عضو مميز
- معدل تقييم المستوى
- 24
ارض بما قسم الله لك,,
ارض بما قسم الله لك,,
يقول علماء النفس إن كثيرا من الهموم والضغوط النفسية سببه عدم الرضا ، فقد لا نحصل على ما نريد ، وحتى لو حصلنا على ما نريد فقد لا يعطينا ذلك الرضا التام الذي كنا نأمله ، فالصورة التي كنا نتخيلها قبل الإنجاز كانت أبهى من الواقع .
وحتى بعد حصولنا على ما نريد فإننا نظل نعاني من قلق وشدة خوفا من زوال النعم . ومن هنا كان الدعاء المأثور " اللهم عرفنا نعمك بدوامها لا بزوالها " .
وقد خلق الإنسان .. وخلق معه القلق .. أو خلق القلق ثم خلق له الإنسان ليكابده .
وهناك نوعان من القلق : القلق الطبيعي والقلق المرضي .
والقلق الطبيعي هو الذي يمكن أن نطلق عليه القلق الصحي ، أو القلق الذي لا حياة بدونه ، أو الذي لا معنى للحياة بدونه . وإذا اختفى أصبح الإنسان مريضا متبلد الوجدان .
وهموم الحياة كثيرة : هموم العمل والمنزل ، مرض الآباء أو الأبناء ، ديون متراكمة أو خلافات عائلية، امتحانات أو مقابلات . وكلها حالات تبعث في النفس القلق ، وقد تجعلنا نفقد شهيتنا للطعام ، أو ربما نفقد السيطرة على أعصابنا لأتفه الأسباب . وقد نحرم لذة النوم الهانئ ، نتعذب بالانتظار والحيرة ، ونذوق مرارة الحياة . وتمر الأيام ، وتنقشع تلك المشاكل والهموم ، ونرضى بالأمر الواقع ، ويزول القلق ، وننعم بالسكينة والهدوء ، ثم تأتي مشكلة جديدة ونمر بتجربة أخرى ، وهكذا هي الحياة ..
أما القلق غير الطبيعي فهو _ كما يقول الدكتور عادل صادق _ إحساس غامض غير سار يلازم الإنسان . وأساس هذا الإحساس هو الخوف . الخوف من لا شيء ، الخوف من شيء مبهم .
وفي حالات القلق يزداد إفراز مادة في الدم تدعى الأدرينالين ، فيرتفع ضغط الدم ، ويتسرع القلب ، ويشكو الإنسان من الخفقان ، أو يشعر وكأن شيئا ينسحب إلى الأسفل داخل صدره .
ويظن بقلبه الظنون ، ويهرع من طبيب إلى طبيب ، وما به من علة في قلبه ، ولا مرض في جسده إلا أنه يظل يشكو من ألم في معدته واضطراب في هضمه ، أو انتفاخ في بطنه ، و اضطراب في بوله أو صداع في رأسه .
يقول ديل كارنجي : " عشت في نيويورك أكثر من سبع وثلاثين سنة ، فلم يحدث أن طرق أحد بابي ليحذرني من مرض يدعى ( القلق ) ، هذا المرض الذي سبب في الأعوام السبعة والثلاثين الماضية من الخسائر أكثر مما سببه الجدري بعشرة آلاف ضعف . نعم لم يطرق أحد بابي ليحذرني أن شخصا من كل عشرة أشخاص من سكان أمريكا معرض للإصابة بانهيار عصبي مرجعه في أغلب الأحوال إلى القلق !
ويتابع كارنجي القول : " لو أن أحدا ملك الدنيا كلها ما استطاع أن ينام إلا على سرير واحد ، وما وسعه أن يأكل أكثر من ثلاث وجبات في اليوم ، فما الفرق بينه وبين الفلاح الذي يحفر
الأرض ؟ لعل الفلاح أشد استغراقا في النوم ، وأوسع استمتاعا بطعامه من رجل الأعمال ذي الجاه والسطوة " .
ويقول الدكتور الفاريز : لقد اتضح أن أربعة من كل خمسة مرضى ليس لعلتهم أساس عضوي البتة ، بل مرضهم ناشئ من الخوف ، والقلق ، والبغضاء والأثرة المستحكمة ، وعجز الشخص عن الملاءمة بين نفسه والحياة "
والهموم تفتك بالجسم وتهرمه . قال المتنبي :
والهم يخترم الجسيم نحافــة ويشيب ناصية الصبي ويهرم
وقد قرأنا كيف أن بكاء يعقوب على ابنه أفقده بصره ،
وكيف أن الغم بلغ مداه بالسيدة عائشة عندما تطاول عليها الأفاكون - فظلت تبكي حتى قالت : " ظننت أن الحزن فالق كبدي " .
وقد ذم الرسول صلى الله عليه وسلم التكالب على دنيا الهموم فقال :
" من جعل الهم واحدا كفاه الله هم دنياه ، ومن تشعبته الهموم لم يبال الله في أي أودية الدنيا هلك " رواه الحاكم .
ويهدف هذا التوجيه النبوي إلى بث السكينة في الأفئدة ، واستئصال شأفة الطمع والتكالب على الدنيا . وفي ذلك يقول عليه الصلاة والسلام :
" من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه ، وجمع له شمله ، وأتته الدنيا وهي راغمة . ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه ، وفرق عليه شمله ، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له ".رواه الترمذي .
ولا شك أن علاج الهموم يمكن في الرضا بما قدر الله ، والصبر على الابتلاء واحتساب ذلك عند
الله ، فإن الفرج لا بد آت .
وتذكر قول الإمام الشافعي رحمه الله في قصيدة من أجمل قصائده :
ولا تجزع لحادثة الليالي فما لحوادث الدنيا بقـــاء
فلا حزن يدوم ولا سرور ولا عسر عليك ولا رخــاء
والساخطون والشاكون لا يذوقون للسرور طعما . فحياتهم كلها سواد دامس ، وليل حالك .
أما الرضا فهو نعمة روحية عظيمة لا يصل إليها إلا من قوي بالله إيمانه ، وحسن به اتصاله .
والمؤمن راض عن نفسه ، وراض عن ربه لأنه آمن بكماله وجماله ، وأيقن بعدله ورحمته .
ويعلم أن ما أصابته من مصيبة فبإذن الله . وحسبه أن يتلو قول الله تعالى :
{ وما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شيء عليم } التغابن 41 .
والمؤمن يؤمن تمام اليقين أن تدبير الله له أفضل من تدبيره لنفسه ، فيناجي ربه " بيدك الخير إنك على كل شيء قدير " آل عمران 26 .
وتذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" ارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس " رواه أحمد .
المفضلات