موقوف
- معدل تقييم المستوى
- 0
القياده .. (الحلقه 3)
المبحث الثاني: مفهوم القيادة ومفهوم الرئاسة
توضح التعريفات المختلفة للقيادة، والعناصر المشتركة بينها أن "مفهوم القيادة" يعد مشكلة بالغة التعقيد، في حياة المجتمع الإنساني. ذلك أن القيادة مستويات وأنواع متعددة، منها: القيادة الإدارية، والقيادة العسكرية، والرئاسة، فضلاً عن الفرق بين الرئيس والقائد.
أولاً: مفهوم القيادة
يقصد بالقيادة: النشاط الخاص بالقدرة على التأثير في الآخرين، وتوجيه جهودهم نحو أهداف محددة. وهذا يعني أنها ترتبط أكثر، بالتأثير في الأفراد، ودفعهم نحو تحقيق الأهداف المشتركة. ولذا، فهي ترتبط بالفرد أكثر من ارتباطها بالوظيفة التي يشغلها، وتعتمد على مفهوم السلطة الشخصية، أكثر من السلطة الرسمية. إن ظهور القائد، لا يعني بالضرورة أنه يشغل مركزاً من مراكز المسؤولية في التنظيم، لأنه ليس من الضروري أن يكون كل مدير قائداً، أي أن تتوفر فيه المؤهلات، التي تحقق له فاعلية التأثير في غيره.
إن وجود قائد لأي مجموعة أو تنظيم، لا يمنع ظهور تنظيمات غير رسمية، قد تكون مؤيدة أو معارضة للأهداف التنظيمية. وإن ظهور مثل هذه التنظيمات لا يمثل خطراً، إلاّ إذا تعارضت أهدافها مع أهداف المنشأة.
ويتضح من العرض السابق لمفهوم القيادة، أنها بمعناها العام، تعني العمل مع الآخرين والتأثير فيهم، لتحقيق أهداف محددة. إلاّ أن نوع القيادة يختلف باختلاف النشاط، الذي تمارسه الجماعة المنظمة، وهل هو سياسي أو إداري أو عسكري؟ لذا، يوصف الشخص الذي يوجه كل نشاط من هذه الأنشطة، بنوع النشاط الذي يوجهه: فيقال، القائد السياسي، والقائد الإداري، والقائد العسكري. وكما يرتبط نوع القيادة بنوع النشاط، يرتبط ـ أيضاً ـ بدرجة التأثير المطلوبة، ونوعية الأهداف المراد تحقيقها.
فمفهوم القيادة واحد، لكن أسلوب القيادة هو الذي يختلف من منظمة إلى أخرى، تبعاً لنوع نشاطها، وطبيعة الهدف المراد تحقيقه، وظروف البيئة التي تعمل فيها، ومدى توفر الإمكانيات المادية والبشرية.
و فيما يلي عرض، لنوعين من القيادة، هما: القيادة الإدارية، والقيادة العسكرية:
1.
القيادة الإدارية
تعني الإدارة بمعناها العام: تنظيم النشاط الجماعي للأفراد، لتحقيق أهداف محددة. وتعني القيادة بمعناها العام ـ على نحو ما سبق ـ عملية التأثير في نشاطات الأفراد، وسلوكهم، لتحقيق أهداف محددة. وقد تكون عملية التأثير هذه، منصبة على النشاط الإداري، كما قد تكون منصبة على غيره. لذا، فإن مفهوم القيادة في جوهره، أوسع من مفهوم الإدارة، والسلوك القيادي، أوسع وأشمل من السلوك الإداري. ومن الممكن، تصور قيام قيادة على مستوى إداري، عندما تركز الإدارة اهتمامها على عملية التأثير، التي يقوم بها المدير نحو مرؤوسيه، لتحقيق أهداف إدارية محددة.
فالقيادة ـ إذاً ـ غير الإدارة. والقيادة بمفهومها العام، غير القيادة الإدارية، التي يكون محورها النشاط الإداري، الذي يتم في إطار التنظيم الإداري.
2.
القيادة العسكرية
أ.
القيادة العسكرية هي فن التأثير وتوجيه الرجال لهدف، بطريقة نحوز بها طاعتهم، وثقتهم، واحترامهم، وولائهم، وتعاونهم، وكلها لابد منها، لإحراز النصر في المعركة، أو تحقيق هدف، أو غرض محدد.
ب.
القيادة العسكرية، كغيرها من القيادات، تعتمد على السّمات الشخصية للقائد، وعلى تطبيق الأساليب القيادية المناسبة لطبيعة النشاط العسكري. وهناك نوعان من القيادة، هما:
(1)
القيادة الآمرة: وهي التي تقود من طريق استخدام السلطة والقوة.
(2)
القيادة الاقناعية: وهي التي تدخل العنصر البشري في حسبانها وتجعله في بؤرة اهتمامها، مع ما فيه من تعقيدات، لتنوع وتباين الفروق الفردية، البدنية والعقلية، والقدرات والإمكانيات. وتعتمد القيادة الاقناعية ـ إلى حد كبير ـ على مهارة القائد الشخصية.
ج.
تهدف القيادة العسكرية، إلى تحقيق المهمة المحددة لها، وتعمل على التغلب على كافة المصاعب والعقبات التي قد تعترضها أثناء العمل، وفي حالة فقد الاتصال بالقيادة الأعلى وانقطاع الأوامر، فإنها تستمر في تنفيذ المهمة بمبادرة منها، وذلك لتحقيق الهدف العام، وهو النصر في المعركة.
د.
ومسؤولية القائد العسكري ذات جانبين: تنفيذ المهمة، وتنفيذ واجباته الإنسانية تجاه مرؤوسيه:
(1)
تنفيذ المهمة:
إن وظيفة القائد الأولى، هي تنفيذ المهمة المعهود بها إليه، ويُعدّ أي شئ آخر ـ مهما كان ـ أمراً ثانوياً.
(2)
واجباته الإنسانية تجاه مرؤوسيه:
من مسؤوليات القائد، واجبه الإنساني نحو رجاله، الذي يعد عنصراً مهما في تكوين الروح المعنوية العالية، إذ من النادر تحقيق أي مهمة، من دون الاهتمام بالروح المعنوية، ومن دون اهتمام بإشباع الحاجات الأساسية للمرؤوسين.
هـ
وتقاس قدرة القائد العسكري وأهليته للقيادة، بمقدار فهمه لعقلية رجاله وطبيعتهم، ومدى سيطرته عليهم، وقدرته على توجيههم. وإذا كان من المسلّم به، أنه يلزم لكسب أي قتال، وجود السلاح الملائم، وتنفيذ التدريب الكافي، إلا أنه لا بد إلى جانب ذلك، من روح معنوية قوية، تذكيها الدوافع النفسية، التي تحمل الجندي على الإقبال على القتال، وخوض غمار المعركة بجنان ثابت، وعزم قوي. فالحرب نضال، يتطلب من كل فرد أن يبذل أقصى ما عنده، ما فيه من عقل وعضل، ومن قلب وعصب، فالقدرة على القتال تتوقف على ما يملكه الرجال من بسالة، وحماسة، وجلد، ومثابرة، وعزم، ونظام، واحتمال، وإقدام، وهمة وإرادة، وتضحية، وإنكار للذات، ومعرفة، وخبرة، وكفاءة.
والقائد هو، الذي يدفع الجنود إلى التضحية بأرواحهم، وتقبل الموت الذي تأباه الطبيعة البشرية، المجبولة على حبِّ الحياة، وهو الذي يستهوى نفوسهم، ويقود أفكارهم وعقولهم، وهو من بيئة ومستوى عقلي، قد يختلف عنهم، وهو الذي يبث في قواته روح النصر، والغلبة، فيكتسح العقبات ويجعلها هباءً.
ومن نماذج القادة العسكريين ذوي القدرات العالية في فن القيادة:
(1)
في بار الدوق، عام 1814، جاء إلى "نابليون بونابرت" أحد قواده، بعد أن قدّر مدى حركة الالتفاف العظيمة التي اتخذها النمساويون، والبروسيون، والروس، وقال له: "ولكن يا مولاي ليس لديك إلا مائة ألف رجل لمواجهتهم!". فأجابه نابليون في سرعة خاطفة حاسمة: "وبي أنا، تصبح القوة مائتي ألف رجل".
(2)
سمع "عمر بن الخطاب" والدة خالد بن الوليد، تقول يوم وفاته: "أنت خير من ألف ألف من القوم، إذا مالُفَّت وجوه الرجال". فقال عمر: "صدقت والله. إنه كان لكذلك".
(3)
قال "مونتجمري" في تقريره "من العلمين إلى الرين": "إن الجيش الثامن لم يهزم مرة واحدة في معاركه، وهذا أمر لم يحدث في تاريخ الحرب". ويعزو الجنرال سبب النجاح، إلى ثقة الجنود بقادتهم، وثقة القادة والجنود بأنفسهم، إلى درجة كبيرة. وقد أجمل رئيس أركان حربه، الجنرال "دي جنجان"، خلاصة آرائه عن القائد الناجح، من واقع تجاربه في هذه الحرب، في أمور ستة هي:
*
على القائد أن يعرف فن القيادة وأصول المهنة، معرفة وثيقة.
*
أن يكون بارزاً، مميزاً، معروفاً لجنوده.
*
أن يستوثق من أن الهدف، الذي أعطاه لجنوده في حدود طاقتهم، فالنجاح يبعث الثقة المتبادلة، والفشل يورث العكس.
*
ألاّ يتدخل في شؤون مرؤوسيه من القادة أثناء نهوضهم بواجبهم على الوجه الأكمل، إلاّ قليلاً.
*
أن يقود بالاتصال الشخصي.
*
أن يكون إنسانياً، وأن يلمّ بأسرار الطبيعة البشرية.
ثانياً: مفهوم الرئاسة
1.
يقصد بالرئاسة، النشاط الخاص بمباشرة مهام وظائف التنظيم، اعتماداً على السلطة الرسمية الممنوحة لها من سلطة أعلى، وغالباً ما تكون ممارسة السلطة، وفق نوع سلطة الجزاء. فكأن الرئاسة، هي تعبير عن العلاقة الرسمية بين الرئيس ومرؤوسيه، الذّين يصدر إليهم الأوامر في حدود السلطات، وعليهم الالتزام، وإن خالفوا تعرضوا للمساءلة. فالرئيس مفروض على الجماعة، ويقبل الأعضاء رئاسته وسلطاته، خوفاً من العقاب.
2.
ومما لاشك فيه، أن من بين أقدم الأنواع المعروفة في التنظيمات المختلفة، "التنظيم العسكري". وفي هذا التنظيم طبق الأسلوب الرئاسي، حيث يصدر الرئيس الأمر إلى تابعيه، ويكون عليهم "السمع والطاعة"، ويكون على الرئيس التأكد من أن مرؤوسيه قد نفذوا هذه التعليمات. وهو، غالباً، ما يستند إلى الرتبة العسكرية في حدود سلطاته، وغالباً ما يكون اتجاهه منصباً على أداء الأعمال، حتى يعطي "تمام" لرئيسه الأعلى. وهكذا، نجد أن الجهد منصب على الإنجاز. أو كما يقول؟ "كونتز وأودنل": "الاهتمام موجه نحو حماية الرئيس، من طريق الالتزام الشخصي للمرؤوس بأداء النشاطات المقررة بدقة تامة".
The emphasis is placed upon the protection of the superior through the personal obligation of a subordinate to see that assigned activities are properly performe
ومن المعروف ـ أيضاً ـ أن هذا الأسلوب الرئاسي قديم جداً، ويمثل جزءاً من النظام العسكري، المطبق في شتى أنحاء العالم. وهناك قول شائع يقول: "النظام يمثل القوة الرئيسية للجيوش".
ثالثاً: الفرق بين الرئيس والقائد
حدث خلط في المراحل المبكرة للفكر الإداري، بين القيادة (Leadership)، والإدارة (Management)، باعتبارهما شيئاً واحداً. ولذلك، لم يكن هناك تفرقة بين المدير (الرئيس) والقائد، حيث كان يعتقد أن الوظيفة هي الوسيلة لتسلق السلم الاجتماعي، للحصول على السلطة، والقدرة على التحكم.
ومرد ذلك الخلط، أن المناصب القيادية والرئاسية تشترك في بعض الخواص المهمة، فكلاهما يتطلب مركزاً أعلى من عضوية الجماعة، وهما يعنيان، بالنسبة للأشخاص الذين يشغلون مناصب القيادة أو الرئاسة، سلطة أبعد من سلطة باقي أعضاء الجماعة، إلى جانب أنهما يقترنان، عادة، بدخل مادي أكبر.
إلاّ أن هذا المفهوم سرعان ما تغير، وأمكن التمييز بينهما، على أساس أن الرئيس هو الشخص، الذي يشغل مركز المسؤولية في المنظمة، ويختص بالإشراف على أداء العمل، طبقاً للتعليمات الموضوعة، ويسعى إلى تحقيق الأهداف المحددة، بواسطة مرؤوسيه، ويعتمد كثيراً على السلطة المفوضة إليه من سلطة أعلى، تلك السلطة التي يباشر بها مهام وظيفته. وهو في هذا يُعَدّ مفروضاً على الجماعة. أما القائد، فهو الشخص، الذي يملك مقدرة التأثير على سلوك الجماعة، ويستمد سلطاته من الجماعة نفسها، نتيجة التأثير في سلوكها، بما يمكّنه من الحصول على طاعتهم له واستجابتهم معه. بناء على ذلك، فإن الطاعة في العلاقة القيادية أساسها تقبل الجماعة للقائد، بينما الطاعة في العلاقة الرئاسية، مفروضة من الرئيس على الآخرين، بحكم منصبه الرسمي.
وعلى هذا، فقد يكون الرئيس قائداً، وقد لا يكون، والحالة الأخيرة تهدد المنظمة بخطر كبير. لأن الرئيس ـ كما ذُكر ـ يعتمد على سلطة منصبه، وإصدار الأوامر والتعليمات لا يؤدي إلى إنجاز الأعمال على أحسن وجه، وقد يصعب إتمامها على الإطلاق. فإذا فشل المديرون في أن يكونوا قادة، أضطر المرؤوسون إلى إيجاد قادة غير رؤسائهم. وغالباً ما يكون ذلك متعارضاً مع أهداف المنظمة، فيكون مصيرها الفشل.
ولذلك، قد يكون القائد العسكري، فقط رئيساً عسكرياً، وقد يكون القائد السياسي فقط رئيساً سياسياً، فالعبرة ليست بالتسمية، وإنما بالصفات القيادية التي يتميز بها، وطبيعة العلاقة بينه وبين مرؤوسيه.
وفيما يلي بعض المقارنات بين سلوك الرئيس، وسلوك القائد:
الرئيس
القائد
يدفع ويأمر
يدرب وينصح
يعتمد على سلطته
يعتمد على الثقة في النفس والمرؤوسين
يستشعر الخوف من المرؤوسين
يفجر الحماسة في المرؤوسين
يقول "أنا"
يقول "نحن" و"أنتم"
يحدد الأخطاء، ويصدر اللوم.
يحل المشكلات
يعرف كل الإجابات
يستشير، ويطلب النصيحة
يجعل العمل كارثة
يجعل العمل وكأنه مباراة
يوجه الجهد الفردي
يفجر العمل الجماعي
يضع كل الأهداف والمعدلات
يطلب التعاون من جماعته
يقول "اذهب"
يقول "دعنا نذهب"
منقول
المفضلات