الأهم ثم المهم
(في إمكانك الحصول على أي شيء تريده, ولكن يستحيل أن تحصل على كل شيء تريده).
جون ماكسويل.
ماذا تريد في حياتك؟ وما هي الأمور التي تود أن تنجزها؟ لاشك أنك تريد الكثير والكثير كي تحققه في هذه الحياة القصيرة, إلا أنك لن تسطيع أن تحقق كل ما تتمناه, فليس كل ما يتمناه المرء يدركه, لكنك مع هذا تستطيع أن تحقق النجاح في حياتك بإنجاز أهم هذه الأهداف, فيجب عليك الاختيار, فالتفوق ينبع من إنجاز البنود الصحيحة بالطريقة الصحيحة وبترتيبها الصحيح, فنحن لا نستطيع أن نتحكم في الوقت، ولكن نستطيع أن نتحكم في أعمالنا, فإذا أردت أن تملك هذه الحياة فعليك بترتيب الأولويات.
أثمن عملة في الحياة:
يتم تحديد الأولويات من عنصرين رئيسيين: الأول هو عنصر الوقت, ونحن لا نملك زمام ذلك العنصر فهو يمر دون أن نحركه أو نوقفه, لكننا مع هذا نستطيع أن نضبطه ونستغله أفضل استغلال، فكما يقول الشاعر "كارل ساندبرج": (إن الوقت هو أثمن عملة في الحياة, ولن يحدد أحد غيرك قنوات إنفاق هذه العملة).
ولكي تعرف قيمة العام الواحد، سل الطالب الذي رسب في الامتحان النهائي، ولكي تعرف قيمة اليوم الواحد، سل الأجير الذي له من الأطفال ستة، ولكي تعرف قيمة الدقيقة الواحدة، سل الشخص الذي تفوته الطائرة، ولكي تعرف قيمة الجزء من الثانية، سل اللاعب الأوليمبي الحائز على الميدالية الفضية.
الأهم فالمهم:
يقول المؤلف "روبرت ماكين": (إن السبب وراء عدم تحقيق معظم الأهداف هو تمضيتنا وقتنا في إنجاز أمور ثانوية أولًا)، فالعنصر الثاني الذي تحدد من خلاله الأولويات هو عنصر الأهمية وهو ما يختلف من إنسان لآخر, فأهمية العمل أمر نسبي؛ فقد يكون هذا العمل مهمًا بالنسبة لك وغير مهمًا لغيرك, وهو يتميز بتحكمك التام فيه, فأنت من تقوم بتحديد أهمية هذه الأعمال, إلا أنه في بعض الأحيان قد تُفرض عليك أعمالًا ضرورية تتخذ الأولوية في جدول أعمالك.
لنواجه الأمر, فهناك أشياء عديدة تتنافس على صدارة الأولية لدينا, وهذا قد يشتت انتباهك لدرجة تجعلك غير متيقن ما هي الأمور الأجدر بتركيزك, وهنا يضع لنا "مايكل ليبوف" قاعدة ذهبية يقول فيها: (إن تكريسك جزءًا بسيطًا من نفسك لكل شيء, يعني التزامك الشديد تجاه لا شيء), فالأعمال لكي تنجز بطريقة صحيحة لابد أن يتم التركيز عليها بمقدار حجمها وأهميتها, ووضعها في مكانها الطبيعي في جدول الأعمال.
اعرف أولوياتك:
ومن هنا, يمكن أن تُقَسِم أعمالك طبقًا لهذين العنصرين: عنصر الوقت وعنصر الأهمية, فتصنفها من جهة مدى أهميتها, ومن جهة كم هي ملحة أو عاجلة، وذلك كما يلي:
هام وعاجل
(الذهاب لعيادة مريض في المستشفي) هام وغير عاجل
(إحضار هدية لصديق ستقابله بعد يومين)
غير هام وعاجل
(الرد على فاكس لغرض غير هام ينتهي اليوم) غير هام وغير عاجل
(تصفح إحدى الجرائد)
ويمكنك أن تحدد جدول أعمالك لكل يوم, ولهذا ضع قائمة بكل الأشياء التي تريد القيام بها اليوم، ثم قم بتقييم كل عمل من الأعمال, فيمكنك أن تعطي تقييمًا لكل عمل حسب أهميته ومدى إلحاحه, ثم أعد كتابة القائمة وفق ترتيب الأولويات, وخصص وقتًا لكل عمل, ثم ابدأ بإنجاز أول الأولويات والتزم بها حتى تنتهي منها ثم انتقل إلى ما يليها في القائمة, وهكذا.
الحياة مرنة ... وأنت أيضًا:
من هنا نستطيع أن نتبين كيف يمكن لك أن تضع جدول أعمال يومك أو أسبوعك, إلا أنه وفي كثير من الأحيان, تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن, فتجد أنه غالبًا ما تطرأ أفعالًا هامة على جدول مواعيدك اليومي, فيرتبك نظام حياتك, لهذا لابد أن تعلم أن المرونة هي أهم خصائص ترتيب الأولويات أو وضع جدول الأعمال, إلا أنها لا تعني في الوقت ذاته أن تكثر من التغييرات في جدول أعمالك دون الحاجة الماسة إلى ذلك.
وإليك هذه القصة، فقد ذهب شخص إلى بطولة كرة القدم الأمريكية, وكان مقعده في أعلى الإستاد, وبعد أن بدأت المباراة, رأى مقعدًا شاغرًا في الصفوف الأمامية يتيح له رؤية أفضل كثيرًا, وبعد أن شق طريقه لهذا المقعد سأل الرجل الجالس بجانبه: عفوًا, هل هذا المقعد محجوز؟ فأجابه الرجل: لا, في الواقع أن هذا المقعد يخصني فقد كنت من المفترض أن آتي بصحبة زوجتي ولكنها توفيت, وهذه أول بطولة لا نحضرها معًا منذ أن تزوجنا.
فقال الأول: يا لها من قصة مؤسفة, ولكن ألم تعثر على أحد يشغل هذا المقعد بدلًا منها؟ قريب أو صديق؟ فأجابه الثاني بقوله: لا, فكلهم ذهبوا إلى جنازتها!
حتى وإن كان في القصة طرفة أو فكاهة، ولكن هل أصبحت مشاهدة المباراة من الأولويات الثابتة والتي قد تمنع رجل كهذا من حضور جنازة زوجته؟ أم أن الحقيقة أن المباراة هي الأهم في ذلك الوقت!
إن الأولويات لا تظل ثابتة؛ ومن ثم يتعين عليك مراجعتها يوميًّا, فالظروف في تغير مستمر, وكذلك تتغير أساليب إنجاز الأشياء, ولكن بمجرد أن تقوم بتحقيق قيمك ستثبت, ولكن طريقة تنفيذها ستظل تحتاج إلى مرونة.
اخلط أولوياتك...دمر حياتك:
من مفارقات الحياة أن العديد من الآباء يعملون لوقت إضافي أو يلتحقون بوظيفتين؛ لكي يوفروا لأسرهم قدرًا كبيرًا من رفاهيات الحياة, ولكن الدراسات المتوالية قد بينت أن الأطفال ـ الذين يعمل آباؤهم بكل ما أوتوا من قوة من أجلهم ـ لو سُئلوا سيختارون أن يوفر لهم آباؤهم قدرًا أكبر من وقتهم, فتواجد الآباء بالنسبة لأبنائهم لا تعوض عنه آلاف الهدايا.
كثيرًا ما نجد مثل هذا الخلط للأولويات, فتجد أن الهدف الأساسي الذي يبذل فيه الآباء قصارى جهدهم هو من أجل الأبناء, ومع ذلك لم يتحقق الهدف بسعادتهم؛ بسبب اختلاط الأولويات بين توفير الحياة الطيبة لهم، وبين الإغداق بعطف الأبوة عليهم.
قد تكون مشغولًا بعمل ما, ثم تبدأ في شيء آخر ثم تعود إلى عملك الأصلي, فاختلاط الأولويات يعني أنك تريد أن تفعل الكثير من الأشياء جملة واحدة, ولذا؛ يقول عن ذلك "بابليليوس سيرس": (أن تحاول عمل شيئين في وقت واحد هو ألا تفعل كليهما).
ومن أجل التغلب على مشكلة اختلاط الأولويات؛ عليك أن تكون محددًا وواضحًا سواءً في الوقت المحدد لكل عمل أو في الفصل بين الأعمال وبعضها البعض, كأن تتعلم أن تقول لنفسك "لا", فمن الأفضل أن تقولها عن أن تفقد وقتك الثمين وتزحم جدول أعمالك بمهام غير ضرورية من شأنها أن توترك وتضعك تحت تأثير ضغوط العمل.
أولويات الناجحين:
ثلاثة علامات فارقة في حياة الناجحين تظهر أثناء تحديد الأولويات: الأولى اهتمامهم الشديد بالمهام التي تتصدر قائمة الأولويات، والثانية تجنبهم إضاعة الوقت في المهام غير الهامة وغير العاجلة, وعن هذا يقول الفيلسوف والمؤلف الصيني "لين يوتانج": (بجانب فن إنجاز الأمور النبيل, نجد أن هناك أيضًا فن ترك أمور غير منجزة لا تقل نبلًا عن الأول, وحكمة الحياة تشتمل على التخلص من أشياء ليست ذات أهمية)، وأما الثالثة فتختص بتحديد أوقات الهدوء والراحة ووضعها على جدول الأعمال.
قد تتعجب من أن تحديد أوقات الراحة من أولويات الناجحين, إلا أنه في الحقيقة تجد أن أوقات الراحة ـ حتى وإن كانت قصيرة ـ فإنها تُجدد النشاط وتبعث الحيوية في الفرد لمواصلة القيام بأعماله.
وختامًا إذا أردت أن تكون من هؤلاء الناجحين, فابدأ بتحديد أولوياتك, واجعل شعارك: سأحدد أولوياتي الحياتية وسأكرس تركيزًا وجهدًا للبنود التي من المرتقب أن تكون ذات أعلى مردود, وتذكر ما قاله "جون ماكسويل": (إننا لا نستطيع تغيير الوقت, بل نستطيع تغيير أولوياتنا فحسب).
أهم المراجع:
1. لليوم أهميته, جون ماكسويل.
2. إدارة العقل, د.جيلان بتلر و د.توني هوب.
3. النجاح للمبتدئين, زيج زيجلر.
4. أسرار قادة التميز, د.إبراهيم الفقي.
5. صناعة النجاح, د.عبد الله السبيعي.
منقووووول