كان الحال مع "شارل ديجول"، الرئيس الفرنسي الأسبق، فالظروف التي أوصلته للرئاسة الفرنسية تغيرت، ولم يستطع ديجول البقاء في الرئاسة بعد الاستفتاء على رئاسته، في نهاية الستينات، الأمر الذي دفعه إلى التخلي عن رئاسة الجمهورية الفرنسية.

وفي الجزيرة العربية، أتاحت ظروف الجهالة، والتفكك السياسي، والتطاحنات القبلية السائدة آنذاك، للملك عبدالعزيز آل سعود، أن يوحد قطاعات جغرافية واسعة من هذه الجزيرة، أطلق عليها فيما بعد أسم "المملكة العربية السعودية".

وهذا يعني أن بروز القادة، إنما يعتمد على المشكلات التي تواجه المجموعة، وعلى صفات المجموعة كذلك. ومن ثم فإن من يتولى القيادة يكون أقدر أفراد المجموعة على الوصول بها، إلى أهدافها المطلوبة.

4.
وعلى نمط نظرية السمات، التي أهملت دور الظروف في اختيار وبروز القادة، انتُقدت نظرية الظروف، على أساس أنها تجاهلت الصفات المطلوبة للقيادة.

وفي الواقع، لا يمكن تجاهل بعض الصفات الشخصية للفرد، في توليه لمنصب قيادي محدد. وحتى مع افتراض، أن الصفات الشخصية، قد لا تلعب دوراً مباشراً في ترشيح شخص لمنصب القيادة، فإن من المسلم به أن توفر بعضها، قد يزيد من احتمال ترشيحه، من بين أفراد الجماعة، ولعل هذا هو ما دفع إلى استحداث نظرية ثالثة في القيادة، هي نظرية الطوارئ التي تجمع بين مقومات النظريتين السابقتين.
منقول