لماذا حدث أن عدد أسرى الحرب من الجنود الأمريكيين ممن أبلغوا عن زملائهم في الحرب الكورية كان أكثر من أي حرب أخرى في التاريخ الحديث؟ الجواب هو لأن الصينيين, على العكس من حلفائهم الكوريين الشماليين, فهموا القدرة الكامنة في تحول الهوية في أن تحول على الفور وفي لحظة واحدة لا مجرد القناعات والقيم التي حملوها طيلة حياتهم فحسب, بل كذلك أفعالهم وبدلا من أن يعاملوا الأسرى معاملة وحشية فقد تابعوا طريقتهم البارعة في شن حرب نفسية لم تصمم لاستخلاص معلومات أو لإحداث إذعان, بل لكي يحولوا الأمريكي المحارب إلى فلسفتهم السياسية كانوا يعرفون أنهم إذا استطاعوا أن يقودوه إلى مجموعة جديدة من القناعات والقيم, فانه سيرى في دور بلاده في الحرب دورا مدمرا لا جدوى منه, وبذلك فإنهم سيساعدون الصينيين بأي طريقة يطلبونها منهم ولقد نجحوا في ذلك.

وفهم ما فعلوه يمكن له أن يساعدك في فهم لماذا وصلت إلى هويتك الحالية وكيف يمكن لك أن توسع هذه الهوية, وبالتالي حياتك برمتها في غضون دقائق قليلة، لقد كانت المهمة المطروحة أمام الصينيين هائلة فعلا كيف يمكنك أن تغير هوية إنسان ما بشكل كامل دون أن تهدده بالموت أو تعده بالحرية؟ كيف يمكن تحقيق ذلك, خصوصا وهم يعرفون أنه تم تدريب الجندي الأمريكي بحيث لا يعطي إلا اسمه ورتبته ورقمه التسلسلي؟ كانت خطتهم بسيطة: ابدأ بخطوات بسيطة ثم ابن عليها لقد فهم الصينيون آن الطريقة التي تحدد بها هوية أي شخص هي عن طريق أفعالهم فمثلا, كيف تعرف ماهية صديقك الحقيقية؟ أليس طريق تعامله مع الناس ومعاملته لهم؟

لقد كان السر لدى الصينيين هو أنهم فهموا بأننا نقرر من نحن – أي هويتنا الشخصية – بالحمل على أفعالنا بأنفسنا أيضا وبعبارة أخرى فأننا ننظر إلى ما نفعله لنقرر من نحن لقد أدرك الصينيون أنهم لكي يحققوا هدفهم الأوسع, وهو تبديل قناعة السجين حول هويته, فان كل ما عليهم أن يفعلوه هو أن يدفعوا السجين إلى فعل أشياء لا يفعلها إلا متعاون معهم،

هذه ليست مهمة سهلة, ولكنهم أدركوا أن بإمكانهم أن ينفوا هذه المهمة إذا أنهكوا الأسير الأمريكي من خلال لتحدث معه لفترات تستمر اثنتي عشرة إلى عشرين ساعة, ومن ثم يطلبون منه طلبا ضئيلا: يحملونه مثلا على أن يقول: آن الولايات المتحدة ليست كاملة أو (صحيح أن البطالة ليست مشكلة في الصين) وبعد أن يضعوا هذا الأساس سيبدءون في البناء عليه. فهم يفهمون حاجة هذا الأسير الأمريكي للتوافق مع نفسه, إذ ما أن يعلن رسميا بأنه يقول ما يؤمن حاجة هذا الأسير الأمريكي للتوافق مع نفسه, إذ ما أن يعلن رسميا بأنه يقول ما يؤمن به فلابد له من أن يسند هذا بالفعل، وبعد ذلك يكتفون بأن يطلبوا من الأسير أن يكتب عن بعض الأمور التي يعتبر فيها أمريكا ليست كاملة.

وفي وضعيته المنهكة تلك يطلب من الأسير أن يكتب وثيقة كاملة يهاجم فيها بلده ويمتدح نظام الصين وهكذا يحصلون على وثيقة بخط يده والآن عليه أن يبرر لنفسه لماذا فعل ذلك, إذ لم يضرب ولم تعرض عليه مكافآت خاصة. كل ما فعله هو أنه قدم تصريحات قليلة لكي يبقى متساوقا مع ما كتبه بالفعل. وها هو الآن قد وقع الوثيقة فكيف يفسر رضاه عن فعل ذلك؟ وبعد ذلك يطلب منه أن يقرأ هذه الوثيقة في جلسة مناقشة مع الأسرى الآخرين, أو أن يكتب مقالة كاملة عن الموضوع.

حين يذيع الصينيون هذه المقالات إلى جانب أسماء الأسرى الذين كتبوها يكتشف الأسير فجأة أنه أصبح متعاونا عن نفسه بالقول أنه تعرض للتعذيب ولذا فان عليه أن يبرر سلوكه لنفسه لكي يحافظ على إحساسه بالاستقامة وهنا يعلن على الفور بأنه كتب ما كتب وهذا ما يصفه به من هم حوله من المساجين أيضا وبذا فإنهم يعززون نظرته هذه إلى نفسه بالتعامل معه بنفس الطريقة التي يتعاملون فيها مع حراس السجن وسرعان ما تدفعه هويته الجديدة إلى التنديد بالولايات المتحدة, بل انه لكي يحافظ على التماسك بين بياناته المعلنة وبين المسمى الجديد الذي يوصف به, يأخذ في التعاون تعاونا واسعا مع أسرية وقد كانت هذه واحدة من أبدع أوجه الإستراتيجية الصينية, اذ ما إن يكتب الأسير شيئا فلن يستطيع آن يدعي أمام نفسه بأن ما حدث لم يقع قط هذه هي الحقيقة بالأسود والأبيض, وبخط يده ليراها الجميع, وهو ما دفعه لكي (يقيم توافقا بين قناعاته ونظرته إلى نفسه وبين ما فعله والذي لا يمكن إنكاره).

قبل أن نصدر حكما قياسيا على هذا الأسير الأمريكي علينا أن نتمعن بأنفسنا هل اخترت أنت هويتك عن وعي, أم أنها نتيجة ما قاله لك الآخرون, وللحوادث الهامة في حياتك ولعوامل أخرى حدثت دون أن تعيها أو توافق عليها؟ ما هي أنماط السلوك الثابتة التي تبنيتها والتي تساعد الآن في تشكيل قواعد هويتك؟ هل ترضى مثلا بأن تخضع لعملية مؤلمة لأخذ نقي العظم وإعطائه لشخص غريب؟ الاستجابة الأولى لمعظم الناس هي لا إطلاقا * غير أن دراسة أجريت في عام 1970 بينت للباحثين أنه إذا أمكن إقناع أشخاص بأن تماسك هويتهم يعتمد على مثل هذه العملية فان الكثيرين سيوافقون على مثل هذا الإجراء لمصلحة الغير.

كما أظهرت الدراسة أنه حين طلب من الأشخاص الخاضعين لها أن يقدموا التزامات صغيرة, وتبع ذلك عملان بسيطان يظهران بأن عدم التبرع يبدو وكأنه لا يتوافق مع شخصيتهم (أخذ العديدون يظهرون استعدادا أكبر لتطوير هوية جديدة أخذوا ينظرون إلى أنفسهم كمتبرعين) وهم أشخاص يلتزمون دون قيد أو شرط بمساعدة الآخرين عن طريق التضحية الشخصية وما أن حدث ذلك, وحين تم الطلب منهم بعد ذلك بأن يتبرعوا بنقي العظم, شعر هؤلاء الأشخاص بأنهم مجبرون بحكم قوة هويتهم الجديد على أن يستجيبوا, بغض النظر عن الوقت والمال والألم الجسدي الذي يرافق عملية التبرع هذه لقد أصبحت هذه النظرة لأنفسهم كمتبرعين انعكاسا لمن هم كأشخاص ولا توجد قوة دفع قادرة على تشكيل السلوك البشري مثل الهوية، وقد تتساءل: (أليست هويتي محدودة بحدود تجربتي وخبرتي؟ لا بل هي محدودة بمفهومك وتفسيرك لتجربتك فهويتك ليست إلا القرارات التي اتخذتها عمن تكون, وماذا قررت أن تدمج نفسك به وبذا تصبح عبارة عن المسميات التي أعطيتها لنفسك فالطريقة التي تحدد وتعرف بها هويتك إنما تحدد وتعرف حياتك.











المرجع: أيقظ قواك الخفية
اسم الكاتب: انتوني روبنز
دار النشر: مكتبة جرير
سنة النشر: 2003
رقم الطبعة: الخامسة
رقم الصفحة: 449-452
كلمات مفتاحية: قيم – قناعات – أفعال – تواصل – تفاوض – تأثير – تغيير إطار الإدراك – تحويل المناط – مرجعيات – المرجعيات الداخلية – قيادة
أرسل بواسطة: رامي حوالي
رابط القصة: http://trainers.illaftrain.co.uk/ara...l.thtml?id=269