الغضب من الأشياء التي قد تحول حياة الناس في لحظة وقد يكون وراء كل الشرور والآثام، فكم من أسر تحطمت وأطفال تشردت وتيتمت ونساء ترملت وأناس زج بهم إلي غياهب السجون لسنوات بسبب لحظة غضب واحدة، ولو أنهم راودوا أنفسهم أو ترووا لكانت الأمورمختلفة.
وصرنا نسمع عن أشياء في غاية الغرابة، فها هو رجل يسكب الكيروسين علي زوجته ويشعل بها النار لأنها تلكأت في إعداد الطعام، وآخر يقتل والده لأنه وبخه أمام الناس، وآخر يفصل رأس صديقه بسبب 5جنيهات.
إنها لحظة تغير تاريخا بأسره، وتلك اللحظات يعقبها الندم حيث لا ينفع، والكل يجمعون علي أن التاريخ لو عاد بهم إلي الوراء ما أقدموا علي ما فعلوا.
وقد أوصت كل الرسالات السماوية بكظم الغيظ ودرء السيئة بالقول اللين والعفو عن الناس.
فالتحكم في انفعال الغضب والسيطرة على النفس من الأمور بالغة الأهمية لكي ينجح الإنسان في حياته ويستطيع أن يتوافق مع نماذج البشر على اختلاف طباعهم وأخلاقهم، وأيضاً لكي يتجنب ما يسببه الغضب من اضطرابات نفسية وعضوية متعددة، وتفادى كثرة التصادم والاحتكاك الذي يحصل بسببه خصومات وعداوات كثيرة.
وجدير بالذكر أن معدل الغضب يرتفع طرديا كلما ازدادت مصاعب الحياة ومشاكلها، ففي الدول النامية والفقيرة والمزدحمة علي سبيل المثال، نجد ردود الفعل الأكثر عنفا تتولد في لحظات قليلة ولأتفه الأسباب، بينما تتسم ردود الفعل في الدول الأقل كثافة سكانية والأكثر رفاهية بالهدوء النسبي.

فنري أن للضوائق المالية، الازدحام، التكدس في المواصلات، عدم توفر الخدمات كالتعليم والرعاية الصحية ومياه الشرب والغذاء وارتفاع الأسعار الجنوني، نري أنها من العوامل التي تأجج نيران الغضب.

المشكلة في الغضب قد لا تكون الموضوع الذي سببه بحد ذاته ولكنه في رد الفعل الغير مدروس الذي قد يحدثه الشخص عند غضبه، إضافة الى أن انتهاج الطابع أو الأسلوب العصبي طوال الوقت يسبب النفور من جانب الأشخاص المحيطين بالإنسان ويدمر العلاقات الشخصية وعلاقات العمل.

وليس هذا فقط بل ينتج عنه مشاكل صحية مثل اضطرابات في المعدة, القولون, القلب (ارتفاع الضغط مثلا والصداع المستمر) .
ما هي السلوكيات والأقوال التي تفيد الإنسان كثيراً في مثل تلك الحالات ويفضل تسجيلها وترديدها وغرسها في الذهن باستمرار أثناء جلسات الخلوة العلاجية وبعدها؟



أولا: ما هو الغضب ..؟؟


"يتم تعريف الغضب كرد فعل على الإحباط"، كردود الفعل القاسية من جانب صديق، نسيان سلسلة المفاتيح في المطعم، طفلك يكسر الزهرية المفضلة لديك...

فجميعنا يواجه مواقفا يومية صعبة يمكنها أن تسبب لنا مشاعر سلبية غير سارة والغضب على وجه الخصوص، ونحن جميعا نعيش الغضب أكثر أو أقل بشكل منتظم وبدرجات متفاوتة من الشدة. والغضب في المقام الأول انفعال لحظي وثانوي.
"وينطلق الغضب من قبل مشاعر أخري مثل الخوف والحزن"، كما تقول ستيفان روزيناك أستاذ علم النفس، ولكن الغضب يختلف اختلافا جوهريا عن الحزن، ويعرف كرد فعل على الإحباط. وهو العاطفة البسيطة التي تعبر عن عدم الرضا، ونحن قد نشعر بالغضب تجاه أنفسنا وتجاه الآخرين.
واعتمادا على مدى الاستياء، يأتي الغضب في مجموعة من المشاعر التي تبدأ من الإحباط والسخط إلي الحنق مرورا بالغيظ والهيجان، وعلاوة على ذلك فإن درجة العدوانية هي التي تحدد قوة الغضب فيأتي الغيظ على سبيل المثال كسبب جزئي لعدم القدرة على الهروب من حالة غير مرغوب فيها، ويحدث التمرد محددا في مواجهة الحالات التي نري أنها ظلم.
ومن خلال دراسة استقصائية أجريت وجها لوجه في 12-13 مارس 2003 من قبل Zitrocom علي عينة تصل إلي 1000 شخص من سكان ممثلين للشعب الفرنسي بأكمله تبلغ أعمارهم 18 عاما فأكبر.
وعلي طريقة الحصص النبسية (الجنس،العمر، مهنة رب الأسرة) والطبقية حسب المنطقة ونوع التجمع السكاني.. أجري معهد الدراسات TNS Sofres استفتاءا عن 7خطايا مميتة وطريقة تفكير الناس عن الغضب.
ووفقا لهذه الدراسة وجد أن 2 ٪ من الناس يقولون أنهم يغضبون كل يوم، 21 ٪ غالبا، 48 ٪ أحيانا، 20 ٪ نادرا، و 8 ٪ مطلقا.
وعلي النقيض، ما يقرب من 50 ٪ منهم يجدون أن هذه العاطفة خطيرة أو خطيرة جدا، وبالنسبة لـ15 ٪ من الذين شملهم الاستطلاع، الغضب هو الخطيئة الأكثر تمثيلا لمجتمعنا وراء الحسد والكسل.
وردا على السؤال: "تخيل أنك تخطط للعيش مع شخص آخر، فما الخطية من بين الخطايا السبع المميتة التي قد تثنيك عن العيش معه إذا كان الشخص من اختيارك يرتكبها في أحيان كثيرة ؟"، أجاب 17 ٪ أن الغضب يأتي وراء البخل والكسل.



هل النساء أكثرغضبا من الرجال..؟؟


ترى أستاذة علم النفس السريري ستيفان روزيناك أنه لا يوجد فرق عاطفي بين الرجل والمرأة إلا في حالات التغيرات الهرمونية (انقطاع الطمث، الحمل، الغدة الدرقية..)

وللاستدلال علي ذلك، لا نستطيع ملاحظة الفرق لدي الرضع، إنها الثقافة والتعليم التي تؤدي بالرجال والنساء إلي مختلف ردود الفعل في التعامل أمام مشاعرهم.

ولإثبات ذلك، نحن نقول أنه بالنسبة للطفل الصغير الذي ينخرط في البكاء، فإن ما لديه هو مجرد نزوة، ثم نقول أنه بسبب أمر محزن بالنسبة لطفلة صغيرة.

ويختلف التفسير العاطفي حسب الجنس، ويبدو أيضا أن الغضب أكثر قبولا عند الرجال عنه لدي النساء، فعند الرجل يمكن أن يترجم هذا الغضب كرد فعل غريزي، بينما ينظر للنساء اللاتي يغضبن كالمشبوهات، وأنا مقتنعة بأن هناك تغيير طفيف لكنه لا يزال الفارق الكبير في الأداء الجنسي في العالم.




من أين يأتي الغضب ..؟؟


"مثل كل العواطف، الغضب هو قدرة الجسم على التكيف استجابة لمواقف طوارئ معينة، ويسمح للأفراد أن يظهروا للآخرين من نفس النوع استعداد أجسمانا للمكافحة، وكأننا نرسل رسالة، فعندما نرى شخصا غاضبا نعرف أنه ينبغي تجنب إجراءات معينة بل وحتى تجنب الشخص نفسه، وبالعكس لا يمكن القول أن طبيعة الناس الغاضبين وراءها سبب وراثي، لكن الدراسات حول هذا الموضوع ليست شافية بما فيه الكفاية".

تقول ستيفان روزيناك :"من وجهة النظر النفسية، يأتي الغضب من الإحباط كما أنه يمكن أن يتحقق أيضا من حالة فقدان حيث نعتقد أن الأداة التي فقدت لا يمكننا استردادها لمنع الخسارة أو لتغيير الوضع".
فالغضب في المقام الأول هو رد فعل أولي للتعامل مع الخطر، لكنه أيضا أسلوب من أساليب الاتصال الذي يتيح لنا أن نُشعر الآخرين بما نشعر به.
وفي كتابها " التأثير علي العواطف"، تعتبر "ستيفاني هاهوسو" بالتالي أن الغضب يعتبر كإشارة التنبيه التي" تحذرنا من أن آخرين قد غزوا أراضينا، وأنهم يسببون لنا الإحباط، وأنهم يسيئون استخدامنا، أوأنهم يعتدون علينا.. كل هذا يقول لنا أن الغضب، على الرغم من جميع هذه الجوانب السلبية، له وظيفة قد تكون مفيدة في بعض الحالات.
ومن هنا تأتي أهمية فهم الغضب، لذا يجب البحث عن جذوره وليس قمعه، "ولكن هذا ليس عذرا للدخول في حالة غضب "، كما تشير ستيفان روزيناك.



ما هي فائدة الغضب ..؟؟


مثل كل العواطف، يلعب الغضب على المستوى النفسي، دور المخبر لتلبية احتياجات الفرد، وعندما يتم استيفاء جميع احتياجاتنا، يمكن للفرحة أن تغزو كل الجسم والعقل، وفي المقابل عندما يرتبط الإحباط بالشخص، فإنه يشعر بالحزن أو الخوف بسرعة.

ويحدث الغضب عندما يحدث كسرا للتوازن في أحد جوانب الحياة، ونحن نحاول تغيير أو تطوير هذا الوضع، فهذه العاطفة تطلب من جسدنا حشد كمية كبيرة من الطاقة من أجل "الاستعداد للمعركة" والتغلب على العقبات التي تمنعنا من الوصول إلى حالة الارتياح، وبقدر ما تتطور العملية الحيوية للتكيف، فإن الغضب لا يسبب آثارا ضارة على التنمية الشخصية والاجتماعية.
وتضيف ستيفان روزيناك "يمكن أيضا أن يفيد الغضب في تصريف التوترات".
وتري ستيفاني هاهيسو مؤلفة كتاب "التأثير علي العواطف" أنه يجب ألا ينظر إلي الغضب باعتباره مشاعر سلبية أو ضارة، فتقول: "إنه متناسب تماما مع ما نشعر به من ضيق وما نريد التعبير عنه".



السخط وإلاحترام:



وتضيف المؤلفة: "يمثل الغضب استعدادنا للغيظ، إنه يعطينا الطاقة لمحاربة الظلم، ويزج بنا في الكفاح ضد شرور هذا العالم، فالغضب ضروري، وإذا كنا لا نريد إخراجه إلي الخارج، فإننا تضطر لأن نقوم بإعادته ضد أنفسنا ونشعر بالذنب.



الغضب يمكن أن يغيرالمفاهيم السلبية عن الذات، وفي بعض الحالات التعبير عن الغضب تجاه الآخرين وتجاهنا يمكن أن يساعدنا علي فرض الاحترام لأنه يعني أننا نحترم أنفسنا. "
هذه النظرة الإيجابية للغضب مرجحة من قبل "ديدييه بلو" الذي وصف من خلال كتابه "عبرعن غضبك دون أن تفقد السيطرة"، الغضب باعتباره علامة على الضعف وعدم الكفاءة، مؤلم ومدمر ذاتيا، وأضاف حتى أنه في بعض الحالات، قد يعكس رغبة مجنونة للفرد في أن يحصل علي ما لايقدر عليه أو أن يكون ما ليس عليه.



الغضب الجيد والغضب السيء:


الوالدان أيضا يغضبون من أطفالهم.. "لا تعود الأطفال علي الغضب"

والغضب أحيانا عندما يدار بشكل سيء وغير مفهوم، يمكن أن يصبح بالنسبة للبعض شكلا لاتصالات مزمنة مع الناس "ووفقا لمن حولنا من البشر، ليس للجميع نفس سجل الغضب، فهناك أناس يحطمون كل شيء، وهناك من يفضلون الاختباء والظور بمظهر جيد.

واعتمادا على المواقف، لن يكون الغضب هو نفسه مطلقا، فإذا كان الهدف المثير للغضب موجودا أمام عيني الشخص، سيتوجه ضده وإلا فإنه سوف سيتوجه ضد نفسه "، والأسوأ من ذلك أن توجيه الغضب ضد شخص بعيد عن إحباطه قد يؤدي إلى حالات من الاضطراب الشديد ويولد الكثير من سوء الفهم.

وتذكر ستيفان روزيناك موضحة أن هناك أيضا غضب حسن، فتقول: "إن الآباء والأمهات من خلال غضبهم تجاه أبنائهم من وقت لآخر، يستطيعون أن يفهموهم أن الوضع كان خطيرا وهاما.

وهنا سوف يتعلم الطفل عاطفيا وسوف يتذكر الخطر أو الخطأ من جانبه، ولكن حذار، فلا يجب جعل رد الفعل هذا معتادا من جانب الآباء والأمهات، لأن الأطفال إذا اعتادوا أيضا على الغضب، فلن يتعلموا ".