دلالات مفهوم الجودة / ثلاثة معاني أساسية


تساءلنا في المقال السابق عن دلالة التعدد في تعاريف الجودة؛ هل يعكس استحالة ضبط هذا المفهوم، أو لنقل صعوبة ذلك على الأقل؟ أم يؤشر على الطابع المعقد لمفهوم الجودة نظرا لتعدد مستوياتها وأبعادها وتدخل المصالح في تعريفها؟ وهل من سبيل لتعريف الجودة بشكل واضح ودقيق، وبمحددات قابلة للتطبيق في كل الوضعيات التعليمية؟
أعتقد أنه من الضروري في البداية، وقبل الشروع في البحث عن إجابات دقيقة لهذه الأسئلة، أن ننظر في هذه التعريفات لتصنيفها بحسب الطرق المعتمدة لتعريف الجودة في كل حالة.
لقد لاحظ مورغاترويد ومورغان (Murgatroyd & Morgan,1993) وجود ثلاث طرق لتعريف الجودة.

- الطريقة الأولى تقوم على تحديد معايير وإجراءات قياسية للإتباع من أجل الحصول على سلعة أو خدمة جيدة (طريقة تأمين الجودة). تتحدد المعايير والإجراءات في غالب الأحيان من طرف خبراء، وتواكب عادة تأمين الجودة عملية مراقبة. في هذا الإطار يمكن اعتبار البرامج والمقررات الدراسية المفصلة التي تصدرها وزارة التربية مثالا للمعايير القياسية مادام الهدف منها هو تأمين مستوى معين من جودة التعليم. كما أنه يمكن اعتبار الامتحانات التي تنظمها الوزارة شكلا من المراقبة لتأمين الجودة؛

- الطريقة الثانية هي حالة خاصة من الطريقة الأولى وتقوم على فرض معايير وإجراءات قياسية لكن بشكل مناسباتي. ومثال ذلك أن يعطي الأستاذ لتلامذته فرضا منزليا. فيحدد بدقة ما ينتظره من نتيجة. ويحدد اجل إرجاعه وتصحيحه والأهمية التي سجلتها ضمن النقطة النهائية للمادة. ففي هذا المثال لا تنطبق المعايير التي حددها الأستاذ إلا على هذا الفرض؛

- الطريقة الثالثة، ودائما حسب مورغاترويد ومورغان، يمكن للجودة أن تحدد من طرف المستفيدين من السلعة أو الخدمة. وفي ميدان التعليم يمكن التعبير عن هذه الاعتراضات والانتظارات من طرف جمعيات الآباء أو لجان التلاميذ أو مؤسسات تعليمية أخرى أو مسيري المقاولات أو المجتمع ككل (جمعيات المستهلكين مثلا).

أما منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OCDE,1989:30) فتقترح أربع طرق لتعريف الجودة:
- معنى وصفي يستخدم للتعريف: صفة (معنى خاص) أو ماهية (معنى عام)؛
- معنى معياري: درجة في الامتياز، أو قيمة نسبية؛
- معنى معياري: وصف لشيء جيد أو ممتاز؛
- خصائص أو أحكام كيفية غير مكممة.

وتؤكد منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OCDE,1989:30) أن "معنى لفظ الجودة غير واضح ويختلف حسب مصالح كل شخص".

يبدو إذن مفهوم الجودة وكأنه يمتلك قدرة خارقة على مقاومة كل تعريف واضح، ودقيق، وقابل للتطبيق على كل الوضعيات؛ إذ يكفي مثلا أن نتساءل عن جودة سلعة معينة أو خدمة حتى نواجه بتعاريف متعددة. وتبدو هذه الوضعية أعقد ما تكون في حالة التعليم كخدمة؛ نظرا لخصائص هذا المنتوج الخدماتي؛ فهو، كما أبرز (Cruchant,1995:13)، "غير ملموس، وغير قابل للخزن من أجل التأثير على العرض. كما أنه إنتاج مشترك بين المنتج والمستهلك، ولا يحتمل التعديلات اللاحقة". (عبد الرحيم الضاقية: 13)
لكن يكفي أن ننتبه إلى أن الجودة لها أبعاد متعددة، وأن الناس عندما يختلفون حول جودة سلعة ما أو خدمة معينة فإنهم يعبرون باختلافهم عن تباين تقديرهم لقيمة كل بعد من أبعاد الجودة، لنستنتج ضرورة التمييز في مفهوم الجودة بين ثلاثة معاني أساسية.
إن كل سلعة أو خدمة تعتبر جيدة لأنها تمتلك بذاتها وفي ذاتها مجموعة من مواصفات الجودة. وقد تكون هذه المواصفات ثابتة وقابلة للقياس، وقد تكون غير ثابتة أو غير قابلة للقياس. كما أنها قد تكون موضوع تقدير ذاتي وقد لا تكون.
وبتمييز الحالات سنجد ثلاثة معاني للجودة:
- الجودة الموضوعية: مواصفات الجودة ثابتة وقابلة للقياس وليست موضوع تقدير ذاتي؛
- الجودة الموضوعية الذاتية أو الجودة المزدوجة: مواصفات الجودة ثابتة وقابلة للقياس، لكنها موضوع تقدير ذاتي حسب الأهمية الشخصية؛
- الجودة الذاتية: مواصفات الجودة غير ثابتة أو غير قابلة للقياس.