تكوين المفكر
تكملة للحلقة الرابعة ...ما التفكير؟

6-التفكير والعواطف:

العواطف والأحاسيس تتسم بالفوضى وبالغموض والقليل من العقلانية والمنطقية، فللقلب حين يحب ويبعض ويفرح ويحزن ..أسبابه التي لا يحتاج إلي الموافقة عليها من عقل أو خبرة أو تجربة..


المشاعر كثيرا ما تكون صادقة. ولكن ليست علي حق دائما، فنحن نشعر في حدود إدراكنا، وبما أن إدراكنا محدود ، فإن مشاعرنا قد تكون مبنية علي معطي ناقص وحسير.


علينا أن نحذر كل الحذر من الأفكار والمفاهيم والتصورات الخاطئة واليائسة والمحبطة والمشوهة ، فهي قادرة دائما علي جعل مشاعرنا تتجه الوجهة الخاطئة، أو تكون سوداوية تعكر حياتنا، وتسلبنا الطمأنينة والهناء.


إن الذي نستفيده من هذه الملاحظات ، هو إخضاع مشاعرنا قدر الإمكان للحكم العقلي ، وإقامة نوع من الرقابة المستمرة عليها ، ولا ننسى في هذا السياق ما للمعرفة من تأثير جوهري في إرشاد العواطف ن فنحن حين لا نملك القدر المطلوب من المعلومات تتعاطف حيث لا ينبغي التعاطف ، ننفر حيث لا معني للنفور ، وهذا يجعل أحكامنا أيضا من غير أساس صحيح

7- التفكير واللغة:

اللغة وسيلة لتخزين الأفكار والمفاهيم والمعلومات ووسيلة لاسترجعاها من الذاكرة أيضا .

ومن الواضح أنه كلما وفقنا لصياغة أفكارنا فى تعبيرات جميلة ورصينة ومبدعة كان اختزاننا لها واسترجاعنا إياها يتم بطريقة أسهل ، وهكذا فإن الحكم والأمثال والمقولات الأخاذة والمبتكرة تظل علي طرف الألسنة وفى متناول اليد


وأنا لا أعرف ماذا تعنيه الحرية ؟ وكيف سأحكم على مجتمعي بأنه صالح وملتزم بتعاليم الإسلام ، وأنا لا أستطيع تعريف الصلاح ، ولا أعرف حدود مدلولاته ؟ من هنا نقول إن اللغة ليست عبارة عن رموز ومواصفات فنية لقدرتنا علي النطق ، وإنما هي أسلوب وتصور وطريقة نطر إلي الحياة والأحياء ، وعلى مقدار مهارتنا وحذقنا بها تتحسن منهجية تفكيرنا .


8- التفكير والعقل الجمعي:

" قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثني وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد "

هذه دعوة من الله – تعالي – لمن يريد الوصول إلي الحقيقة بأن ينعزل بوعيه وجسمه عن الوسط الذي يعيش فيه وعن أفكاره ومفاهيمه ورواسبه ومقولاته ، ثم يقوم بالتفكير والتأمل ليري الأشياء بعيدا عن سلطة الجماهير وسلطة العقل الجمعي القاهر ، ولا باس أن ينعزل اثنان عن ذلك الوسط من أجل التحاور وتقيح الأفكار في سبيل استبانة الحق وفهم الأمور علي ما هي عليه .


إن معرفة نقائص بيئاتنا تتطلب مقارنتها بالبيئات الأخرى ، إننا من خلال المقارنة نعرف ما لدينا من أخلاق ومن عادات وتقاليد وما لدينا من تعليم وصناعة وبحث علمي

وإذا قلت : زعماء اليهود تمكنوا خلال نصف قرن من تجميع اليهود من أكثر من ( 125 ) دولة ليبنوا بهم دولة متقدمة ومزدهرة مستقرة ، وينتجوا آلات في غاية التطور .. جاء من يقول لك : لولا مساعدات الغرب لم يستطيعوا فعل أي شئ من ذلك ، و نسى هؤلاء أن من المسلمين من دخل خزائنهم أضعاف أضعاف ما تسلمته إسرائيل من مساعدات ، ولم يصنعوا طائرات ولا صورايخ ، كما أن اليهود لا يشكون من حرب أهلية داخل كيانهم ، على حين أن أكثر من دولة عربية وإسلامية منغمسة فى صراعات داخلية دامية منذ سنوات طويلة

الصدق مع الله تعالي ومع النفس يقتضي منا أن لا نحاول الالتفاف علي المعطيات التي لا تعجبنا ، بل نرضخ لها ونعقلها ونستفيد منها

الدكتور عبد الكريم بكار