عضو مميز
- معدل تقييم المستوى
- 23
فن الشكوى
أشعر بالعجب الذي يطل من عينيك وأنت تتساءل: فن الشكوى؟؟!وأُجبك: نعم، ولا غرابة.دعنا أولا نتفق على شيء هام، وهو أن البشر -أو معظمهم- لا يحب الشخص دائم الشكوى، كثير التبرم من الظروف والحياة.وأننا جميعا ننفر من المرء الذي يحاول أن يصبغ الأيام بفرشاة داكنة قد غمسها في وعاء أفكاره المتشائمة، ونحاول بكل جد تحاشيه أو مقابلته.لكنني ورغم ذلك، أؤكد لك أن هناك بعض الأوقات التي تحتاج فيها أن تخرج ما بصدرك، وتتحدث عما أهمك، وتناقش أحدهم في شيء يشغل بالك.لا بد من لحظات نحتاج فيها إلى أن نشعر أن البشر للبشر، والمؤمن لأخيه، والإنسان لن يقدر على العيش دون أخيه الإنسان، فيتحدث ويتناقش، حتى إذا أخرج ما بصدره تنهّد مرتاحا، وعاد لوجدانه شيء من الطمأنينة وراحة البال.دعني أضف معنى آخر مهما وهو أن الشكوى في حقيقتها ليست شرا خالصا!فالشكوى تكون في كثيرا من الأحيان نوعا من التفكير المسموع أو مدعاة للتمرد من أجل كسر حالة ما خاطئة، أو تحطيم عقبة تواجهنا.خاصة إذا تركنا الشكوى من الأشياء التي ليس لنا يد فيها، إلى الأشياء التي نستطيع تغييرها للأفضل.بيد أن هناك إشكالية، كثيرا ما تحدث، فتجعل من شكوانا شيئا غير مُجدٍ، وبدلا من أن نشعر بالراحة بعدها تزيد تعاستنا، أو على أقل تقدير نلوم أنفسنا على البوح والتعبير وإخراج ما بالصدور.يحدث هذا الخلل عندما نتحدث إلى الشخص غير المناسب، وللأسف كثيرا ما يحدث ذلك.نعم إنها لمشكلة أن نتحدث إلى شخص لا يستطيع عمل شيء حيال موضوع الشكوى، فعلى سبيل المثال ترى من يشكو زوجته لصديقه، ويذهب إلى زوجته ليشكو لها مديره المتعنت، ويتحدث مع سائق التاكسي عن التناقضات في لائحة العمل بشركته!!فما الذي استفاده الشاكي في هذه المواقف..؟!لا شيء.. سوى مزيد من الضجر والتبرم.ودعني أُسرّ لك أن الشكوى لأشخاص ليسوا معنيين بموضوع الشكوى، يريح بعض الأشخاص..!وتفسير ذلك أن من يشتكي ويتذمر للشخص غير المناسب -رغم علمه بذلك- يحاول الهرب من مواجهة الواقع بشجاعة، فهو لا يملك من الجرأة ما يؤهله لقول (لا) لمديره، أو الاعتراف بالخطأ لزوجته، أو لئم شمل عائلته، أو الجلوس لتنقية الأجواء مع أصدقائه.فهو يتخذ من الشكوى ذريعة للهروب من المسؤولية.والأفضل له أن يتحلى بالشجاعة، ويشكو لمن يستطيع حل مشكلته، ويفضفض لمن يملك مفاتيح الراحة والسعادة.أعود لأكرر أنه يجب عليك ألا تشكو بشكل دائم مستمر، وإنما أخرج ما بقلبك حينما تشعر أنه قد أثقل روحك، وتحتاج إلى تنقية ذهنك وصدرك بالحديث الدافئ مع صديق أو قريب.وأنك يجب أن تتحدث وتشكو للشخص المناسب، الذي يملك روحا إيجابية، فيعطيك حلا ناجعا، أو نصيحة مثمرة، أو يريح قلبك من عناء ما أهم بك.بقعة ضوء: قلّل من الشكوى قدر استطاعتك، فلا فائدة ترتجى من كثرة الشكوى، وما أقل من نشكو إليهم، وإذا اضطرتك الظروف في أوقات ما إلى الشكوى، فليكن هذا لشخص تعلم جيدا أنه سيفيدك في شكواك، وسيعطيك ما تحتاجه من نصيحة أو توجيه، ويمتلك أذنا تُدرك كيف يكون الصمت والاستماع!
المفضلات