أنماط الشخصيات في المنظمات (2)



(لاكتساب المعرفة؛ على المرء أن يدرس، ولاكتساب الحكمة؛ عليه أن يلاحظ)

مارلين فوس سافانت.

تحدثنا في المقال السابق عن أنماط الشخصيات في المنظمات، وتكلمنا على الجانب الأول والثاني من الشخصيات، وفي هذا المقال نتحدث عن الجانب الثالث والرابع.

الجانب الثالث:كيف يتخذ الإنسان قراراته؟

أولًا: العاطفي أو المشاعري: (f).

صفاته الرئيسة:

يتخذ قراراته بناءً على المشاعر والوجدان، وبقلبه لا بعقله، وهو شديد الحساسية تجاه الآخرين، ويحافظ على مشاعرهم ويشفق عليهم، فهو يتأثر جدًا بالمشاعر والأحاسيس، ويتخذ القرارات بموجبها، ويحتاج من الآخرين أن يعبروا عن مشاعرهم تجاهه.

مميزات عليك استغلالها:

1. من السهولة استيعابه، والوصول إلى قمة العلاقات الإنسانية معه، ولكي يحدث ذلك؛ فعليك أن تظهر اهتمامك به، وأن تعبر عن مشاعرك تجاهه، وتجعله يشعر أنك تحبه، وبذلك تصل إلى قلبه بسهولة.

2. من السهولة التأثير فيه، وذلك بأن تجعل أغلب كلامك معه عاطفيًّا وشعوريًّا، بمعنى كيف سيزيد العمل من شعوره بالسعادة، وكيف سيضفي عمله شعورًا بالسعادة على الآخرين.

3. من السهولة قيادته؛ لأنه يتخذ قراراته بعاطفته، ولذلك إذا جعلته يقدرك ويحترمك؛ سيمشي وراءك، وينساق لكلامك، إما إذا لم تنجح في ذلك؛ فستجده مشاكسًا معاندًا لك.

تحديات يجب التغلب عليها:

1. شدة حساسيته:

فهو شديد الحساسية لكل نقد، أو نظرة حادة، أو كلمة قاسية، مما يجرح مشاعره بشدة، وقد ينقلب عليك نتيجة لذلك، فموقف واحد يقع منك على سبيل الخطأ قد تخسره بسببه؛ لأن كل شيء عنده بالمشاعر؛ والمشاعر متقلبة.

2. سهولة التأثير عليه من الآخرين:

كما أنه من السهل أن تؤثر فيه، فالآخرون كذلك بقليل من العاطفة يستطيعون التأثير عليه، وخصوصًا؛ إذا كان اجتماعيًا، ستجده شديد التأثر بمشاعر أصدقائه أو زملائه في العمل.

ولذا عليك أولًا أن تجعل صلاتك معه شديدة القوة؛ لأنه سيمنح قراره لمن يحبه أكثر، ويثق فيه أكثر، كما عليك أن تحيط به، وترعاه رعاية شاملة؛ لتحفظه من تأثير الآخرين عليه بطريقة سلبية، وأخيرًا نمِّ الجانب العقلاني فيه، وشجعه على اتخاذ القرارات بطريقة عقلية، لا بالمؤثرات العاطفية.

بدون تفاصيل:

1. اجعله يشعر أنك تحبه بشدة، وأنه الأثير لديك.

2. كن حذرًا من أي كلمة أو حركة مؤذية له.

3. وفِّر له رعاية وإحاطة شاملة؛ لحفظه من تأثير الآخرين عليه.

ثانيًا: العقلاني أو المفكر: (t).

يتخذ قراراته بالعقل، والمنطق، والعدل، لا بالعاطفة، والمشاعر، والحب، حساسيته قليلة تجاه الآخرين، ولذلك قد تجده يجرحهم أو يعنفهم دون أن يشعر؛ لأن همه إيصال الحق، وقول العدل، حتى ولو كان في ذلك إيذاء مشاعر الآخرين.

على أننا يجب أن ننتبه أن لديه عاطفة، ولديه مشاعر، وعليك حتى تقوي علاقتك معه؛ أن تبدي له هذه العاطفة الحارة وهذه المشاعر، وأن تشعره أنك تحبه وتهتم به، لكنه فقط يتخذ قراراته بعقله لا بعاطفته، أما أن نظن أنه لا يملك مشاعر؛ فهذا مستحيل؛ لأنه بشر.

مميزات عليك استغلالها:

1. كونه يتخذ قراراته بعقله فهذا يطمئنك، أنه طالما اقتنع بالشيء ورغب فيه، فسينفذه، وسيكون أقل عرضة للمؤثرات الخارجية.

2. المنفعة للجميع هو أفضل مبدأ تعامله به، فيجب أن تكون العلاقة بينك وبينه علاقة ذات نفع متبادل، ولها مسوغاتها، وأسبابها، أما مجرد أن تكون العلاقة علاقة حب، ومشاعر؛ فهذا يعتبره هو تضييعًا للوقت.

فصحيح أن الحب والمشاعر ركنان هامان لأي علاقة، وبالتالي علينا أن نحرص عليهما؛ ولكن الأهم من ذلك عند هذا الشخص هو المنفعة من وراء هذه العلاقة، ومدى الفائدة التي ستقدمها له.

تحديات يجب التغلب عليها:

1. لحظة أن يشعر أن المنفعة بينكما قد انتهت، ولا توجد منفعة مشتركة، أو مصلحة من وراء هذه العلاقة؛ فاعلم أن علاقتك به قد انتهت, ولذلك اجعل علاقتك معه على أساس قيمة مستمرة في الزمن، ومنفعة لا تنتهي أبدًا.

2. أصعب في الاستيعاب؛ لأنه لا تكفي مجرد المشاعر في استيعابه، وإنشاء صلة قوية معه، وإن كانت ضرورية في الوقت ذاته، ولكن يجب بجانب ذلك أن يفهم أنه ينتفع منك، ويستفيد بصلته معك.

3. ناقد بطبعه، قد ينتقدك، وقد تسمع منه كلمات جارحة، وأحيانًا يختلف معك في الرأي كثيرًا، ويعترض على كلامك، ولذا عليك بالصبر عليه والرفق به، وبناء أسس توافق قوية؛ حتى يصل إلى وجهة نظرك.

بدون تفاصيل.

1. اجعل صلتك معه على أساس المنفعة للجميع، وركز على هذه النقطة بالذات؛ لأنها محور ارتكاز العلاقة معه.

2. ركز معه على تقوية الأسس التي يقوم عليها بناء الاتفاق، حتى يقتنع بوجهة نظرك.

3. لا تنسَ إبداء مشاعرك له، فهو بشر، ولكن لا تسرف في ذلك.

الجانب الرابع: كيف ينظم الإنسان العالم من حوله؟

أولًا: التلقائي (المدرك بحواسه): (p).

صفاته الرئيسة:

يحب أن يتكيف مع الظروف والأوضاع، ولا يحب السيطرة عليها، يحب أن تكون الخيارات مفتوحة أمامه، لا يحب اتخاذ القرارات، بل يؤجل اتخاذ القرار إلى آخر لحظة، وإذا استطاع أن يجعل غيره يتخذ له القرار يفعل.

يحب أن يبدأ في المشاريع الجديدة لا أن ينتهي منها، غير منظم، تجد مكتبه وحجرته غير منظمة، مواعيده غير منضبطة بحجة أن الظروف من الصعب السيطرة عليها، وبالتالي يتأخر في مواعيده.

مميزات عليك استغلالها:

1. سهولة التأثير فيه وتغييره؛ لأنه يحب أن يتكيف على التغييرات الجديدة، ولذا؛ تجده أسرع استجابة للتغير، وفي فورة من الحماسة، قد يتخذ قرارات جذرية، لكنه قد يرجع عنها بعد ذلك.

2. سهولة قيادته؛ لأنه ينتظر من يقوده، ويضع له الأهداف، ويتخذ له القرارات، ولذا فهو يرحب بأن يقاد، ويسعد بذلك، وخصوصًا إذا كان اجتماعيًا؛ لأنه أكثر تأثرًا بالعوامل الخارجية.

3. انفتاح الخيارات أمامه؛ تسهل عليك أن تضع له اختيارًا من عندك، فيقبله ويلغي الخيارات الأخرى.

4. سهولة شغل وقته؛ لأن سيطرته على وقته أساسًا ضعيفة، ولا يحسن استغلال وقته، ولا يريد أن ينجز أهدافًا محددة، خلال وقت محدد، وبالتالي بسهولة تستطيع أن تجعله ينشغل بأهداف جديدة تضعها له، وتسيطر على وقته.

تحديات يجب التغلب عليها:

1. التردد:

فهو متردد بشدة، ولا يحب أن يقرر أو يختار الخيار الأنسب؛ لأنه يخاف أن يكون قد اتخذ القرار الخطأ، وأن يكون قد أضاع فرصة جيدة، ولو تركته هكذا قد يظل طوال عمره مترددًا بين خيارين، ولذا عليك أن تساعده وتشجعه على اتخاذ القرار المناسب وتطمئنه، وبالتدريج علمه كيف يتخذ قراراته بنفسه؟ وأن يحب ذلك.

2. البدء في المشاريع وعدم إنهائها:

يحب أن يبدأ في مشاريع جديدة، وبعد فترة تجده قد ملَّ وقرر أن يغير إلى مشروع آخر، فمثلًا يبدأ في مشروع، وبعد فترة تجده يريد أن يتحول إلى مشروع أخرى.

ولذا؛ عليك أن تعلمه الاستقرار والاستمرار على تحقيق أهدافه، وأهمية التمسك بالأهداف وإنجازها، وأن العبرة بإنجاز الهدف؛ لا بالبدء في العمل وعدم إنجازه.

بدون تفاصيل:

1. استغل إمكانية سرعة التأثير فيه ليتغير بسرعة.

2. ضع الأسس والقواعد اللازمة لجعله يستقر على قراراته الجديدة وتغيراته.

3. احرص على رعايته وإحاطته للحفاظ عليه، خصوصًا في البدايات.

ثانيًا: الحكم (الحاسم): (j):

صفاته الرئيسة:

يحب السيطرة على الأمور، والحسم في اتخاذ القرارات، ولا يؤجلها، لا يحب الخيارات المفتوحة، بل يحب خيارات واضحة، ومحددة، ومغلقة، لا يؤجل، ولا يسوف، منظم، تجد مكتبه وحجرته وحياته منظمة.

منضبط في مواعيده، يسيطر على وقته، يحب وضع الأهداف وإنجازها، العبرة عنده بإنجاز الهدف وإتمامه لا بالبدء فيه، يستغل وقته لإنجاز أهدافه.

مميزات عليك استغلالها:

1. لا يعرف التردد، طالما اقتنع بالشيء ورغب فيه؛ اتخَذَ القرار المناسب بقوة وحسم، والغالب ـ إن شاء الله ـ أنه يثبت عليه.

2. يحب إنجاز المشاريع، فطالما بدأ في مشروع يحب إنجازه وإنهاءه، وتجد الهدف منتصبًا أمامه، يريد أن يصل إليه، ويتحدث مع الناس كثيرًا عن هدفه، وأنه يسعى في إنجازه.

3. فيه جوانب قيادية جيدة؛ فقوته في اتخاذ قراره والحفاظ عليه، تجد الآخرين يلتفون حوله، ويمشون وراءه، وبالتالي تجد القادة غالبًا يتميزون بهذه الصفة؛ صفة الحسم، خصوصًا إذا كان اجتماعيًا، وتجده مؤثرًا في محيط أسرته، وأصدقائه، وجيرانه.

تحديات يجب التغلب عليها:

1. يتخذ قرارات مسبقة:

حينما تتعامل معه، وتريده أن يتغير؛ فقد تجد أن قابليته للتغيير أصعب من غيره؛ لأن له قرارات وأهداف سابقة يريد إنجازها، وبالتالي هناك مقاومة للتغير؛ أنت تطلب منه أن يلغي قراراته القديمة، ويضع مكانها قرارات جديدة، وهو يشق عليه أن يدع الالتزام بالقرارات القديمة.

ولذا تحتاج إلى مهارة كبيرة في بناء الاتفاق الذي يدفعه إلى أن يغير قراره، ويعدل إلى قرار آخر، ولكن اطمئن، فطالما قرر، سيلتزم بالقرار الجديد.

2. وقته أكثر انشغالًا:

لأن لديه أهداف محددة، يريد إنهاءها خلال وقت معين، ولذا من الصعب عليه إضافة مشاريع جديدة إلى وقته، أو إعطاء وقت كبير لك، ولذا عليك أن تعيد بناء قناعاته في كيفية وضع الأهداف، وما هي الأهداف الأهم؛ حتى ينشغل بما هو نافع ومفيد، وإلا فلن يعطيك كثير وقت، وحتى لو أتى وحفظ معك مثلًا؛ ستجده يسمع وينفتل سريعًا من المجلس؛ لتحقيق أهدافه الخاصة به.

بدون تفاصيل:

1. ركز على تغيير قناعاته؛ ليتخذ قرارات جديدة مناسبة.

2. تدرج معه في بدء مشاريع جديدة؛ لأنه يحب الالتزام بأي شيء يبدؤه، ولذا امشِ معه خطوة خطوة.

وختامًا تذكر دائمًا إن النفس البشرية بحر عميق، يحوي كنوزًا من الصفات الإيجابية، ولكن للوصول إلى أعماق هذا البحر، وللحصول على مفاتيح ذلك الكنز، نحتاج إلى معرفة بأنماط هذه النفس، تلك المعرفة التي ستؤهلك ـ بإذن الله ـ لتكون أكثر دراية بالآخرين، وقدرة على مساعدتهم، وتغييرهم للأفضل،وتذكر قول بل فوستر: (فريق العمل لا يعرف كلمة أنا).

أهم المراجع:

1. أسرار النفس البشرية، د.موسى الجويسر.

2. سحر الاتصال، محمد أحمد العطار.

3. البرمجة اللغوية العصبية وفن الاتصال اللامحدود، د.إبراهيم الفقي.

4. أفضل ما قيل في الانتصار مع فرق العمل، كاثرين كارفيلاس.

. مصطفى كريم