غربة من نوع آخر

هل سبق لك وأن سافرت خارج بلدك ؟ هل أحسست بشعور الوحدة والغربة لأنك بعيدٌ عن أهلك و وطنك ؟ هل سيكون لك أيها الغريب دور كبير في ذلك البلد ؟

تلكم هي حال من تكلم بغير لسانه ، فهو في غربة من لغته وإبداعه ، ودوره - ولا شك - أضحىمحدوداً.

لماذا تخلينا عن عربيتنا؟ آلتطور نريد ؟ دول كثيرة فاقتنا - بل لامقارنة - تطورا وحداثة دون أن تتخلى عن لغتها.

فهذه جمهورية الصين الشعبية ،كانت إلى فترة قريبة متقوقعة على نفسها ، منغلقة عن العالم ، تعيش ألوانا من الجهل والتخلف ، فهل كانت لغتها عائقاً لتطورها ؟ وهي من أصعب اللغات في العالم ، فاللغةالصينية لا تحوي حروفا قط ! بل كلمات وأفعال فقط ! ولك أن تتخيل كم من الكلمات تحتاج أن تحفظ حتى تتحدث بها ، أضف إلى هذا أنها لغة حساسة جدا لمخارج الحروف ، وكيفية نطقها ، فهي فعلاً معقدة ، مع هذا كله ، تجد أن أكبر نظام تعليمي في العالم في الصين .

اللغة الإنجليزية تدرس في الصين ، لكن اللغة الرسمية في التدريس الجامعي وما قبل الجامعي والبحث العلمي هي الصينية .

ولك أن تسأل كيف استطاعوا أن يواكبوا عجلة التنمية في العالم ؟
الأسباب كثيرة لكن يعنيني هنا قوة مراكز الترجمة الصينية ، لدرجة أنهم يقولون أن ما من بحث يصدر اليوم بالإنجليزية ، إلا ويصدر مترجما إلى الصينية في اليوم التالي.

لا تكاد تجد في الصين جامعة تدرس مرحلة البكالوريوس تحديداً بغير اللغة الصينية ، إلا - في ما أعلم- جامعة واحدة تدرس الطب باللغة الإنجليزية .

وفي اليابان لا توجد جامعة تدرس بغيراليابانية ، إلا جامعة واحدة ولا تقبل إلا 30 طالبا سنويا ، وفي فلسطين المحتلة ، لايدرس المحتل إلا باللغة العبرية ! مع أن هذه اللغة كانت ميتة تماما قبل الإحتلال ،لكن هل تعلم أن المكتبات لديهم أكثر من الدكاكين ! أول عمل قام به رئيسهم هو افتتاحالجامعة العبرية ، والجامعات التي لم يكن لها وجود قبل سبعين سنة ، تحتل اليوم مراكزمتقدمة في التصنيف العالمي .

هولندا وألمانيا وفرنسا دول متجاورة في قارةأوربا ، كل منهم يدرس بلغته ولا يساوم أن يدرس بغيرها ولو كانت الدولة المجاورة ، وكلهم تحت مظلة الإتحاد الأوروبي.

كوريا الجنوبية والفلبين ، أما الأولى فاعتزت بلغتها ولا تتعامل إلا بها ، وأما الأخرى فاللغة المستخدمة دخيلة ، وشتان بين تطورهما.
الدراسات تشير إلى أن 70 % من العلوم كافة هي عبارة عن أساسيات لتلك العلوم ، والمعلوم أن أساس أي علم لا يتغير بشكل متكرر، وإن طرأ تغيير فهو بسيطومحدود ، والعقل البشري يفكر بإبداعية وفعالية أكبر إذا استخدم لغته الأم التي نشأعليها ، وعملية ترجمة النص إلى اللغة الأم تعتبر عملية معقدة جدا ، ويحتاج المخ إلى جهد كبير حتى يقوم بهذه العملية ، فبالتالي يقل مستوى الإبداع لديه.

فهذا اللسان الذي استطاع أن يبين القرآن وهو أفضل كلام وأحسنه وأجوده ، استطاع أن يبينه أيما تبيين، أيعجز أن يبين أي علم مهما تعقدت أصوله وتشعبت فروعه؟ كلا وربي .

أن اللغة المستخدمة في بلادنا أصبحت اللغة الأجنبية ، وتحولت كافة تعاملاتنا إلى تلك اللغة ، من يستطيع أن يقرأ القرآن حينئذ ؟ بل من يستطيع فهم القرآن وتدبر معانيه .

الدعوة إلى استخدام لغات أخرى بحجة مواكبة التطور والرقي ، دعوة كاذبة أحرى بأن تستأصل من جذورها ، وتحارب بكل ما نستطيع من قوة ، فهي دعوة بنا إلى الوراء ، ولدينا كل مقوماتالنهوض ، لكن السؤال هنا متى ننهض ؟.