تخيل للحظة أنك كرست قدراً كبيراً من وقتك الثمين وجهدك (وبعض المال) على مدار الشهرين الماضيين للعناية بحديقة ما، ولقد حرصت بشدة على ضمان توازنها من الناحية البيئية. فهي تمتلئ (لا تفيض) بتشكيلة عريضة من النباتات الجميلة المثيرة، ويشعر المرء فيها بالاسترخاء ولم تعد تشعرك بالذنب لحظة أن تقع عيناك عليها. ويملؤك الشعور بالراحة النفسية لعلمك أنها ستبقى على حالتها هذه في المستقبل (لقد تخيرت بدقة أسلوباً في مقدورك الحفاظ عليه(
وبينما مازلت تذكر الغابة (أو الأرض الخربة) التي كانت عليه الحديقة في يوم من الأيام، ألن تكون أكثر من مستعد لبذل جهد أكبر لملاحظتها والعناية بها في هذه المرحلة الحرجة من نموها الصغير؟ إنني على يقين من استعدادك لأنه سيكون لديك إيمان في قدرتها على رد جميل جهودك أضعافاً مضاعفة في المستقبل القريب.
إن هذا هو المنهاج الذي أتمنى أن تتبعه الآن حيال إثراء حياتك الوليدة الجديدة. إن حياتك في نهاية المطاف تصبح ذاتية التوازن، ولكن العديد من التغييرات والعادات الجديدة التي ستطرأ عليك في الأشهر القليلة القادمة ستشوبها الهشاشة كما لو كانت نبتة صغيرة، فستحتاج هي الأخرى بعض الرقابة. ولكن عملية صيانة حياتك من شأنها أن تتسم بقدر أكبر من السهولة واليسر مثلها في ذلك مثل حديقتك الجديدة. وإذا حرصت على عملية الصيانة هذه بصفة منتظمة، فسيسهل صيانة توازن حياتك لأنك ستعمل على ضمان أن الأعشاب الضارة لن تمس الجذور، وإن نبتت فلن تفرط في نموها بحيث تخنق الجذور.
ولكن مهما كانت مهارتك "كبستاني"، فإن حياتك ستظل عرضة لمخاطر "العواصف" المدمرة و"العدوى" التي لا سلطان لك عليها. ومن المحتمل أن تنشأ هذه القوى المدمرة من "حديقتك" نفسها (مثل المرض المفاجئ أو فقدان شخص مقرب دون سابق إنذار)، أو تنبع من العالم الواسع (مثل الأزمات العالمية).
ولهذا السبب قد تحتاج أن تقلب حديقتك رأساً على عقب مرة أخرى بين الفينة والأخرى، راجع استراتيجيتك وقم بإجراء بعض عمليات إعادة التنظيم الأساسية. ولكن الفحص الشهري بصفة عامة وقليلاً من "التقليم" و"التهذيب" و"الغرس" من شأنه أن يحافظ على حياتك في حالة يمكن السيطرة عليها وتتسم بالتوازن من الآن فصاعداً.
وفي نهاية المطاف ستصبح عملية صيانة حياتك واحدة من مجموعة من عادات حياتك الراسخة بحيث تعمل بصفة روتينية على مراقبة تقدمك وإعادة تعديل أسلوب حياتك (لمرات أكثر بكثير لدرجة أنك لن تعي أنك مررت بطور "الصيانة"). ولكن قد يجب عليك أن تتأكد مبدئياً أن عملية المراجعة هذه تحدث عن طريق تخصيص ساعة أو ساعتين شهرياً في مفكرتك. من المفترض أن تساعدك الاقتراحات المذكورة في قسم "وقت العمل" على التعجيل بهذه المهمة والتأكيد على إتمامها على خير وجه.
إذا وجدت من يشاركك هذه العملية، فإنها قد تصبح أكثر فاعلية بل حتى أكثر قبولاً. لقد نجح العديد من عملائي في هذه العملية، حيث اتفقوا على لقاء صديق بانتظام على الغداء أو في المساء ومشاركة هذه العملية معه.
إن خياراتك اليومية حول كيفية استغلال وقتك وجهدك هي التي تحدد توازن حياتك من عدمه.
وقت العمل!
يمكنك استخدام الأسئلة التالية كإطار مبدئي للتفكر في ذاتك. ولكنك قد تود صياغة قائمة الأسئلة الخاصة بك بعد فترة تقترب من ثلاثة أشهر. احرص على قصر قائمة أسئلتك وبساطتها بقدر الإمكان (حتى تزداد احتمالات استخدامك لها!). لن يتطلب الأمر منك في القريب العاجل استخدام قائمة على الإطلاق لحثك على التفكير، حيث ستنمو لديك عادة طرح هذه الأسئلة على نفسك.
ضع علامة صح مقابل أي أسئلة تعتقد أنها في حاجة لمزيد من العناية.
الأساسيات الرئيسية، إعادة تقييم حاجاتك التي تساعدك على البقاء:
- هل كان هناك أية تغييرات خارجية أثرت على قدرتي على إشباع حاجاتي التي تساعدني على البقاء؟ (على سبيل المثال، عجز في الدخل/ فواتير غير متوقعة/ زيادة حادة في معدلات الفائدة/ التزامات جديدة مثل طفل جديد أو سيارة جديدة(
- هل حافظت لنفسي على منظور واقعي لهذا الجانب من حياتي أم انتابني القلق أكثر من اللازم؟
إثراء بدنك وعقلك وروحك:
- هل كنت أولي حالتي الصحية العناية اللازمة؟ (مثلاً، أوفر لنفسي الراحة الكافية/ الغذاء الغني(
- هل كنت أواظب على روتيني المكافح للضغوط (على سبيل المثال، التأمل المنتظم، التمرين(
- هل أنا راضٍ عن تطوري الشخصي خلال الشهر الماضي (على سبيل المثال، هل أعمل على توسيع إمكاناتي وقدراتي وأحفز قدراتي الإبداعية وأزداد علماً أم أنني أعيش حياة خاملة(
- هل غيرت أفكاري الخاصة بما أصبو إليه فيما يتعلق بحلم حياتي؟
- هل سمحت لنفسي بالقدر الكافي من المتعة والمشاعر التي تبعث على السعادة؟
- هل كنت أحرص على إثراء روحي بالقدر الكافي؟
- هل تمسكت بمبادئي وقيمي؟
تطوير حياة سعيدة ومشبعة على المستوى الشخصي:
- هل حصلت على بغيتي من علاقاتي الحميمة؟
- هل ساهمت بأقصى طاقتي في علاقاتي الحميمة؟
- هل تمتعت بحياة اجتماعية جيدة بالدرجة الكافية؟
- هل هناك أي من علاقاتي بأصدقائي تحتاج إلى مزيد من العناية؟
تحقيق الرضا في العمل
- هل كنت أستمتع بعملي بالقدر الكافي؟
- هل كان عملي هادفاً وذا معنى بالقدر الكافي؟
- هل تسنى لي الحفاظ على منظوري الإيجابي للأمور في الفترات التي كنت فيها عرضة لضغط العمل؟
- هل تحتاج أي من علاقاتي العملية أي قدر من العناية؟
الاتصال بالعالم الأوسع:
- هل تقدمت بمساهمات كافية للمجتمع الذي أعيش فيه؟
- هل أتحت لنفسي اتصالاً كافياً بالطبيعة من حولي؟
أمهل نفسك بعض الوقت للتفكر في الإجراءات التي قد تحتاج أن تقوم بها في الشهر المقبل تجاه الجوانب التي علمت عليها على أنها في حاجة إلى مزيد من الاهتمام. اتخذ لنفسك بعض القرارات ولكن حدد لنفسك ثلاث قرارات فحسب لكل قسم من هذه الأقسام. (وإلا حملت نفسك ما لا تطيق وتمحي بذلك كل العمل الرائع الذي قمت به من قبل(
استخدام خمسة أقلام ذات ألوان مختلفة لكتابة قائمة القرارات مرتبة حسب الأولوية. (استخدام لكل قسم من الأقسام الخمسة لوناً مختلفاً. على سبيل المثال، استخدام لوناً أحمر للقرارات الخاصة بـ"إعادة تقييم حاجاتك التي تساعدك على البقاء"؛ ولوناً أزرق للقرارات الخاصة بـ"الاتصال بالعالم الأوسع"، الخ). قد يصعب عليك تحديد الأولويات، وقد تكتشف أن قراراتك في صراع مع بعضها البعض حول وقتك وجهدك. على سبيل المثال، "هل يستحسن أن أقضي ليلتي في فحص حساب الدائن والمدين المصرفي" (مقومات البقاء)، أم "من الأفضل أن أذهب إلى فقرة المسابقات حيث أستطيع مقابلة بعض الأصدقاء" (الحياة الشخصية). تذكر أن تلك الخيارات اليومية قد لا تبدو ذات أهمية في الوقت الحالي، ولكنها ذات أهمية على مستوى التوازن العام لحياتك.
علق قائمة قراراتك الملونة المرتبة حسب الأولوية في مكان مميز تستطيع أنت (وغيرك) رؤيتها يومياً، الأمر الذي سيساعدك على الوقوف على الخيارات التي تحتاج إليها حتى تحافظ على التوازن الحياتي الذي تريده وتصبو إليه في الوقت الحالي.
عندما تشرع في مراجعة كافة الأمور في الشهر التالي، ابدأ في التفكر في هذه القائمة، وسل نفسك هل وضعت كل هذه القرارات موضع التنفيذ بصورة مرضية؟ وإذا لم تفعل، فسل نفسك هل عملت على تدمير هذه القرارات من خلال التقصير في تكريس الوقت والجهد اللازمين لها؟ حدد سواء كان يتوجب عليك ترحيل هذه القرارات لمرتبة أعلى في قائمة أولوياتك للشهر القادم أم لا. إن استخدام الأقلام الملونة سيساعدك على معرفة ما إذا كان أحد جوانب حياتك قد قلت أولويته أم ارتفعت بانتظام. وإذا حدث ذلك، فستعرف على الفور أنه يجب عليك الرجوع إلى "لوحة تثبيت أوراق الرسم" والقيام بمراجعة أكثر دقة وإحكاماً.
تمتع بحياتك الجديدة!
لقد قمت الآن بإعادة تنظيم حياتك، إذا لم تكن قد أعدت تنظيم نفسك أيضاً! ومن المفترض أن جزءاً كبيراً منك يشعر بالإثارة والتفاؤل حيال المستقبل. ولكن على الرغم من ذلك، لم تكن لتعد ضمن البشر إن لم تشعر بهذه الروح الشريرة السلبية التي تختبئ داخلك أيضاً. وبطبيعة الحال ستكون هناك فترات سينتابك فيها الهلع حيال بعض التغييرات التي ستجريها على حياتك. إن الحصول على حياة متميزة، ليس بالعمل الهين، ولا سيما في عالم يتخلى فيه الكثيرون عن حقهم كبشر في الحصول على هذه النوع من الحياة.
احرص على الاختلاط بأكبر عدد من البشر الإيجابيين السعداء خلال الأشهر القليلة القادمة، ولازم أصدقاءك وأقرباءك وزملاءك الذين يؤمنون بقدرتك على تحقيق هدفك. (أما الآخرون فيمكنهم الانتظار للتمتع باهتمامك غير الأناني فيما بعد). ولا تمتنع عن طلب العون عند الحاجة. إذا كان لديك الدافع للقراءة حتى هذه النقطة، فتأكد أن هذه نقطة تحول هامة في حياتك. اغتنمها بثقة واقتدار! أتمنى أن تستمتع أثناء اغتنامها.