أما بناء تقدير الذات عند الطفل، فيبدأ بحقيقة العواطف الفعلية معه وليس بمظاهرها، مناداته بأجمل صفاته، التباهي به، تحفيز اختياراته واعتماده على نفسه، تنمية مهاراته وإكسابه حب المبادرة والثقة بذاته وتطوير معلوماته وتصرفاته، الإهتمام ببناء كيانه المستقل القائم بذاته من خلال التوجيه المعرفي والتربية الإيجابية. الحزم في توضيح جوانب تصرفاته لا يلغي الحنان. إن اقتصرت الأم أو المربي على التوبيخ والتأنيب والعقاب الجسدي، فغالبا ما يوجه الطفل شخصيته لتفادي العقاب، لكنه سيعيش بتمركز مضخم على السلبيات في سلوكياته فتصبح حياته قائمة على التفادي ولا يعلم شيئا عن إيجابياته؛ ينجز أعماله خوفا من المساءلة كالذي تقوم حياته على إرضاء الآخرين دون أن يرضي نفسه ولا أحد يرضيه، أو يكفر بكل هذه القيود فيثور دون التمكن من توجيه تصرفاته بوعي واسترشاد.


تقدير الذات يتجلى في الإستقرار حين اتخاذ القرارات والثبات عليها، وعندما يتضح للفرد خطأه، يطور مواقفه ويعيد صياغة رأيه بسلاسة دون ارتباك، كما أن أخطاءه ما هي إلا تجارب كاشفة للواقع، يسعى للنجاح ولا ييأس للإخفاقات، قادر على توجيه طلب الحصول على دعم أو حق دون حرج، محاور صريح، واع بعواطفه وقادرعلى التعبير عنها وتوجيهها بتوازن، متقبل للإنتقاد دون انكسار، معتد بنفسه دون تعال، راض بواقعه دون خنوع ويسعى لتنميته.


يعيش المقدر لذاته حياته بمسؤولية شخصية، لا يلوم الآخرين حين تتعثر خطواته، بل يعيد النظر لفهم مدى التوافق بين طموحاته وطاقاته، ويبدع الحلول. بقدر وعيه بمسؤولياته، فهو كذلك واع بعدم حمل أوزار الآخرين. تقدير الذات عنصر أساسي للنجاح بكل أنواعه، وهو بمثابة جهاز مناعة يحمي الإنسان من مختلف الإضطرابات والإختلالات النفسية.


كانت في العصور الوسطى فرق مسرحية متنقلة عبر القرى والمدن، تعرض عروضها للإسترزاق وكسب القوت، وبما أن عدد أفراد الفرقة محدود، كان كل فرد يضطر لتشخيص عدة شخصيات على حدة، لذلك كانوا يستعملون الأقنعة للدلالة على كل شخصية، كل قناع يرمز إلى شخصية معينة. كان الممثل في بعض الأحيان يجد صعوبة في نزع أحد الأقنعة بسبب الأربطة والمواد المثبة المستعملة آنذاك، فترتبك أحداث القصة. أصبحت الحياة كمسرحية واقعية يرتدي فيها المرء أقنعة عديدة بحسب الدور الإجتماعي الذي يؤديه. يغفل كثيرون للأسف عن إزالة هذه الأقنعة التي تلتصق بوجوههم لدرجة أنهم لم يعودوا قادرين على التمييز بين شخصيتهم الحقيقية وتلك التي يشخصونها أمام المجتمع.


كيان المرء ذاته، ونمو وجدانه نابع من لب حقيقته، وكل شخص ينسج حول نفسه سياجا يحتمي وراءه ولكنه يصبح بعد حين زنزانته. الذات نسمة الحياة وهي لا تقيم في الزنزانات، فمن احتمى بزنزانته هجرته الحياة، وعندما يفتقد المرء تقديره لذاته، فلا يضيره ما يحدث بها.