إن أحد أهم ما يتميز به الشباب، من ظواهر نفسية، هي أحلام اليقظة. وحلم اليقظة هو إعمال الذهن في تحقيق الرغبات، بما يحقق إشباعاً على مستوى الخيال. إذ يلجأ الشاب إلى خياله، ويشرد فيه، كي يحقق إشباعاً لا يستطيع تحقيقه في الواقع.

وعادة، يمارس جميع الناس أحلام اليقظة، ولكن من دون إغراق فيها. أمّا من يغرقون في أحلام اليقظة، فإنهم يشكون من كثرة السرحان، وعدم تذكر الأشياء، والبطء في إنهاء المهام التي يريدون إنجازها. فمثلاً، يشكو الطالب الجامعي، أنه لا يستطيع التركيز أثناء المحاضرات، على الرغم من حضورها بانتظام، وعلى الرغم من محاولته الإنصات والانتباه للمحاضر. كما أنه عندما يجلس إلى كتابه، ليذاكر، فإنه يبدأ بقراءة وفهم بضعة سطور، ثم ينتبه فيجد الوقت وقد مر عليه طويلاً، من دون أن يقرأ غير هذه السطور القليلة. فيتساءل، بينه وبين نفسه، أين كان؟ وماذا شغله خلال هذه الساعات؟ حيث كانت عيناه على سطور الكتاب، بينما عقله في عالم آخر.

إنه عالم الخيال الذي شرد إليه، فيلوم نفسه وخياله، ويحاول العودة إلى مذاكرته، وتنجح المحاولة ولكن لدقائق معدودة لا يلبث بعدها أن يعود إلى أحلام اليقظة من جديد. وتتكرر المحاولة للإنجاز، ويتكرر السرحان في حلم اليقظة من جديد. هذه هي الشكوى، غالباً.

ونتوقف، هنا، لنطرح عدة تساؤلات، ثم نعقب عليها بالإجابة:

أولاً: ما هي الأسباب التي تؤدي إلى حدوث أحلام اليقظة؟

ثانياً: ما هي النتائج المترتبة على الإغراق في أحلام اليقظة؟

ثالثاً: هل أحلام اليقظة مرضية أم طبيعية؟ وما حدود كل منها؟

رابعاً: هل هناك علاقة بين وظيفة التفكير وأحلام اليقظة؟

خامساً: ما هو علاج أحلام اليقظة؟

أولاً: الأسباب التي تؤدي إلى حدوث أحلام اليقظة

1. الإحباط (Frustration)

وهو فشل الإنسان في الوصول إلى هدف ما، المصاحب بشعور وجداني بالخيبـة والهزيمـة. وقـد يعي الإنسان هذا الشعور، وهو الإحباط على مستوى الوعي، وقد لا يعيه، وهو الإحباط على مستوى اللاوعي.

ونظراً إلى أن الشباب طاقة وتطلع وأمل وطموح، فهم أكثر الناس سعياً وراء الأهداف، وعملاً لتنفيذها، فإذا أصاب الهدف كان النجاح، وإذا لم يصبه كان الفشل والإحباط. لذلك، فالشباب أكثر الناس عرضه للإحباط، خاصة في الوقت الحالي، إذ تتعدد المتغيرات، والمغريات المادية والمعنوية، أمامهم، وجعلهم ذلك يتطلعون إلى أشياء كثيرة لا يستطيعون الوصول إليها دفعة واحدة، بقدراتهم الخاصة، إلاّ بعد وقت طويل، وهم لا يستطيعون صبراً!! فكيف يصبرون طويلاً وقد اعتادوا في حياتهم سرعة الإنجاز!! ألا يديرون قرصاً في جهاز سحري يصلهم بأبعد المناطق يسمى التليفون (الهاتف)؟! ألا يديرون مفتاحاً سحرياً لجهاز ينقل لهم ما يجري في كافة أنحاء المعمورة عبر أقمار صناعية، يسمى التليفزيون؟! وجهاز آخر يقلب لهم صفحات الكتب وينقلها إليهم من المكتبات التي تقع في النصف الآخر من الكرة الأرضية يسمى الكومبيوتر؟! بل ويصلهم بالعالم كله وينقل الأحداث. بل ويشركهم فيها من خلال الإنترنت.

من هنا كان إحباط الشباب، فله طموحات تتطلب وقتاً طويلاً وهو متعجل متحمس، فتصطدم هذه بتلك (العجلة والسرعة ببطء الإنجاز الشخصي) ويحدث الإحباط. ويكون الحل في أحلام اليقظة، يحقق خلالها ما فشل فيه واقعياً.

2. عدم الثقة بالنفس (Lack of Self Confidence)

يوجد بعض الشباب الذين لا يثقون بأنفسهم وقدراتهم، وقد يكون لذلك أساس موضوعي لدى القلة القليلة منهم، بينما لدى أغلبهم ليس له ما يبرره، غير أنه وُرِّث إليهم من أباءٍ قساة كثيروا الانتقاد (لا يعجبهم العجب)، أو هو مجرد عدوان تجاه النفس، فيحط الشاب من ثقته بنفسه، وتكون صورته، عن نفسه، مطابقة لذلك، فيلجأ إلى تعويض هذا الشعور بالنقص، على مستوى الخيال، فيغرق في أحلام اليقظة.

3. عدم القدرة على التكيف

كثيراً ما يتصادم الشباب بمن يكبرونهم سناً، سواء في البيت، من الآباء والأمهات، أو في معاهد العلـم، مـن الأساتـذة والقائمين على تعليمهـم، أو في أماكن العمل. ويثور الشباب بأن الكبار لا يفهمونهم ، ويرد الكبار بأن هؤلاء الشباب متمردون ثائرون، ويحتدم الصراع في نفس الشاب، ونظراً إلى أنه الطرف الأضعف، في هذا الموقف، إذ يملك الكبار مقاليد الأمور، فهو صاحب الشكوى، وهو غير قادر على التكيف، وسيحل ذلك في أحلام اليقظة، إذ يحلم بيوم تؤول فيه السلطة إليه، ويصلح بها ما فسد من الكون (من وجهة نظره).

ثانياً: النتائج المترتبة على الإغراق في أحلام اليقظة

إن الإغراق في أحلام اليقظة، يعطي الشاب شعور بالرضا عن نفسه، ويجعله يعوض الواقع بالخيال، فيكون كالمدمن (Addict) سواء بسواء، فالمدمن يلجأ إلى مادة مخدرة ملموسة يتعاطاها للهروب من الواقع، وصاحب أحلام اليقظة يمارس أحلام اليقظة هروباً من الواقع، كذلك. فكلاهما يهرب من واقع مؤلم، إلى خيال متسع، سرعان ما يعود منه إلى الواقع ليجد الواقع وقد أصبح أكثر صعوبة، وكلما تكرر الهروب وطال، كلما أصبح الواقع أكثر إيلاماً.

إن السرحان في أحلام اليقظة هو نفي لوظيفة الانتباه، وهي وظيفة عقلية معناها توجيه يقظة الشخص تجاه مثير معين، أو هي ما نطلق عليه، بوجه عام، القدرة على التركيز في شيء معين (مثير). ومن هنا، يصبح الشاب غير مركز في ما يفعله، فلا يدركه، ولا يسجله في ذاكرته. وهذه شكوى كثير من الناس، في جميع الأعمار، أنهم ينسون كثيراً من الأحداث (أو المذاكرة). والنسيان، هنا، لأنها لم تسجل أصلاً في الذاكرة، فالتسجيل يتطلب الانتباه، وهو وظيفة تُفْقَد عندما يشرد الشاب في أحلام اليقظ.

وعندما يغرق الشاب في أحلام اليقظة، يهبط مستوى إنجازه الوظيفي أو الدراسي، ويرى نفسه وقد أصبح بطيئاً، فيتهم نفسه بالغباء، ويقل اعتباره لذاته وثقته بها، ويزداد إحباطه وتزداد أحلام يقظته، لتعويض هذا النقص الواقعي، ولكن هذا يزيد من عجزه أكثر، وتهتز ثقته بنفسه أكثر وأكثر. وهكذا، يدخل في دائرة مفرغة قد تنتهي به إلى التوقف والعجز التام، إضافة إلى ما قد يصاحب ذلك من الاكتئاب، الذي قد يصل إلى الانتحار، أو معاودة الهروب، بطريق آخر، قد يكون طريق الإدمان.

وأحياناً تزداد حدة أحلام اليقظة لدى بعض المراهقين لدرجة معايشتها، كالمراهقة التي تسمع صوت الفتى الذي تحبه، على الرغم من أن ذلك غير حقيقي، وهذا خيال عقلي(Mental Image) قد يجعلها تُتّهم خطأ بالجنون،