الحلقه الاولى :

القيــــــادة
Leadership

مقدمة
تُعدّ الإدارة العلمية الحديثة، سر تقدم الدول، ومفتاح نهضتها وتطورها في عالمنا المعاصر، حتى يمكن القول: "إننا نعيش اليوم عصر الإدارة".

وتتضمن عملية الإدارة (Management process) عدة عناصر، أو وظائف (Functions)، على المدير تنفيذها. وعلى الرغم من اختلاف الخبراء حول هذه الوظائف، تحديداً وترتيباً، إلاّ أن عملية الإدارة، في كل الأحوال، تشتمل على خمس وظائف أساسية، هي: "التخطيط Planning، والتنظيم Organizing، والتوظيف Staffing، والتوجيه Directing، والرقابة Controlling". هذه الوظائف ليست منفصلة، وإنما هي حلقات متصلة، في سلسلة العملية الإدارية. ويعدّ التوجيه أهم حلقاتها. وترجع أهميته إلى أن عملية الإدارة، هي ـ أساساً ـ عملية تنسيق جهود الأفراد والجماعات وتوجيهها، نحو إنجاز الأعمال المطلوبة، لتحقيق الأهداف المنشودة. فالتوجيه يعتمد على ثلاث ركائز أساسية هي: القيادة Leadership، والتحفيز Motivating، والاتصالات Communications. وتُعدّ القيادة الركيزة الأساسية، لنجاح التوجيه.

وعن أهمية القيادة في نجاح الإدارة، ذهب كثير من رجال الفكر الإداري، إلى القول، إن القيادة هي جوهر العملية الإدارية، وقلبها النابض (Essence of management)، وإنها مفتاح الإدارة، وإن أهميتها تكمن في أنها تجعل الإدارة أكثر ديناميكية وفاعلية، وتعمل كأداة محركة لها، لتحقيق أهدافها.

وليس كل مدير بحكم عمله يصبح قائداً، فالمدير يسيطر بالسلطة المخولة له، أمّا القائد فيسيطر بتأثيره في الآخرين، نتيجة سماته الشخصية الفطرية أو المكتسبة، وتسمى هذه السمات "Charisma". لذا يمكن أن يصبح الإنسان قائداً، يملك التأثير في الآخرين، من دون أن يكون مديراً، كما أنه قد يكون مديراً، ولكن تنقصه قوة التأثير، ومن ثَمّ، يفتقد صفة القيادة، ليحقق إدارة ناجحة وفاعلة.

ومع أهمية وظيفة "القيادة" في العملية الإدارية، أصبحت الحاجة ملحة لوجود المدير القائد، وعلى المديرين أن يسعوا لاكتساب صفات القيادة الناجحة. فالمدير القائد، هو الشخص الذي يملك قدرة التأثير في سلوك الجماعة، ويوجهها بكفاءة واقتدار، نحو تحقيق الهدف المشترك، ولا يعتمد في ذلك على سلطة منصبه فقط، وإنما يستمد سلطاته من الجماعة نفسها.

كانت الدراسات، في الماضي، تفترض أن القيادة والإدارة هما الشيء نفسه. وعلى الرغم من أن هذا الافتراض غير صحيح، إلاّ أن هناك جانباً من عمل المدير، ينطوي على تنفيذ الأعمال من طريق الآخرين، ويكون من السهل تحقيق ذلك، إذا كان المدير قائداً.

لذا، أصبحت المنظمات، بكافة أشكالها وأنواعها، في حاجة إلى أن تُقاد (to be led)، لا أن تدار (Administered)، إذ إن العلاقات الإنسانية الصحيحة، بين القائد ومرؤوسيه، باتت ضرورية، لتحقيق استجابتهم لأوامره وتعليماته. كما أصبحت القيادة المعيار، الذي يُحدد في ضوئه نجاح المنظمات، أياً كان نوع النشاط الذي تنفّذه.

وإذا كانت المنظمات المدنية، في ميادين العمل المختلفة، في حاجة إلى المدير القائد، فإن القيادة الناجحة ضرورة لازمة في المجال العسكري. فالآثار التي تنجم عن القيادة العسكرية الفعالة، تنعكس في صور متعددة، من أهمها المحافظة على الأرواح والدٍماء، وكسب المعارك، وتحقيق النصر، والمحافظة على كيان البلاد، وحريتها، وأمنها، وسلامتها، ومستقبل أجيالها. وقد عبر "المارشال فوش"، عن أهمية القيادة في المجال العسكري، بقوله: "إن الجيش الذي يريد أن يحقق النصر، لا بد من أن تتوافر لديه عوامل حيوية، أهمها "القيادة". والقائد، الذي يتولى إدارة المعركة ليحقق الهدف، لا بد أن يكون ذا موهبة خاصة، هي قدرته على القيادة".

والتاريخ العسكري حافل بمن عكف على دراسة فنون القيادة، وكمثال على ذلك، فإن "نابليون بونابرت" لم يصل إلى قمة مجده بدراسة فنون الحرب، أو الإستراتيجية فحسب، بل بعمق معرفته بالطبيعة البشرية، أو بعبارة أخرى بإدراك خصائص الرجال، وتحليل غرائزهم، وانفعالاتهم، وكيفية التأثير فيهم.

وقد أصبح لموضوع القيادة أهمية كبيرة، خاصة في الوقت الحاضر. وقد تطورت أساليبها بتطور المجتمعات. وتبين الدراسات والأبحاث، التي صدرت في شأن موضوع القيادة، أن أساس التقدم والتطور والنمو في ميادين الحياة المختلفة، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بأسلوب القيادة، ومدى فهم سيكولوجية الجماعات، ومدى التأثير فيهم، وتحقيق التعاون الكامل بينهم، وفهم هدف الجماعة وتحقيقه، وتحمل المسؤولية في متابعة هذا الهدف. كما أن القيادة يمكن تنميتها، وممارستها بأسلوب علمي، متى عُرفت عناصرها وأنماطها ومقوماتها، وحلّلت الظروف المحيطة بالموقف، أو الهدف الذي تسعى الجماعة إلى تحقيقه.

منقول