سلسلة تنمية الذات/ ح (10) سر في ركب الخالدين ( بقلم ازهر اللويزي )


فطر الله تعالى عباده على حب الخلود ووهبهم الحياة ثم يذيقهم سكرة الموت التي لم يفلت منها أحد في دارنا الدنيا ثم يحيهم وينمحهم الخلود الأبدي حيث سيكون مصيرهم إما الى دار النعيم وإما الى دار الجحيم .


وكل انسان يبحث عن الخلود ويعشقه ويطمح اليه ولكن بالطريقة التي تناسبه ، فمنهم من يدخل التأريخ من أوسع أبوابه عبر بوابة الخير كالانبياء عليهم الصلاة والسلام الذين بلغوا رسالة السماء الى الناس ومن سار على خطاهم الطاهرة ، ومنهم من يدخل من أوسع أبوابه عبر بوابة الشر فيشتري حطام الدنيا بنعيم الآخرة .


وكل انسان خلق ليبقى ، فالموت ليس نهاية القصة بل هو نقلة وتمهيد لمرحلة اخرى وهي الخلود الذي لا ينتهي ولا يعقبه فناء .


بصمة خالدة : بناء أعظم وأقدس وأطهر بيت في الوجود وهو بيت الله الحرام قال تعالى : " واذ يرفع ابراهيم القواعد من البيت واسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم " . 127_البقرة


هذه بصمة خليل الرحمن ابراهيم وابنه اسماعيل عليهما السلام ذات الأثر الطيب المبارك فما هي بصمتك للخلود في هذه الحياة ؟ .


همم كأن الشمس تخطب ودها .. .. والبدر يرسم في سناها أحرفاً


بصمة قبيحة : كالذي بال في بئر زمزم الماء المبارك الذي يشرب منه الناس فلما جيء به الى الخليفة ، فسأله عن السبب قال الرجل : لأدخل التأريخ ! .


قال له الخليفة : لقد دخلت التأريخ من أسوأ ابوابه .


نعم لدخول التأرخ بابان هما باب الحق والخير والفضيلة وباب الباطل والشر والرذيلة فمنهما يدخل الناس لتسطير اسمائهم فمن أي الأبواب تحب الولوج ؟ .


وعندما تقرأ التأريخ تجد اناساً سطَرت أسماءها في ذاكرة الزمن ونقشت أعمالها في صحائف الخلود وروت الأجيال أمجادهم .


وبالمقابل هناك أغلبية ساحقة ليس لها في ذاكرة الزمن إسم ولا في صحائف الخلود نقش ولا بين الأجيال ذكر ، كانت حياتهم ضمور ثم صعقوا بالموت ولفتهم الأكفان وواراهم الثرى .


وفكرة الخلود فكرة قديمة لامست فكر الإنسان وليست حادثة جديدة بل تجدها منذ بداية البشرية ومنها دخل ابليس بكذبة ليخدع أبانا آدم وامنا حواء عليهما السلام ويمارس إغواءه الذي لا ينفك عنه حينما حكى القرآن الكريم لنا :
" ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين " . 20_الاعراف


بذلك داعب رغائب « الإنسان » الكامنة . . إنه يحب أن يكون خالداً لا يموت أو معمراً أجلاً طويلاً . كالخلود ! ويحب أن يكون له ملك غير محدد بالعمر القصير المحدد . (في ظلال القرآن)


وفكرة الخلود مارسها الفراعنة ايضاً حينما قاموا بتحنيط موتاهم عبر طرق خاصة وفريدة ظناً منهم وتوهماً أن أرواحهم ستعود الى أجسادهم مرة اخرى وهو إجتهاد بشري في زمن عجَ بالكفر واللادين .


وفي عصرنا الحالي حاول الناس إبتكار طريقة حديثة لتخليد الراحلين فعمدوا الى بناء التماثيل التي تخلد الراحل لفترة من الزمن .


وها هو الانسان قد صال وجال وجال ليبحث عن وسيلة تبقي ذكره وتسطر اسمه في قاموس الخالدين بشتى الطرق والوسائل والأساليب لكن تبقى الوسيلة التي لا شك فيها ولا غبش وهي عمل الخير لوجه الله هي بوابة المجد والخلود .


فقد جاء في الحديث النبوي الشريف عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " اذا مات الانسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له " . رواه مسلم


ولنأخذ حكمة من الكاتب والفيلسوف السويسري جان جاك روسو الذي يعد من أهم كتاب عصر العقل في فترة من التاريخ الأوربي حينما يقول : إذا أردت أن تحيا بعد موتك فافعل واحداً من إثنين : اكتب شيئاً يستحق أن يقرأ أو إفعل شيئاً يستحق الكتابة .


كُن من الخالدين الابرار الذين لهم بصمتهم الخالدة وأعمالهم النافعة السارية ولهم ذكرهم الذي تلهج به الاجيال جيلاً بعد جيل .


فالعظماء الاخيار ينشدون الرقي والتطور والتقدم واشراقة المستقبل ويبذروا بذور الخير في الارض ليأكل منها جميع الناس .


والخالدون أصحاب همم تناطح الثريا ولا تكفي أعمارهم لأستيعاب أعمالهم ولا ينتهي ذكرهم بالموت بل ينطق بذكرهم الزمان كل حين ويشهد بفضلهم الجميع .


قد مات قوم وما ماتت مكارمهم .. .. وعاش قوم وهم في الناس أموات


وأكثر الناس يولدون ويعيشون ويقبرون وفي سلة النسيان يهملون ، لكن هناك قلة وهي بقية الخير عاشت بوعي وصنعت بصمة الخلود التي عجز عنها آخرون .


نعم كلنا سيغادر هذه الدار ولكن الحصيف اللبيب من عرف كيف يوازن بين كفتي الدارين فيعمل لكفة الدنيا بقدر بقاءه فيها ويعمل لكفة الآخرة بقدر خلوده فيها .


هل عشقت أصحاب الخلود ؟ هل تحب أن تسير في ركبهم ؟ هل ترغب أن تُحلِق في سربهم ؟ الاجابة عندك انتَ ... وانتِ ..


سر في ركب الخالدين .. عش بينهم .. تعلم منهم .. إحتك بهم .. ستكون واحداً منهم .