الرجل الذي يعيش وعائلته في شقة مؤجرة سعيدا هانئا مستقرا،مستمتعا بإجازاته في السفر ،وبالدعوات العائلية التي يفاجئ بها أسرته في عطلة كل أسبوع ،يجد نفسه فجأة متورطا في قروض مالية باهظة تبتلع أقساطها ثلاثة أرباع راتبه الضئيل ،من أجل شراء بيت كبير لن يحوز على صك تمليكه إلا بعد عشرين عاما ،عشرين عاما من الأقساط والقلق والتقشف في الاستهلاك ،والتوترات التي انحسرت بسببها مساحات الفرح .
هذا الرجل لم يدر أنه منذ اللحظة التي قذفوا فيها معجون الأساس لبيته في الحفرة الواسعة ،دفنوا معه في الحفرة كل الهناء النفسي والألق الذي كان يغمره وأسرته ،لقد كان سعيدا بحياته البسيطة
لولا خوفه أن يشمت به الناس ذات يوم:
كم تبدو خائبا ،منذ متى وأنت متزوج ،معقول لم تملك بيتا حتى الآن ؟
**********
المرأة التي أنعم الله عليها بخلفة بنات رائعات ،يملأن البيت ضحكا وفرحا يشع من كل زواياه تعرض نفسها للموت في كل مرة تقرر فيها أن تحمل ،وتموت ألف مرة في كل مخاض .
ومهما حاول زوجها إقناعها بأن خلفة البنات خير وبركة ،وأنه مسرور بوصفه الذكر الوحيد في مدينة النساء الجميلات .
ألا إنها ما أن تنهض من سرير ولادتها وتستقر أمورها إلا وتقرر من جديد خوض تجربة الحمل السادسة أو الثامنة ..
إنها في الحقيقة سعيدة بحياتها ،لكن نزعة للتحدي الخطير تحركها

لا لشيء إلا لكي لايشمت بها أحد ذات يوم :
مسكينة لم تنجب ولدا يكون عزوة لها ولبناتها الضعيفات!

**********
الأسرة ذات الدخل المتواضع ،تقترض مالا كبيرا وتجمع تحويشات كانت قد ادخرتها فيما مضى من سنوات من أجل اليوم الأسود ، وتستقبل فزعات مالية من الأقارب ،من أجل أن تقيم حفلا هائلا لعرس ابنها ،تتدخل في أدق تفاصيله ..تصوير رقمي ،إضاءة مستعارة، أغنية الزفة المؤلفة خصيصا للعروسين ،بوفيه فاره يفوق عدد الحاضرين ،حلوى تحمل أغلفتها اسم العروسين ،والفساتين التي لن تردتديها بناتها إلا مرة واحدة ....
إنها تعلم تماما بأن مساحة الفرح في العرس الكبير لا تتآزر على الإطلاق مع ماقدم من تعب وإنهاك وهدر للمال ونقاشات باهتة مزعجة .
لكن الأسرة تخاف أن يشمت بها أحد ذات يوم ..ماذا ينقصهم عن غيرهم كي لايقوموا بمثل هذا الحفل لابنهم ؟

**********
تصيب الأم جلطة مفاجئة نتيجة دخول ابنتها الحبيبة عليها بورقة طلاقها وهي فرحة تعلن خلاصها أخيرا من حياة الشقاء التي عاشتها مع طليقها ،سنوات بلا رحمة ولا مودة ولاحياة .
ورغم معرفة الأم بتفاصيل عذابات ابنتها وأن لاخيار لها سوى الانفصال ،
فإن إصابتها بالجلطة ـ بعد قضاء الله ـ ليس من هول الصدمة وإنما من تلك الخانات الفارغة التي ستملأ سريعا بشماتة الأعداء :لقد عادت إليها ابنتها مطلقة !

**********
يغلق الابن سماعة الهاتف خائبا حزينا من إصرار أبيه على البقاء في الخارج ،رغم أنه أفصح منذ مجيئه هنا أن لاتخصص الدراسة ولا الحياة هناك لاءماه ، ولكن الأب يرى أن تسكع ابنه على أرصفة بلاد بعيدة ،وحيدا كئيبا بلا مغزى
أهون عليه ألف مرة من احتمال شماتة الأعداء :
عاد ابنه من الخارج خائبا بلا شهادة