التوسط وقابلية التحليل
ومن الأمور المهمة لحسن الإدارة (التوسط في الفكر) فإن من الناس من يسيطر عليه روح التردد في الأمور فكل شيء لديه محتمل، وكل حركة عنده لها وجه صواب ووجه خطأ، ومثل هذا خليق بأن يجمد في مكانه. ولا يصلح للإدارة، إطلاقا ومن الناس من هو عكس الأول فيجزم بالأشياء اعتباطا بكل سرعة، بدون تمام الموازين والأدلة، وهذا أيضا خليق بالفشل وضعف الإدارة، لكثرة أخطاء مثل هذا الإنسان.
ومن الطريف، أن بعض الناس- في الحرب العالمية الثانية- كانوا يشكون في وجود الحرب ويظنونها دعابة أثارتها الدول الكبرى لأغراض.. بينما بعض آخر كان يظن أن الحياة تمحى من الدنيا بسبب هذه الحرب، لسرعة جزمه بالدعايات الفارغة، وإن لم يقم عليها اي دليل.


وغير الناضج من الناس، غالبا، بين هاتين الحالتين، حالة التردد أو حالة سرعة الحكم الاعتباطي.
فالتوسط في الفكر من أهم مقومات الإدارة الناجحة.


عدم التبجح بالعمل


ومن الأمور المهمة لحسن الإدارة (عدم التبجح) إطلاقا ، فإنه عدم التبجح بالعمل ومن الأمور المهمة لحسن الإدارة (عدم التبجح) إطلاقا ، فإنه مما يفسد قلوب الناس عن الإنسان، أو يوجب انفضاضهم من حوله، مما يؤدي بدوره الى فشل الإدارة فاللازم التبجح والافتخار بما عمل.
ومن الغريب أن الناس- بفطرتهم- يحبون العامل الساكت، ويكرهون العامل المتبجح، وإنه إذا سكت الإنسان عن عمله، مدحه الناس، وان مدح عمله، ذمه الناس ومن طريف ما يحكى أن عاملا، كان ساكتا عن عمله، فكان الناس يمدحونه وأخذ في بعد ذلك يمدح عمله، فسكت عنه الناس، فتعجب عن سكوتهم بعد أن كان العمل هو العمل بلا تفاوت- وسئل من بعض عن سبب ذلك؟ فقال: إن الناس كانوا يمدحونك حين كنت ساكتا، أما إذا مدحت نفسك، فعملك لا يستحق مدحين ، ولذا سكتوا عنك ـ .
والتبجح ليس باللسان الصريح فقط، بل بالكتابة، والإشارة، والتلميح، وفعل ما يدل على المدح- كما إذا تثائب وتمطى واتكى وغير سحنة وجهه بعد عمل قام به، متبجحا لفعله ذلك.
فعلى المدير أن يجتنب ا لتبجح إن أراد حسن الإدارة، وعدم فشلها، وإلا كان نصيبها الفشل بل من أقسام التبجح الندم، في معرض المدح فربما ترى إنسانا يقول: إني لا علم لي.. وهو يريد الكناية بذلك عن علمه أو يقول : إني لم أخدم أحدا وهو يريد بذلك إثبات خدماته، وهكذا.
النظرة الثاقبة
ومن الأمور المهمة لحسن الإدارة (النظر إلى العواقب) فإن الأمور مرتبطة بعضها ببعض وكثيرا ما تكون أمور كثيرة تنتج عاقبة جيدة أو رديئة فإذا نظر الانسان إلى الشيء مجردا عن ظروفه وملابساته ظن عاقبة- رديئة، حينا، فلا يقدم أو حسنة حينا، فيقدم- وذلك مما يسبب فشل الإدارة بينما يلزم أن ينظر الإنسان إلى الشيء من جميع جوانبه ومحتملاته، وهنا يكون رجاء الأمن عن العطب والعاقبة الحسنة.
وقد ورد في وصف الإمام المرتضى (عليه السلام)، أنه كان بعيد المدى .
مثلا قد يكون التاجر، يرى السوق رائجا، فيشتري السلعة بثمن ربما يقترضه، بزعم أنه بعد أيام يربح الربح الكثير، ثم يخسر مما يرتطم في مضاعفاته، وذلك لأنه إنما أخذ بالنظر، ربح السلعة في هذا اليوم، ولم يأخذ بالاعتبار احتمال وقوع رخص، بعد أيام لانتهاء كارثة حاقت بالبلاد، أو ورود بضائع مماثلة، أو قلة رغبة الناس في هذه البضاعة بعد زمان لانتهاء الفصل المرغوب فيه هذه السلعة، أو ما أشبه ذلك.
وربما يكون مصادقة إنسان، أو معاداة إنسان رأس سلسلة من الإنجازات أو المصاعب باعتبار أن له جذورا وأجنحة، فالناظر السطحي لا يهتم به، لأنه لا يعرف العواقب المرتبطة بهذا الإنسان من جهة جذوره وأجنحته فيسرع في عدائه أو يبطئ في جلب رضائه ووده.
إلى أشباه ذلك، مما هو كثير جدا، فالمدير الناجح، هو الذي يلاحظ هذه الأمور من جميع الجوانب.
كون المدير أذنا
ومن الأمور المهمة لحسن الإدارة، أن يكون المدير (أذنا) يسمع ما يسمع بدون مناقشة، فيما لا يهمه، مما لا يضطر إلى المناقشة فيه، فإن كثيرا من الناس يحبون الثرثرة، أو إبداء الآراء ، أو نقد الأمور بينما لا يهم الإداري كلام واحد من ألف كلام منها.
فإذا أراد النقاش والنقد، أضاع وقته عبثا، وأثار الناس على نفسه، لأنه إن أبدى الرضا أثار المناوئين لهذا الكلام، وإن أبدى السخط أثار المتكلم ولذا مدح الله رسوله بقوله( قل أذن خير لكم).
وقد كانت من عادة المرحوم، زعيم الثورة العراقية، الإمام الشيرازي، السكوت حين كان يكلم في مقترحات. وكلما طلب القائل منه الجواب؟ لم يتكلم مفضلا تأثر المتكلم عن سكوته، على تأثره عن رده ونقده.
طيب المعاشرة
ومن الأمور المهمة لحسن الإدارة ، طيب المعاشرة فإن الانسان المتفوق محسود من أصدقائه ومن أعدائه، والأصدقاء وإن أخفوا حسدهم لكنهم لا يملكون ثائرة أنفسهم، ولا بد في يوم أن تنفجر الثائرة، ولو من بعضهم، أما الأعداء فالكلام فيهم واضح لا يحتاج إلى الشرح.
وطيب المعاشرة، مما يخفف من سودة الحسد، وبحد من نشاطه، وبذلك يسلم المدير عن العداوات أو يقبل منها حسب المستطاع، فبالإضافة إلى تمكنه من حسن الإدارة يتمكن من تقديم الإدارة إلى الأمام فإن الإنسان لا يتمكن من تحسين وضعه ولا تقديم عمله في جو مشحون بالتذبذب والمناوئة. ويلزم أن يكون المدير حذرا من صديقه أكثر من حذره من عدوه، فإن العدو لعداوته يؤمن من استرسال الشخص عنده حول نقاط ضعفه، ولا يمكن أن يحطمه من دخيلة أمره، أما الصديق فإن الإنسان يسترسل عنده في الحديث بما يبدي عورته، ويكشف ضعفه، فإذا انقلب عدوا كان قادرا على الهدم، ولذا قال الشاعر
احذر عدوك مرة واحذر صديقك ألف مرة
فلربما انقلب الصديق فكان أعلم بالمضرة
قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ما نزل جبرئيل مرة إلا وأوصاني بمداراة الناس.
ويقول الشاعر السعدي في بيت فارسي له تعريبه:
راحة الكونين في تفسير هاتين الكلمتين (إعمال المروة مع الأصدقاء، وأعمال المداراة مع الأعداء).
الشخصية المتوازنة
ومن الأمور المهمة لحسن الإدارة ،اجتناب ما يسبب نفرة الناس فانه وإن كانت النفرة لأسباب تافهة، تكون مضرة با لإدارة والمدير.
ومما يسبب النفرة أبواب كثيرة، نذكر منها جملة، ونكل الباقي إلى لباقة المدير.
مثل خلف الوعد. وإظهار الاستبداد والتواضع الملحق بالمهانة.. وهجر الناس والتجنب عنهم.. وعدم حضور الاجتماعات المنعقدة بالمناسبات. والاعتزاز بالنفس وبالعمل مظهرا ذلك بقول أو عمل.. والإتيان بما لا يليق عند الناس: كالأكل في الطريق، والضحك العال، والبصاق أمامهم، والمزاح المثير، وما أشبه ووضع النفس فوق مستواها كاصطحاب من فوقه والجلوس فوق مجلسه وترفيع بعض على بعض في المعاشرة والمصادقة وما أشبه مما يسبب جلب عداوة من نقصهم حقهم.. وتنقيص الناس حقهم والمجادلة.. والتكلم بما لا يصدقه الناس، وإن كان حقا من القصص والتواريخ وما أشبه.. والكذب.. والإتيان بالأمور المنكرة شرعا أو عقلا أو عرفا.
إلى غيرها من الأمور الكثيرة المنفردة.. ومن المعلوم لزوم مراعاة الشريعة المطهرة. في الفعل والترك إذ ليس مرادنا ترك واجب يستهجنه بعض الناس أو فعل محرم يعتادون الإتيان به- والعياذ بالله ـ .
جلب الثقة للناس
ومن الأمور المهمة لحسن الإدارة ( جلب ثقة الناس) وهذا غير الفصل السابق، فإن من الناس المديرين، من لا يأتي بالمنفر، لكنه لا يجلب ثقة الناس أيضا وجلب ثقة الناس ضروري للمدير، فإن كل الناس العاملين إنما يتمكنون من الاستمرار في عملهم بسبب ثقة الناس بهم.. مثلا إمام الجماعة إذا زالت ثقة الناس عنه لم يحضر أحد جماعته والحكومة إنما تعيش بثقة الناس فإذا زالت ثقتهم نحوها عن الحكم والتاجر إنما يتمكن من الأخذ والعطاء لثقة الناس به وإلا انفضوا من عنده وتركوا معاملته، وهكذا فإذا جلب المدير ثقة الناس بحسن معاشرته واستقامة أعماله، أبقى على نفسه وعلى إدارته وتمكن أن يشق طريقه إلى الأمام، وإلا عرض إدارته للخطر، وسمعته للانهيار ، وأخيرا الفشل.
تجنب الاستفزاز
ومن الأمور المهمة لحسن الإدارة ، أن يفعل ما يريد بدون استفزاز فإن الغالب أن المديرين لهم شركاء ولو كانوا في مستوى أحط، وتكون الكلمة للمدير أخيرا.
فإن ظهر وجه الرأي للمدير، كان لا بد وأن يكون هناك مخالف أو أكثر فقد يأتي المدير بما يظهر له بعنف واستفزاز، وهذا خطأ موجب للعداوة وفشل الإدارة، وقد يأتي بما يظهر له بكل لطف ولين، وهذا من أسباب نجاح الإدارة وولاء الملتفين حولها.
مثلا: للمرجع حاشية- مهما أوتوا من الصلاح والتقوى- لهم آراء حولت تعيين الوكلاء وإجراء المشاهرات وما أشبه، وكثيرا ما يكون رأي المرجع مخالفا في تعيين وكيل أو عزله أو ما أشبه ذلك، فاللازم أن ينفذ رأي نفسه، بدون استفزاز، وإلا انقضت الحاشية- الصالحة، فرضا، عن حوله، وتلقى مضاعفات ذلك.
يقول أحد الرؤساء بصدد هذا، كثيرا ما كنت أنوي نصب شخص معين ولكن لأخذ رأي الأعضاء كنت أستشيرهم في الشخص الذي ينبغي أن ينصب؟ بدون أن أذكر اسم الذي قصدته، فإذا صوتوا لمن قصدته فنعم المطلوب، وإلا كنت أضع من يعينوه في بساط البحث- بحثهم أنفسهم، دون اشتراك مني في المناقشة- وطبيعي أن تقع حوله المناقشة حتى يرضون به وأخيرا كان من قصدته هو الذي يعينوه بالإجماع أو كان من اقصده أحد شخصين يرشح للأمر من قبلهم فكنت أنا في آخر الحلبة، ارتضي بمن قصدته، بعد أن كان التعيين منهم، فكنت في وقت واحد أفوز بما أردت، وأجلب رضاء الأصدقاء بل مدحهم إياي بأني أخذت بآرائهم ومن هذا الباب أيضا عدم مجابهة الناس بما يجرح كرامتهم، سواء حول ما يريد أو حول ما يريدون.
الابتعاد عن الأنانية
ومن الأمور المهمة لحسن الإدارة ، عدم الأنانية ، فإن الأنانية ضد الإدارة بكل لوازم المضادة.
فإن الأناني إنما مقصده نفسه، لا الهدف الذي وضعت لأجله الإدارة، فالأناني يسير إلى اتجاه نفسه، والإدارة تسير إلى اتجاه الهدف، ولذا سرعان ما يظهر الفشل في الإدارة و الانهيار أخيرا.