اعثر على صوتك


الفصل الرابع: اكتشف صوتك- نِعم وُلدنا بها ولمّا نتعرف عليها.


ثلاثُ نِعم عظيمة:

1- قدرتنا على الاختيار
2- السنن الطبيعية أو المبادئ
3- ذكاءاتنا الأربعة


وقد عبر ماريان ويليمسن عن مدى خوفنا من هذه النعم ربما لأنها تحملنا مسئولية نخافها فقال:
خوفنا الحقيقي لا ينبع من قصورنا بقدر ما يأتي من قوتنا. نورنا هو الذي يخيفنا، لا ظلمتنا.نسأل أنفسنا : من أنا لأكون ذكيا موهوبا ؟ والحقيقة من أنت لألا تكون كذلك؟
تصغيرك نفسك لا يخدم العالم كما أنه ليس رائعا أن تنكمش بحجة أن الناسَ لا يشعرون بالأمن إلا بانكماشك . أراد الله للجميع أن يومض كما يومض الأطفال. لقد وُلدنا لنعبر عن عظمة الله في أنفسنا. وعندما نسمح لنورنا بأن يسطع فإننا نعطي الآخرين الإذن بذلك. وعندما نتحرر من مخاوفنا فان وجودنا يحرر الآخرين بشكل تلقائي.
(M. Williamson)



النعمة الأولى

القدرة على الاختيار وحرية الاختيار:

ولدعم هذه القدرة زودنا الله ب:
الوعي بالذات
الخيال
الضمير
الإرادة المستقلة
"إن نوعية الحياة التي نعيشها يعتمد على ما يحصل في تلك البرهة من الزمن التي تفصل بين المؤثرات التي تؤثر بنا وردود أفعالنا تجاهها" ستيفن كوفي
انه النضج أو الصعود في سلم النضج الانفعالي والعقلي
" فقد بدأنا ندرك أن أهم حقيقة عن الفرد لبست هي عدد السنوات التي قضاها من عمره بقدر ما هي المهارات النفسية التي نجح في اكتسابها طوال هذه السنوات" اوفرستريت/ العقل الناضج
" ولهذا السبب بالذات كان اخطر أعضاء المجتمع على المجتمع هم أولئك الذين اشتد سلطانهم وظلت دوافعهم واستجاباتهم على ما كانت عليه في عهد الطفولة"

تاريخ الرجال الأحرار لم يكتبه الحظ بل الاختيار، اختيارهم"
Dwight Eisenhower

فنحن لسنا حصيلة حتمية لجيناتنا ولا لماضينا. لا شك أن كل هذا يؤثر فينا ولكنه ليس حتميا إلا إذا اخترنا ذلك
"إذا أسلمت حاضرك لماضيك فلا تسلمن مستقبلك لماضيك"

لا شك أن هذا قد يخيفنا لأنه يجعلنا مسئولين كأفراد ومجتمعات . الأسهل أن نحمل غيرنا المسئولية ، مسئولية انحرافنا ومسئولية إنقاذنا مستقبلا

يذكر الأستاذ العقادُ أن بطلا من أبطال أحدى روايات دستوفسكي تخيل أن المسيح –عليه الصلاة والسلام- عاد إلى الأرض ونزل بأشبيلية إبان سطوة "التفتيش" وأن الناسَ أقبلوا عليه يَلثمون قدمه ويسألونه الرحمة الخ وعندما علم بأمره المفتشُ الأعظم أودعه السجنَ، ثم زاره في المساء وقال له:" إنني أعرفك ولا أجهلك ولهذا حَبَستك . لماذا جئت إلى هنا؟ لماذا تعوقنا وتلقي العثرات والعقبات في سبيلنا؟"
" إنك كلفت الناسَ ما ليست لهم به طاقة. كلفتهم حرية الضمير، كلفتهم مؤونة التمييز، كلفتهم أن يعرفوا الخير والشر لأنفسهم.............................."
" ليس أثقلَ على الإنسان من حمل الحرية ، وليس اسعد منه حين يخف عنه محملُها وينقاد طائعا لمن يَسلبه الحرية ويوهمه في الوقت نفسه أنه قد أطلقها له وفوض إليه الأمر في اعتقاده وعمله..............................."
( وهنا – أنا خالد عاشور- أذكر عنوانا قرأته قبل سنوات "لماذا يبكي الناسُ إذا مات جلادوهم؟؟؟؟!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!! )

بعد أنّ اقتبس العقاد من رواية الكاتب الروسي ما اقتبس، قال-فيما قال-:
"ليست حرية الضمير مطلبا محدود المسافة، يرحل إليه الإنسانُ ثم يصل إليه ويقعد عنه ويكف بعده عن كل عَناء.
إنما حرية الضمير جهاد دائم وعمل دائب يتقدم فيه الإنسان شوطا بعد شوط أو طبقة فوق طبقة
ولا يفرغ من جهاده يوما لينظر بعده إلى جهاد مستأنف. ولا يودع الشر في مرحلة من مراحله إلا ليلقاه ويجاهده ولن يلقاه في سلام."
ثم يتحدث العقاد عن هذا السير إلى حرية الضمير وأن عدم الفراغ من هذا الجهاد لا يعني أنه عناء باطل كما أنه لا يمكن أن يقول أحد بأن عناء التعلم باطل فقط لأن الإنسان مهما تعلم لا يقضي على جهله، ولا نقول بأن عناء الطب باطل فقط لأن الناسَ يمرضون مع محاولات الطب الدائب في البحث عن علاج وهكذا.
"ليست العبرة أن الشر واقع ولكن العبرة كيف ننظر إليه وكيف نواقعه وكيف نتقيه"
" وإذا قلنا يوما أن الإنسان في هذا العصر يطلب الخير ولا يدركه فقد قلنا على اليقين أنه أفضل من الإنسان الذي كان لا يطلبه ولا يعرفه وأن عمله غير مطلوب وغير معروف كما يعمل الحيوان البهيم"
"إنما تُقاس الأديان بما تودعه في النفوس من القيم والحوافز وبما تزيده من نصيب الإنسان في حرية الضمير أو حرية التمييز بين الحسن والقبيح..........."
" ولن يختم المسيحُ العائد إلى الدنيا رسالة الخير والهداية فتلك هي شوط الضمير الذي لا ختام له وهو الغاية وراء كل ختام..............................."

عباس محمود العقاد/ عبقرية المسيح


" الأمس يأخذ اليوم رهينة"
والفرد الذي يعيش ذاكرته فقط قد يتعب والأمة كذلك التي تتضخم عندها الذاكرة ويضمر الخيال لا تتقدم . حلولها جاهزة واستجاباتها لكل تحد لا يتبدل وتظن أنها ملكت الحقيقة المطلقة في كل مناحي الحياة ولهذا تقل أسئلتها ويرعبها ان تُسأل وتكثر عندها المسلمات التي تعطل الفرد والمجتمع حتى اذا أحبت أن تفكر:
"لذلك فإن التفكير عند أكثر الناس وعند الكثير من المجتمعات ليس أكثر من دوران في نفس المكان، فهو يظل مأسوراً بالمسارات المألوفة وفي هذه الحالة هو تفكيرٌ منفعل وليس تفكيراً فاعلاً إنه دوران من غير ناتج وإنما هو استهلاك لطاقة العقل دون مردود. أما التفكير الفاعل فهو الذي يتوقف عند كل شيء ويتساءل حول أي تصور ويتشكك في أية قيمة، وبهذا يكون الفرد مستخدماً لعقله الفاعل وليس فقط منفعلاً بفكر غيره " ابراهيم البليهي صحيفة الرياض 12-11-2006"المسلمات الثقافية تعطل عقل الفرد والمجتمع"
" إشكالية المجتمعات الكُليانية، أنها متخمة باليقينيات، والمسلمات، والثوابت، والأصول، والقطعيات، والنهائيات. كل شيء قد كمل، ومن ثم لا يحتاج إلى إضافة، ولا إلى تجديد، فضلا عن النقد والمساءلة. الحلول جاهزة لكل شيء، وذلك في صيغ نهائية، تبرع بها الأوائل مشكورين؛ كي يكفونا مؤنة البحث والخلق والابتكار. و"حسبكم فقد كفيتم"!؛ قالها الأسلاف العظام". الممارسة النقدية في مواجهة التقليد والتقليدية
محمد بن علي المحمود صحيفة الرياض أكتوبر 2006

ويبدو أن المشكلة قديمة:
وهذا ما لاحظه عز الدين العلام في أدبيات كتب "الآداب السلطانية" وخطابه:
" لا يتعامل هذا الخطابُ مع الرعية ككيان قائم بذاته ولا يتصورها ذاتا مستقلة تستحق خطابا مستقلا بقدر ما هي على الدوام موضوع لذات السلطان"الآداب السلطانية/ دراسة في بنية وثوابت الخطاب السياسي/ د. عزالدين العلام سلسلة عالم المعرفة 324 عام 2006
ويذكر أن الرعية تُوصف بالتالي:
الرعية: الجسد والأرض والظلام والمريض هذا من ناحية افتقارنا الى السلطان
واليتيم والأمانة والغنم من ناحية الحاجة الى رعايته والغنيمة والجيفة من ناحية قوته .(تخيل!!!!)
ولاحظ العكس في أدبيات شعوب أخرى:
" إذ ما يميز المواطن حقا هو حقه في التصويت داخل الجمعيات ومشاركته في تسيير الشأن العام لوطنه"أرسطو /السياسة
"لاحظ كاتبان متخصصان في العمل مع أطفال شديدي الإعاقة أن أنظمة إدارة السلوك تحول المعلمين إلى فنيين والطلاب إلى أشياء يتم تشكيلها وقولبتها أو عناصر سلبية بدلا من أعضاء مساهمين في العملية التعليمية."(وأضيف أن الطلاب العاديين تحولوا إلى أشياء بل تم تشييء الإنسان)
Punished by rewards by Alfie Kohn


قال الشيخ محمد الغزالي رحمه الله في كتابه"الإسلام والطاقات المعطلة":
لكن المسلمين-اثر انحرافهم عن رسالتهم- قيّد العجز أطرافهم وسرى الخدر في مشاعرهم وأفكارهم.
فاستكانوا حيث ولدوا وحسبوا الدنيا لا تعدو حدود القارات التي عرفوها!
أما غيرهم فلم يخاصم الدنيا بل صالحها..
ولم يجهل مكانته بل وطدها...
ولم يصطنع حُجُبا على خصائصه النفسية والفكرية بل تمشّى منبعثا من فطرة الله التي فطر الناس عليها......
فإذا هو يكتشف النصف الآخر من العالم بعد رحلات جريئة في جنباته.
ما سرّ هذا القصور ؟ ما سرّ هذا التخلف؟؟؟؟؟؟
انه الكفر بالإنسان
الدين قوة هائلة في قيادة البشر ولكن ما قيمة الآلة البخارية في قطار يضم سبعين عربة اذا كانت العربات كلها قد احترقت؟؟؟؟؟؟؟؟
ماذا تقود بعدئذ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
وماذا يصنع الدين إذا كان موضوع عمله – وهو الإنسان – قد ذاب واستخفى"

ولاحظ أن نبتات تحاول اختراق الثقافة السلبية لتعطي الإنسان مشاركة مع الأقدار :
ففي الداء والدواء لابن القيم عند حديثه عن الدعاء وأنه من الأسباب" والصواب أنّ ها هنا قسما ثالثا غير ما ذكر السائل وهو ان هذا المقدر قدر بأسباب ومن أسبابه الدعاء فلم يقدر مجردا عن سببه ولكن فدر بسببه فمتى اتى العبد بالسبب وقع المقدور ومتى لم يأت بالسبب انتفى المقدور"
" وقد رتب الله سبحانه حصول الخيرات في الدنيا والآخرة وحصول الشرور في الدنيا والآخرة في كتابه على الأعمال ترتب الجزاء على الشرط والمعلول على العلة والمسبب على السبب وهذا في القرآن يزيد على ألف موضع"
ولكنها محاولات ماتت .




" إنّ التاريخ لا يبدأ من مرحلة الحقوق، بل من مرحلة الواجبات المتواضعة في أبسط معنى للكلمة. الواجبات الخاصة بكل يوم.. بكل ساعة... بكل دقيقة. لا بمعناها المعقّد كما يعقّده عن قصد أولئك الذين يعطلون جهود البناء اليومي بكلمات جوفاء وشعارات كاذبة، يعطلون بها التاريخ بدعوى أنهم ينتظرون الساعات الخطيرة والمعجزات الكبيرة."
مالك بن نبي/ كتاب"في مهب المعركة"/دار الفكر