سادسًا: قانون الاسترخاء:
يقول هذا القانون: "إن بَذْلَ الجُهد في الأعمال العقلية يهز نفسَه، بخلاف الأعمال الحِسية الجسمية"، فنحن إذا أردنا أن نقطعَ خشبة - مثلاً - أو ندقَّ مسمارًا، فكلما كان الجُهد أقوى كان قطعُ الخشبة أو دخول المسمار أسرعَ، أما في الأعمالِ العقلية فما يحصلُ هو العكس تمامًا، وإذا حاولنا تحقيقَ ما نصبو إليه في أقصرَ من الوقت الذي نحتاجه، فسوف نؤذِي أنفسنا؛ لأن (من تعجَّل الشيء قبل أوانِه، عُوقِب بحِرمانه)؛ فالمطلوبُ منا إذًا أن نعتقدَ - بهدوءٍ واسترخاء - أن ما نحاولُ الوصولَ إليه سيتحقَّقُ بعون الله إذا صبَرْنا وانتظرنا.


سابعًا: قانون التخلِّي والتحلِّي (كيف نترك العادات السلبية ونكتسب العادات الإيجابية):
إن كلَّ فردٍ منا يتغيَّر باستمرار، لا يوجد استقرارٌ كامل في الشخصية الإنسانية، إذا وعَيْنا هذه الحقيقة أمكننا أن نوجهَ التغيير إلى ما هو نافعٌ ومفيد، فيعمل معنا لا ضدَّنا.


إن اكتسابَ عادة (عقلية أو ذهنية أو نفسية) جديدة ليس أمرًا صعبًا؛ فهو يتطلبُ - كما يقول أكثرُ المختصين - (12) يومًا، في هذه الأيامِ الإحدى والعشرين علينا أن نقومَ بأربعة أمور:
1- نفكِّر.
2- ونتحدَّث.
3- ونتصرَّف وَفْق ما تُمليه علينا العاداتُ الجديدة المطلوبة.
4- وأن نتصور ونتخيَّل - بوضوح تامٍّ - كيف نريدُ أن نكون.


فالأمر إذًا يحتاجُ إلى تريب ذهنيٍّ ورياضةٍ عقلية.


إذا فكرتَ في نفسِكَ وكأنك صِرتَ بالشكل المطلوب، فإن هذا التصورَ يتحوَّلُ إلى حقيقةٍ بالتدريج، والواقع أن هذه هي الطريقةُ التي نكتسبُ بها العاداتِ الجديدة، وإلى هذا يشيرُ الحديث الشريف القائل: ((إنما العِلم بالتعلُّم، والحِلْم بالتحلُّم))[5]، وقول الحسن رضي الله عنه: إذا لم تكن حليمًا فتحلَّمْ، وإذا لم تكن عالِمًا فتعلَّمْ، فقلما تشبَّه رجلٌ بقومٍ إلا كان منهم.


يقول ابن سينا (المتوفى عام 428هـ) رحمه الله: "والأخلاقُ كلها - الجميلُ منها والقبيح - مكتَسَبة، ويمكن للإنسان متى لم يكن له خُلُق حاصل، أن يحصِّلَه لنفسِه...، وأن ينتقل بإرادته إلى ضد ذلك الخُلُق"[6].


ويقول الإمام الغزالي (المتوفى عام 505هـ) رحمه الله، عند حديثِه عن ذِكر الله عز وجل في كتابه: "إحياء علوم الدين"، ما معناه: الذِّكر النافع هو ما كان مع حضورِ القلب (أي: مع التركيز، وهذا ما عبَّرْنا عنه آنفًا بقولِنا: أن نتصورَ ونتخيَّلَ بوضوحٍ تام كيف نريد أن نكون؛ فالأمر إذًا يحتاجُ إلى تدريب ذهنيٍّ ورياضة عقلية)، فأما الذِّكرُ باللسان والقلبُ لاهٍ فهو قليلُ الجدوى، وفي الحديث الذي رواه الترمذي وحسَّنه عن أبي هريرةَ رضي الله عنه: ((واعلَموا أن اللهَ لا يقبَلُ الدعاءَ مِن قلبٍ لاهٍ)).


وللذِّكر أول وآخر: فأوله يُثمرُ الأُنْسَ بالله، واستشعار حبه سبحانه وتعالى، وآخره يكون ثمرةً للأُنْس والحب، وصادرًا عنه؛ فإن الذاكرَ قد يكون في بدايةِ أمره متكلِّفًا بصرفِ قلبه ولسانه عن الخواطرِ والوساوس إلى ذِكر الله عز وجل، فإن وُفِّق للمداومة، أَنِس بربِّه، وانغرس في قلبِه حبُّه، ولا ينبغي أن يُتعجب من هذا؛ فإن مَن أحب شيئًا أكثَر من ذِكره، ومن أكثر ذِكر شيء - وإن كان تكلُّفًا - أحبَّه، ولا يصدُرُ الأُنْس إلا مِن المداومة على المكابدة، والتكلف مدة طويلة، حتى يصيرَ التكلُّف طَبعًا، وقد يتكلَّفُ الإنسان تناولَ طعام يستبشعه أولاً، ويكابِد أَكْله، ويواظب عليه، فيصير موافقًا لطَبْعه حتى لا يصبرَ عنه؛ فالنفس معتادةٌ متحمِّلة لِما تتكلَّف: هي النَّفس ما عودتَها تتعودُ؛ أي: ما كلَّفتَها أولاً يصير لها طبعًا آخِرًا.


وهناك طُرُق عدة لتسريع عملية اكتساب العادات الإيجابية، أهمها ما يُسمِّى: التوكيدات، وهي الجُمَل التي:
ليس فيها أداة نَفْس.
ولا استقبال، بل تعبِّرُ عن الحاضر.
وتستخدم ضميرَ المفرَد المتكلِّم.


مثلاً: إذا أراد شخصٌ الإقلاع عن التدخين، فلا يقول: أنا لن أدخن، أو أنا سوف أترُك التدخين، أو أنا لا أحبُّ التدخين، ولكن ليقل: أنا أكرَه التدخين، التدخين يُتلِف صحتي، ويدمِّر مالي، لقد أقلعتُ عن التدخين والحمد لله، وهكذا تدخُل الفكرة تدريجيًّا؛ لتستقرَّ في العقل الباطن، وتوجِّه السلوكَ بعد ذلك، ويمكن تطبيقُ الطريقة نفسِها على أي عادةٍ يريد الفرد اكتسابها؛ كممارسة الرياضة البدنية، أو إنقاص الوزن بتقليلِ كمية الطعام، فيقول المرءُ مثلاً: أنا أمارسُ الرياضة بشكل جيِّد، الرياضة تحسِّنُ صحتي، وتَزيد من نشاطي، الرياضة سببٌ لدَفْع المرض عني بإذن الله، أو: أنا آكُلُ باعتدال، أنا أكره الإفراطَ في الطعام، الدُّهون والحلوى تدمِّرُ صحتي، وهكذا... ويُفيد جدًّا أن نكتبَ هذه الجُمَل على ورقةٍ مرات عدة صباحًا ومساءً، ونقرأَها ونكرِّرها مع الحماسةِ والاقتناع.



من كتاب: "اللياقات الست منهاج حياة