إن الأشخاص الذين يتصرفون بصورة لا تتوافق مع ما يعتبرونه شخصيتهم إنما يهيئون المجال لما يسميه الناس (أزمة هوية) وحين تصعقهم هذه الأزمة فإنهم يرتبكون ويعجزون عن التعرف على هويتهم الذاتية ويضعون قناعاتهم السابقة موضع التساؤل وبذا ينقلب عالمهم رأسا على عقب ويخضعون لخوف شديد من الألم وهذا ما يحدث للكثيرين من الناس الذين يعانون من أزمة منتصف العمر) فهؤلاء الناس كثيرا ما يعرفون أنفسهم على أنهم شبان, ثم ما يلبثون أن يواجهوا مثيرات من البيئة المحيطة – اذ يبلغون سنا معينة, أو يتلقون تعليقا من أصدقاء, أو يلاحظون الشيب وهو يبدأ يخط شعرهم – مما يجعلهم يرتعدون من السنوات المقبلة عليهم, ومن الهوية الجديدة التي لا يرغبون فيها والتي يتوقعون أن يخضعوا لها.

ولذا فإنهم, وفي محاولة يائسة للحفاظ على هويتهم يقدمون على أفعال يحاولون من خلالها أن يبينوا لأنفسهم بأنهم مازالوا في شبابهم, إذ يشترون سيارات سريعة , ويبدلون طريقة تصفيف شعرهم, ويطلقون زوجاتهم , ويغيرون نوعية عملهم لو كان هؤلاء الأشخاص يتحكمون في هويتهم الفعلية تحكما صلبا فهل كانوا سيعانون من مثل هذه الأزمة؟ أشك في ذلك إذ إن ربط هويتك بسنك أو بملامحك سيهيئك للألم بالتأكيد لأن هذه الأمور ستتغير أما إذا كانت نظرتنا لأنفسنا أكثر اتساعا فإننا لن نحس قط بأن هويتنا معرضة للتهديد.

يمكن لمؤسسات الأعمال أن تتعرض أيضا لأزمة هوية فمنذ سنوات مثلا خضعت شركة زيروكس الكبرى التي تنتج آلات نسخ الوثائق لتحول مثير للاهتمام في صورتها إذ حين ظهرت أجهزة الكمبيوتر الشخصي باعتبارها (موجة المستقبل) أرادت شركة زيروكس أن تستخدم قوتها التكنولوجية لكي تدخل هذه السوق الجديدة المثيرة ولذا ركزت أبحاثها وهيئة التطوير لديها على هذا الموضوع, وبعد أن صرفت مبلغ 2 بليون دولار تقريبا على ذلك توصلت إلى تجديدات إبداعية, بما في ذلك ابتداع سلف ما نطلق عليه الآن اسم الفأرة MOUSE، لماذا إذا لم تدخل شركة زيروكس سباق الكمبيوتر وتتنافس منافسة الند للند مع شركتي آل وآي بي ام؟

أحد الأسباب المؤكدة هو أن هوية الشركة منذ البداية لم تكن تسمح لها بأن تقتحم هذا الاتجاه حتى الشعار الذي يحدد هويتها وهو ناسك ملتف حول نفسه, ميدان تكنولوجيا الكمبيوتر وفي حين أن الناسك يرمز إلى الطبيعة المنضبطة والدقيقة لنسخ الوثائق فانه قلما يكون مناسبا لهذه المغامرة الجديدة في ميدان التكنولوجيا العليا حيث تعتبر الهوية التي تميز شركة زيروكس والتي تعطي أعلى قيمة للعمل ومن جانب المستهلكين ثقة كبيرة بجهود الشركة في تسويق أجهزة الكمبيوتر فإذا أخذنا إلى جانب ذلك شعرا الشركة الذي لا يوحي كثيرا في تسويق أجهزة الكمبيوتر فإذا أخذنا إلى جانب ذلك شعار الشركة الذي لا يوحي كثيرا بالقدرة على المعالجة السريعة للمعلومات فان بإمكانك أن ترى من أين نبعت مشاكل شركة زيروكس.

لاشك أن الخبراء في التسويق وكذلك في الرسوم التخطيطية والإعلانية سيقولون لك آن صورة الشركة هي عبارة عن فلتر ضخم يعالج المستهلكون من خلاله عملية شراء المعلومات, إذ لابد لهم أن يعرفوا ما يحتاجون فإنهم يريدون عادة أن يشتروا من شركة تعتبر مثلا رائجا في المنتج الذي يودون شراءه وفي الوقت الذي كانت شركة زيروكس تتصارع فيه مع محاولة إدخال هذا الوجه من وجوه الحوسبة في هويتها الراهنة كانت شركات أخرى قد انطلقت بسرعة إلى المقدمة واحتلت السوق وعند ذلك قرت زيروكس أن من الأفضل لها, بدلا من أن تغير هويتها أن تستغل هذه الهوية, إذ ستلجأ لتشغيل آلات النسخ لديها على الكمبيوتر, وتركز على صرف مخصصات الأبحاث والتطوير على تحسين ما هي خبيرة، بصنعه أفضل صناعة.

بدأت شركة زير وكس عملية التحويل هذه بإنتاج (صور زير وكس) جديدة وأخذت تذيع إعلانات تليفزيونية حول النسخ السريع لصور الخرائط والجداول ولتصوير أنظمة الكمبيوتر وشبكات الاتصالات, وهي تنهي رسائل إعلاناتها بالكلمات: (زير وكس.. شركة الوثائق) وكان لابد من تكييف هذه الهوية الموسعة ضمن الثقافة الخاصة بزير وكس لتوسيع سوقها, وهي تستخدم فعلا كل فرصة لتحقيق ذلك.










المرجع: أيقظ قواك الخفية
اسم الكاتب: انتوني روبنز
دار النشر: مكتبة جرير
سنة النشر: 2003
رقم الطبعة: الخامسة
رقم الصفحة: 452-454
كلمات مفتاحية: التوافق مع الهوية – نطاق الهوية – أعمال – شركات – مبيعات – عملاء – تسويق – ثقة العملاء – إعلان – استثمارات – منتج – استغلال الهوية – تكييف الهوية – جمع المعلومات
أرسل بواسطة: محمد طه
رابط القصة: http://trainers.illaftrain.co.uk/ara...l.thtml?id=270