تغيرات هورمونية أيضاًَ

بعد الولادة يحدث انخفاض سريع وشديد لهرمون الأستروجين و البروجيستيرون. وهما من الهرمونات التي يتم طرحها بكثرة في أثناء فترة الحمل. والغياب المفاجئ لهذه الهرمونات، وبشكل خاص البروجيسترون الذي يمتلك تأثيراً مضاداً طبيعياً للاكتئاب، يسهم في نشوء الاكتئابات في مرحلة بعد الولادة. ففي الحالة الطبيعية وعندما لا يحدث أي تدخل طبي في مجرى الولادة الطبيعي، يتشكل أثناء الولادة هرمون الحب المسمى (الأوكسيتوتسين)، الذي يلعب دوراً مهماً في نشوء الارتباط الأولي بين الأم ورضيعها. فالإيقاع الحيوي بين الأم والطفل يعمل في هذه الحالة بصورة آلية وبشكل مثالي جداً. ولكن ماذا يحدث إذا تم التدخل اصطناعياً في هذا المجرى؟ المشكلة اليوم تتمثل في أنه قلما توجد ولادة دون استخدام الأدوية أو الآلات أو إعطاء المحرضات الهرمونية الاصطناعية للولادة. فمن أجل تسهيل عملية الولادة يتم اليوم حقن مادة مخدرة في الحبل الشوكي، بل حتى كثير من مستشفيات التوليد تروج لنفسها بأنها تضمن الولادة دون ألم؟؟!!. ومن خلال هذه الحقنة في الحبل الشوكي يتم كبح الإحساس بالألم في النصف الأسفل من الجسد. غير أن هذا الشكل من التدخل الطبي لا يخلو من العواقب، إذ أن قطع مسارات الألم يؤدي إلى عدم قيام الدماغ بإصدار الأوامر المتعلقة بعملية الولادة ومن ثم لا يقوم بتحرير المواد الضرورية للولادة أو لما بعد الولادة. وكلما ازداد التدخل في عملية الولادة سواء في أثناء الولادة أو حتى قبل ذلك في أثناء الحمل، ازدادت المشكلات. وتشير الدراسات إلى أن الولادات الطبيعية التي تتم دون تدخل طبي يندر لها أن تعاني من الاكتئاب بعد الولادة. كما أن مشاعر القيمة الذاتية تكون أشد لدى النسوة اللواتي مررن بتجربة الولادة الطبيعية، اللواتي يشعرن أنهن أنجزن عملاً صعباً ومرهقاً. وتبرهن دراسات أجريت في هذا المجال أن التدخلات الطبية الشديدة كاستخدام الشفط أو الملاقط أو العمليات القيصرية يمكنها أن تسهل حدوث اكتئابات بعد الولادة. كما أن الولادة في المنزل تعد عاملاً مضاداً للاكتئاب. بالإضافة إلى أنه عندما يتم كبح الألم أثناء الولادة فإن طرح الأندروفينات لا يتم بشكل كاف. والأندروفينات هي مضادات الألم الطبيعية وهرمونات السعادة والفرح. وفي دراسة ألمانية على 13 مجموعة من مجموعات المساعدة الذاتية للولادة أشارت المفحوصات إلى أن خبراتهم كانت سيئة مع الأطباء، حيث شعرن أن الأطباء لم يتفهموا حالتهن النفسية. وعندما كن يطرحن الأسئلة على الأطباء كانت الإجابة الغالبة، إن ذلك أمراَ طبيعياً…سوف يزول ذلك قريباً…وتشير أنيتا ريشير روزلر من المعهد المركزي للصحة النفسية في مانهايم بألمانيا إلى أنه قلما يتم تشخيص أعراض اكتئاب ما بعد الولادة بشكل صحيح والانتباه لها من قبل الأطباء، بسبب الخجل ومشاعر الذنب من أن يتم اتهام الأم بالفشل في مشاعرها الأمومية من جهة ، وبسبب قلة الاهتمام من الأطباء بهذه الأعراض
من جهة أخرى. وفي كل الأحوال يتم التأكيد على الوقاية من خلال تعاون أطباء التوليد والمتخصصين النفسيين والأطباء النفسيين. ومن ضمن إجراءات الوقاية دعم الأمومة اجتماعياً ونفسياً، وعدم تحميل المرأة وحدها مسؤولية مشاعرها والتحرر من الفكرة القسرية الملحة، أنه على الأم أن تكون "أماً صالحة" أو "أماً مثالية".