ولكي يتم التخطيط لابد من أمورٍ يجب مراعاتها :


أولاً : تقسيم العمل إلى مراحل .


ثانياً : تحديد خطوات كل مرحلة .


ثالثاً : إعطاء كلِّ خطوة وقتَ بداية ، ووقتَ نـهايةٍ .


رابعاً : كتابة الخطة ومراحل تنفيذها ، خاصة في الأهداف الطويلة ليَسْهُل تقويم تَنْفِيذ الخطة .


خامساً : البُعْد عن التعقيد والمثالية في وضع الخطة ، بل تكون الخطة واضحة سهلة .


الثالث : تنظيم الوقت :


للوقت أهمية كبرى ، ومزيَّة عظمى ، فهو غنيمة لمن أحسن استغلاله ، ومَرْبَح لمن أجاد اغتنامه ، بل الوقت هو الحياة .


قال ابن عقيل يرحمه الله : (إنّ أجلّ تحصيل عند العقلاء بإجماع العلماء هو الوقت ، فهو غَنِيْمَة تُنْتَهَز فيها الفُرَص ، فالتكاليف كثيرة ، والأوقات خَاطِفة) .


ولابد للوقت حتى يُسْتغلَّ : من تنظيم ، فالخطوة التي تلي التخطيط هي : توفير الوقت اللازم للتنفيذ ، وهذه تكون بأمرين :


أولاً : مراعاة حال الشخص وظروفه عند وضع الخطة .


ثانياً : المحافظة على ما خُصِّص من وقت لتنفيذ هذا العمل مِنْ أَنْ تَطْغى عليه أعمال أخرى .


فالانضباط الذاتي أساس تنظيم الوقت ، بل إنّ أعظم تخطيط للوقت لا يساوي شيئاً ولا يُجْدِي إذا لم يكن من يُنَفِّذه منضبطاً ذاتياً ، ومتقيِّداً بتَخْطِيطه .


وشكاية كثير من الناس الجادّين : من ضَيْق الوقت أو عدم توفُّره هو في الحقيقة من عدم التنظيم، فالعمل الذي يسْتَغْرِق لإنهائه : عشر دقائق يُصْرَف في إنجازه : ساعة كاملة ، وما ذلك إلا لسوء التخطيط أو عدمه ، أو التسويف أو غير ذلك .


فَلْيتخلَّص المرء من مُضيِّعات الوقت ، ولْيُحَاوِل استخدام وقته بشكل فعَّال ، بحيث تُقلَّص نسبة الوقت المصروف دون فائدة ، وذلك إنما يكون بتنظيم الوقت .


وإليك قواعد في تنظيم الوقت :


أولاً : تحديد الأولويات : فلا بد للمرء من تحديدها حتى يُقدِّم الأهم على المهم ، والمهم على غير المهم ، وحتى يحذر من الخَلْط بين المهم والعاجل فلا يُقدِّم العاجل غير المهم على المهم العاجل وغير العاجل ؛ لأن هذا يُرْبِك ما سبق أنْ خُطِّط له، ويؤجِّل إتمام كثير من الأشياء المهمة .


وليتذكر المرء أنّ اختيار العمل الأفضل أهم من عمل أي شيءٍ فقط ، فلا يخلط المرء بين الحـركة والتقدُّم ، فالحركة تكون في اتجاهات مختلفة أو متضادة ، بل قد تكون في المكان نفسه ، أما التقدم فإنه يكون دائماً إلى الأمام نحو الهدف .


ثانياً : تحديد مواعيد الانتهاء من الأعمال : حيث إن تحديد وقت الانتهاء والالتزام به تَحَدٍ يَشْحذ الذهن ، ويُعِيْن على التركيز ، بل يهيئ الجسم للانصراف نحو العمل المطلوب.


وليُعْلَم أنه يجب عند تحديد المواعيد النهائية أن يكون الإنسان واقعيّاً ودقيقاً في تقديره ، بحيث لا يكون الوقت قصيراً جداً فيُصَاب المرء بالإرهاق والإحباط ، ولا يكون طويلاً ، فيُصاب بالفتور والتواني.


ولا بأس بعد تحديد الموعد بأن يُعاد تحديد موعد بديل إذا دعت الضرورة إلى ذلك ، لكن لا تُتْرَك النهاية دون موعِدٍ مقدَّر .


ثالثاً : العمل بكل وسيلة تساعد في حفظ الوقت ومن الوسائل المساعدة لحفظ الوقت ما يلي :


1ـ حسن التعامل مع الهاتف .


2ـ تحديد مواعيد للزيارات الروتينية،وينبغي أن تكون محصورة بين عملين معروفين، كصلاة المغرب والعشاء مثلاً .


3ـ التخطيط للخروج من المنـزل بحيث يقضي المرء أكبر قدر ممكن من الأعمال في كل مرة يخرج فيها ، ولا يجعل لكل عمل خروجاً مستقلاً .


4ـ تفويض ما يمكن تفويضه من الأعمال ، ولو كَلَّفَ ذلك بعض المال،ولْيتذكر المرء أن الوقت لمن يحتاجه ويحسن استغلاله : أغلى من المال .


كان الشيخ جمال الدين القاسمي ـ رحمه الله ـ يتحسَّر عندما يَمُرُّ أمام مقاهي دمشق ، ويرى الناس يمضون أوقاتهم في لهو وثرثرة ، ويَتَمَنَّى لو استطاع شراء أوقاتهم منهم .


5ـ تحديد مواعيد الالتقاء مع الآخرين بدقة ، وعدم الرضا بالمواعيد المطاطة .


6ـ إدارة الاجتماعات بفعاليّة ، واستثمارها جيداً .


ولْيَحْرص المرء على اقتناص دقائق الوقت الضائعة ، ولْيغتنم أوقات الانتظار ، بل يغتنم كل دقيقة في هذه الحياة .


كان أبو يوسف ـ رحمه الله ـ في مرض الموت ، وعنده أحد تلاميذه ، وقد أُغمي عليه ، فلما أفاق قال له : يا إبراهيم ما تقول في مسألة كذا ؟ فقال إبراهيم : في مثل هذه الحال! قال: نعم ، لا بأس لعله ينجو ناج ! فتباحثا قليلاً ، قال إبراهيم : فلما خرجتُ من عنده سمعتُ الصُّراخ عليه وإذا هو قد مات.


وكان سليم الرازي ـ رحمه الله ـ إذا كان يكتب فحفي عليه القلم ، وأخذ في بريه : حرَّك شفتيه بالقراءة .


وقال بعض السلف لأصحابه وقد كانوا عنده : (إذا خرجتم من عندي فتفرقوا لعلّ أحدكم يقرأ القرآن في طريقه ، ومتى اجتمعتم تَحَدَّثْتُم) .


وقال ابن الجوزي يرحمه الله : (ينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه ، وقدر وقته ، فلا يُضيع منه لحظة في غير قُرْبة ، ويُقدِّم الأفضل فالأفضل من القول والعمل) .


إنَّ ساعة تُنْتَزع كل يوم من أوقات اللهو ، وتُستعَمل فيما يفيد : تُمكِّن كل امرئٍ ذي مقدرة عقلية عادية أن يتضلَّع في علم بتمامه .


قال ابن النحاس :


اليومَ شيءٌ وغداً مثلُهُ


يُحصِّل المرءُ بـها حِكْمةً


مِنْ نُخَبِ العلمِ التي تُلتَقَطْ


وإنما السيلُ اجتماعُ النُقَطْ
  
الفصل الثاني : التنفيذ والإنجاز
هناك أمور تُعْين على تنفيذ العمل وإنجازه وجعله مثمراً ، نذكر منها ما يلي :


أولاً : الثقة بالنفس :


إن عدم الثقة بالنفس لَتَدْعو الإنسان لَيَثَّاقل بنفسه عن المبادرة ، وتُعْطِيه النتيجة مقدَّماً قبل المحاولة بل قبل التفكير : أنّه فاشل .


وليُعْلَم أنّه لا شيء أضرّ على الإنسان من عدم ثقته بنفسه ، ولا شيء يهدم ثقة الإنسان بنفسه أكبر من جهله بها ، وأعظم الجهل بالنفس احتقارها والنظر الدُّوْنيّ لها ، ولا شيء يصنع النجاح مثل الثقة بالنفس.