التواصل الأفضل ( 3 )


التواصل ليس لفظياً فقط !!
أقر أكثر من باحث في مجال الإتصال غير اللفظي أن تواصل الناس فيما بينهم لا يتم فقط من خلال لغة التخاطب والكلمات والرسائل الخطية ، وإنما هناك عالماً إتصالياً آخر لا يقل أهمية عن المقروء أو أو المسموع ، وهو الإشارات والتلميحات والإيماءات العفوية التي تبدر عنا سواء خلال أحاديثنا أو دونها ، فقد تبين " لألبرت مهرابيان " أن مجموع أثر الرسالة هو 7% شفهي ( كلمات فقط ) و38% صوتي و55% غير شفهي . ويمكن ببساطة أن تقوم بهذا الإتصال أو تدركه عند الآخر ، لأن معظم إيماءات الإتصال الأساسية هي عينها في مختلفأنحاء العالم :
1. إذ عندما يكون الناس مسرورين يبتسمون وعندما يكونون حزانى يعبسون .
2. عندما يهز أحدهم رأسه إلى أعلى أو يمنةً أو يسرةً يعني أنه غير موافق بينما إذا حرك رأسه إلى الأسفل يعني الموافقة ( نعم ) .
3. عندما يرفع أحدهم إصبعيه بشكل حرف سبعة إلى أعلى يعني نصر ، أما إبهامه فيعني أن الأمر تمام ، في حين يشير أصبع الوسط إلى فعل شائن .
4. وعندما يدير الزوج ظهره إلى زوجته ويغلق الباب بعنف دون أن يقول شيئاً ينقل بذلك رسالة هامة .
5. وعندما تحدث شخصاً بأشياء لا يرغبها وتستمر مهذاراً في الكلام ولا ينبس هو ببنت شفة ، بل ينفخ ويتواتر في تنفسه شهيقا\ص وزفيراً، فإنه يقول أشياء كثيرة وعليك أن تدركها .
الإتصال عبر لغة الإشياء هو إتصال قديم منذ ملايين السنين ولكنه لم يُولِ الإهتمام ويدرس علمياً إلا في السنوات العشرين الماضية بعدما إكتشفت الأبحاث أهمية هذا الإتصال في العلاقات الإجتماعية . إذ بقليل من التدريب وفهم أشمل للغة الجسد تستطيع إرسال وإستقبال مؤشرات ، تقبل إنفتاح ، تشجع الآخرين على الإقتراب منك والإحساس بالراحة لأن التواصل الكامل برأي " دون برغر " يرتكز على ثلاث مبادئ أساسية : كلمات ، طبقة الصوت ، لغة الجسد ، لقوله : " جسدك يتكلم قبلك ، أثبتت الأبحاث أن ثلثي المحادثة وجهاً لوجه ، تعتمد على لغة الجسد ، وإذا أضيفت لغة الجسد إلى طبقة صوتك والكلمات التي تستخدمها فإنها تؤدي إلى التواصل الكامل " ويعطينا مثالاً على ذلك :

عندما تدخل غرفة مكتظة بمدعوين ، إبحث بين الحشد عن وجوه ودودة وعن أشخاص يتحدثون وفكّر في أن الناس الذين يتحدثون مع بعضهم هم أصدقاء قدامى ، ولكنهم قد يكونون إلتقوا منذ بضع دقائق ، فلا تعتبر نفسك الغريب الوحيد في الحفل ، إستخدم آلية لقاء العين بالعين ، وإبتسم ، إترك ذراعيك مبسوطتان وأبعد يديك عن وجهك ، تجول في الغرفة وراقب الناس ، ترقب وجود أصدقاء أو منهمكين في نقاش يبدو مفتوحاً للآخرين ثم تقدم وأنت مشرق وخاطب الناس إذا كنت تعرفهم ، أو عرّف عن نفسك بكل ثقة إذا كنت لا تعرفهم ؟ وتذكر أن ما تقوله ليس مهماً بل المهم هو ما يرسله جسدك من مؤشرات تقول أنك تريد التواصل .

وبما أن جسدك يتكلم قبلك فمن المهم أن تعكس صورة ما تريد وترسل الإشارات المناسبة وأخصها :

** الإبتسامة : فهي عند التحية أفضل ترحاب وعند اللقاءات أيسر تواصل وليس سراً
بأن الإبتسام يعمل على تقوية العلاقات ويخلق شعوراً إيجابياً لك
ولزملائك في العمل أو للناس المحيطين بك.
** الذراعان المفتوحان : يفسر تصالبهم : إنغلاق / رفض / إبتعاد /تحفظ .. لذا
أرخهما ، أبق يديك على إرتفاع الوسط ليكونا على إستعداد للحركة ، لا
تجمدهما وراء ظهرك أو تبقيهما متشابكين أمامك .
** الإنحناء إلى الأمام : عند التعارف أو محادثة آخر لك هو دليل إهتمام وإستماع
وتشجيع على متابعة الحديث .
** اللمسة : أي المصافحة الدافئة عند التلاقي أو في المناسبات الإجتماعية فهو دليل
الود .
** لقاء العيون : وهو دليل ثقة وإعتبار للآخر من قبلك .. عندما تمشي إجعل رأسك
مرتفعاً وإنظر إلى الآخرين وهم يمرون ، النظرات القصيرة تعرفك
إلى الناس وقد تنشئ علاقة ، أما إذا أشحت نظرك عن متحدث أو
نظرت في الأرض أو مكان آخر فذلك يجعله يعتقد بأنك غير مهتم أو
فظ أو قليل الثقة .


من الإشارات المتعارف عليها أيضاً :

-أن الأشخاص المشغولين بمشكلة ما غالباً ما يخفضون رؤوسهم ويشابكون أيديهم خلف ظهورهم ويكون سيرهم بطيئاً وقد يتوقفون.
- حين يكون الناس في حالة إكتئاب أو هم ، غالباً ما يضعون أيديهم في جيوبهم ونادراً ما ينظرون ليعرفوا وجهة سيرهم .
- عندما يضع أحدهم رجله فوق ذراع الكرسي الذي يجلس عليه فدليل عدم إكتراث ، ( لا بالحديث ولا بالموجودين ).
- عندما يتهيب أحدهم أمامك بأن يفتح أزرار سترته ، ويميل بوجهه نحوك ، ويشملك بنظراته فذلك فيه إشارة إلى أنه لا يتجاهلك ، وأنه مهتم لما تقول .
مثلما جوهر الإتصالات الكلامية يقوم على أن : تلاحظ / تصغي / تفكر / تتكلم / تخطط / تعبّر ، كذلك الأمر عن جوهر الإتصالات غير الكلامية حيث : تلاحظ / تتنبه / تتحسس / تدرك / تقيم ، كي تنسجم في علاقاتك مع الآخرين ، لاحظ معي مثلاً التصرفات التالية والشعور التي يمكن تولده وأي تواصل يمكن أن يحدث :


التصرف / الإشارة : الشعور / الإنطباع
يقرأ أحدهم جريدة بينما أنت تتكلم : يدل على عدم الإهتمام
لمس الوجه خلال الحديث : يدل على الخجل
حك الأنف والنظر بعيداً : يشير أحياناً إلى المراوغة
العبوس والتجهم : يدل على عدم الموافقة
تجنب تقاطع النظرات : يشير إلى عدم الثقة
التحدث بشكل بطيء في حين أن الشخص الآخر يتحدث بسرعة : يدل على نقص الوعي والإدراك الذاتي
الجلوس متراجعاً عن الآخرين : يشير إلى عدم الرغبة بالموضوع


عندما ندعو أحدهم لأن يكون قارئاً للإشارات فإن ذلك من وجهة نظر عملية يعني ضرورة الإلمام بكافة الإيماءات والإشارات في مختلف الأوساط ، إذ مثلما تختلف اللغة الشفهية بين ثقافة وأخرى كذلك تختلف اللغة غير الشفهية حيث لبعض الإشارات تفسير قد لا يكون نفسه لدى جماعة أخرى . لهذا لا يمكن عزل أي إيماءة أو إشارة أو تلميح عن بعده الثقافي – الإجتماعي ، والمثال ما أشرنا إليه في مسألة " المصافحة " حيث هناك إستثناءات عائدة لمعتقدات دينية كما في الأوساط الإسلامية حيث تمتنع السيدة الملتزمة عن مصافحة الرجال ، في مجتمعات أخرى يعتبر من الوقاحة أن تبادر سيدة إلى مصافحة رجل قبله هو ، كذلك لقاء العيون فالنظر مطولاً إلى شخص في مكان خاص أو عام يعتبر تطفلاً أو تحرشاً وقد يثير حفيظة الآخر . لذلك يجب أن ندرك مناخ التواصل السائد قبل أن نستفز دفاعات غير مقبولة قد تعيق عملية التواصل وأن نراعي الحساسيات الثقافية للشخص الآخر بطريقة دافئة ومحترمة . ولعل ما ينصح به المسافرون والغرباء بإتباع قاعدة : عندما تكون في روما .. إفعل كما يفعل أهل روما ، يساعد كثيراًعلى تفادي أي ظروف حرجة .
ومما يذكرفي هذا السياق أيضاً أن:
- اليابانيون لا يحبون المصافحة بقوة عندما يجتمعون بغرباء .
- التخاطب بالأسماء الأولى أمر عادي عند الأمريكيين بينما يعتبر نوعاً من الوقاحة بالنسبة للأوروبيين والآسيويين .
- عندما يومئ البلغاريون واليونانيون رأسهم نحو الأسفل فدليل عدم الموافقة بعكس الآخرين .
- يعتبر البرازيليون أن التراجع إلى الوراء أثناء الحديث نوعاً من الوقاحة .
- نادراً ما يرفض الفلبينيون أمراً أو يجادلونك فيه ، لأنهم يعتبرون أن كلمة " لا " غير مهذبة.
- لا يفضل البريطانيون التقرب منهم كثيراً أثناء التحدث كما بين أبناء البلاد العربية .
- يكره الصيني أن تظنه ياباني ، كذلك يكره الياباني أن تعتقده صينياً .
- ينزعج أبناء الدول الأسكندنافية من الكلام المفاجئ بصوت عالٍ .
-
من كتاب " الشخص المناسب "
د. مأمون طربيه