مشرف
- معدل تقييم المستوى
- 34
مان عائلة العطور الأولى في العالم
مان عائلة العطور الأولى في العالم
السر بين عائلة مان وصناعة العطور لا يأتي من حقول البرتقال فقط فقد كان لمدينة غراس دورٌ كبير في توطيد علاقة هذه العائلة والعديد غيرها من العائلات في هذه المدينة بالعطور. وعند الحديث عن العطور لا يمكن أن نذكر اسم مدينة غراس دون أن نقف مطولاً أمام سحر هواءها الشذي. ففي غراس، المدينة الفرنسية وأرض العطور، تتفتح الأزهار من كل صنف ولون على طول الشاطئ التابع للبحر الأبيض المتوسط. وتتناوب أنواع عديدة من الزهور لتفرش أرضها شهراً بعد شهر لتعطر هوائها على مدار العام.
فمن يناير/كانون الثاني إلى مارس/ آذار تنمو أزهار البنفسج والنرجس والميموزا. وفي أبريل/ نيسان ومايو/ آيار ويونيو/ حزيران يتفتح الورد وفي يونيو/ حزيران تزهر أيضاً الخزامى و القرنفل والوزال. أما يوليو/ تموز فأزهاره الجميلة هي اللاوند والياسمين والمسك. وفي سبتمبر/أيلول وأكتوبر/ تشرين الأول ينمو النعناع والجيرانيوم وتختم غراس عامها في عيد الميلاد ببحرٍ ذهبيٍ من المشمش الذي يغمر المنطقة بعطره من جميع الجهات.
في هذا الجو المنكه بالزهور والطبيعة الملهمة أسست عائلة مان شركتها لصناعة العطور الخام في العام 1971، عندما كان فيكتور مان يعمل في التجارة بزهور البرتقال التي كان يقطفها ويبيعها لمصنعي العطور في مدينة غراس.
أثناء افتتاح مكاتبها الإقليمية الجديدة في دبي التقت أريبيان بزنس مع جان مان رئيس مجلس الإدارة في شركة مان للعطور الخام والنكهات وصاحب الشركة وممثل الجيل الرابع من عائلة مان وبصحبته ابنته سامنثا ذات الـ 18 عاماً وهي أول ممثل عن الجيل الخامس في إدارة الشركة ومعهما ميسون يونس المدير العام لشركة مان في دبي. وفي مكتبها الجديد الفاخر الذي تغطي جدرانه صور عملاقة لأنواع عدة من الزهور تحدث جان مان كيف أصبحت شركة مان للعطور من أكبر مصنعي العطور الخام في العالم، كما تناول في حديثه أيضاً تحديات الصناعة اليوم وقضايا البيئة وحتى السلام.
بالإضافة إلى ألوان الزهور في اللوحات الكبيرة على الجدران والجو العائلي بين جميع الموظفين الذي يجعل الشركة تبدو عائلية أكثر على كل المستويات، فليست عائلة مان فقط من يشعر بالانتماء إليها على ما يبدو بل كل موظفيها وأول ما يلفت انتباه الزائر لمكاتب مان هو أحد الجمل المعلقة والتي تظهر على واحدة من اللوحات وتعبر عن إيمان مان بصناعتها وتقديرها لها، حيث تقول: "ترتقي العطور والنكهات بأحلام وطموح الإنسان وتقربهما أكثر من الحقيقة".
بدأت ميسون يونس المدير العام لشركة مان دبي حديثها عن شركة مان التي عملت معها منذ مجيئها إلى دبي في العام 2005، حيث افتتحت الشركة مكتبها الأول الذي المكون من وشخصين فقط. اليوم انتقلت مان إلى مكاتبها الجديدة بفريق أكبر بكثير من ذلك الذي بدأت به، والذي تقول أنه سيكبر أكثر في العام القادم. ومان اليوم هي أكبر شركة في فرنسا لصناعة العطور الخام والنكهات وهي الشركة رقم 6 في الصناعة على مستوى العالم أما على مستوى الشركات العائلية فهي الأولى في العالم. ومان تصنع العطور الخام والنكهات التي تستخدم في العطور وفي المنتجات المعطرة بكل أنواعها.
تشرح ميسون عن عمل الشركة فتقول أن العلامات التجارية المصنعة للعطور أو المنتجات المعطرة تتقدم إليهم بطلب لتصنيع المادة الخام أو النكهة وتطويرها للمنتج الذي ترغب به. وعندما يبدأ الكيميائي جان مان بالكلام فإنه يعود بالحديث إلى جده فيكتور مان الذي أسس الشركة في العام 1871. ليقص حكاية الشركة التي بدأت من حقل للبرتقال في غراس لشركة مصنعة للعطور الخام والنكهات.
تنوع وعالمية
يقول: "بدأت القصة عندما كان جدي يقطف زهور البرتقال ويبيعها لمصنعي العطور الخام في باريس. ثم راودته فكرة أن يقوم بنفسه بتصنيع العطور الخام وبيعها بنفسه وهنا أسس الشركة التي كانت بدايتها بسيطة. ثم توالى الأجيال على إدارة الشركة وتطورت الشركة لتصبح عالميةً وأضافت معامل للبحوث". ويضيف: "وعلى مدى 50 عاماً تركزت منتجات الشركة بشكل أساسي على مشتقات زهور البرتقال وزيت الزيتون، وطورت منتجاتها في صناعة الصابون حيث كان قطاع صناعة الصابون في فرنسا شريكا لقطاع صناعة العطور".
توجهت الشركة نحو تنويع منتجاتها في الفترة بين الحربين العالميتين وفي فترة الكساد الكبير 1929. وكانت تلك الفترة نقطة التحول بالنسبة للشركة التي كانت قبلها لا تصنع سوى المواد الخام. ففي تلك الفترة وبسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي كانت عانت منها شركات العطور الكبرى في العالم والتي اضطرت للتخلي عن القيام بعمل أساس العطور في شركاتها ومحولةً هذه المهمة الفنية لتركيب أساس العطور إلى مصانع العطور الخام. وهنا بدأ دور هذه المصانع ومعها شركة مان لتصنيع العطور الخام يكبر ويزداد أهمية بالنسبة للصناعة.
وبعد الحرب العالمية الثانية كان التحول الثاني الكبير في الصناعة والذي تجاوبت معه شركة مان لتنمو في اتجاه آخر نحو دخول قطاعات جديدة في صناعة المنكهات حيث ظهرت صناعة الآيس كريم والأغذية المعلبة ذات النكهات. وبعدها تنوعت المنتجات أكثر وأكثر في هذا الاتجاه لتشمل عدد لا يحصى من المنتجات بين الأغذية والمشروبات والمنظفات ومواد التجميل وغيرها الكثير من المنتجات التي يدخل فيها العطور أو المنكهات. واليوم لدى مان خطي إنتاج هما العطور والنكهات.
إلى الجيل الخامس
ويرى جان مان أنه وفي هذا الوقت الصعب الذي تسوده الضبابية جراء تبعات الأزمة العالمية، سيكون المستقبل صعب ومليء بالتحديات. يزيد على ذلك أن العصر الرقمي للفيسبوك وتويتر خلق جيلاً عالمياً جديداً أفضل ما يوصف أنه "متطلب"، إلا أنه في الوقت ذاته "سريع التقلب" فمرونتهم تجعلهم يغيرون آرائهم حتى في اللحظات الأخيرة في عملية اتخاذهم للقرار. والموضة الشائعة تتغير بسرعة كبيرة والعمر الافتراضي للمنتج أصبح أقصر من أي وقتٍ مضى.
يقول: "كما أن تحول القوى الاقتصادية على مناطق جديدة في العالم يفرض وقائع جديدة، فاليوم علينا مواجهة منافسين جدد تصنعهم فرص النمو الجديدة الموجودة اليوم".
من جهة أخرى فإن استمرارية أسلوب الحياة التي نعيشها اليوم أصبح محل تساؤلات وذلك بوجود الحقائق التي فرضها الاحتباس الحراري وبشكل خاص ندرة المياه. أين سنكون بعد عقدين أو ثلاثة من الزمن؟ كيف ستغير التحديات والفرص التي تحدثنا عنها صناعتنا والطريقة التي نعمل بها؟ كل هذه قضايا تشغل جان مان كثيراً، ويعرف أنها تحديات على الشركة موجهتها.
يقول جان مان: "في الحقيقة لا يمكننا إلا توقع، ولكننا نملك رؤية لمستقبلنا، محددةً بكلماتٍ ثلاث: التميز والاستدامة والاستقلال. لا يمكن أن يوجد إلا شركة مان واحدة في العالم، ونحن فخورون باسمنا الفريد. كشركةٍ خاصةٍ عائلية، نجد مكاننا المناسب في الأسواق الناشئة حيث أننا محكومون باستراتيجيات نمو متوسطة وطويلة المدى، ولا نبحث عن أهدافٍ مادية قصيرة المدى. ما يجعلنا نستمر ويحفظ استدامتنا هو أن استقلاليتنا غير قابلة للنقاش!"
ولكن واحدة من أهم التحديات التي تواجهها أيضاً الشركات العائلية هي نقل الشركة من جيل إلى الجيل التالي، وهو أمر ليس سهلاً خصوصاً في فرنسا التي تفرض ضرائب عالية جداً على الميراث. يقول جان مان أن مهمة جيله ممن يديرون شركة مان اليوم هو أن يتمكنوا من الحفاظ على الشركة بالمستوى الذي يتمناه الجيل التالي وأن يسلموها إليهم في حال رغب أبناء الجيل الخامس من العائلة أو بعضهم بالاستمرار في الرسالة والمهمة التي توارثتها العائلة منذ العام 1871 في هذه الصناعة، على أن يحافظوا على مستوى طموح الجيل الخامس بالنسبة للشركة.
يقول جان مان أنه أثناء تعامله مع عملائه في أماكن كثيرة في العالم منها شرق آسيا كالصين وتايوان وأندونيسيا فإنه كثيراً ما يُسأل: "كيف وصلت الشركة إلى الجيل الرابع بكامل نجاحها، في حين لا تستمر الشركات العائلية في العالم عموماً إلى أكثر من الجيل الثالث؟"
وعادةً ما يجيبهم بسرد قصة العائلة وملخصها أنه هناك رسالة تحملها العائلة ومشاكل تختلف من جيل لآخر، وعلى كل جيل حل مشاكله على حدا. في وقت سابق من هذا العام نالت مان جائز الجراند بريكس الفرنسية للأعمال العائلية، المندمجة مع شبكة الأعمال العائلية، لمرونتها أثناء فترة الأزمة، دون التنازل عن مبادئها وأخلاق عملها أو التفريط بمسئوليتها الاجتماعية أو مبادئ الشفافية. يشرح جان مان: "هناك أمر نعرفه من دون شك، وهو أننا سنقف إلى جانب شركائنا وأننا بحاجة لإعادة التفكير بطرق الدعم التقليدية التي تحكم صناعتنا. علينا أن نوظف أدوات جديدة وأن نعيد ابتكار نفسنا أثناء بحثنا عن حلولٍ للتحديات الجديدة".
في الشرق الأوسط
تعتبر أسواق الشرق من أكثر الأسواق استهلاكاً للعطور. ومن هنا جاءت أهمية المنطقة بالنسبة لشركة مان فعلى حد تعبير ميسون يونس: "أسواقنا هي حيث الكثافة السكانية العالية. ومن هنا تمثل سوق المملكة العربية السعودية والإمارات وسورية ومصر واليمن هي من أهم الأسواق بالنسبة لنا في المنطقة".
وهنا يتطرق جان مان إلى تحدٍ آخر تواجهه الشركة وهو مسألة الذوق، فيقول: "تختلف الأذواق باختلاف الثقافة، فلا يوجد ذوق عالمي عام، ومن هنا يتوجب علينا أن نكون قريبين من الأسواق التي نصمم لها عطوراً أو نكهات ونحاول مراعاة ثقافة المجتمع وذوقه الخاص كما هناك أحياناً معايير دينية علينا مراعاتها ففي الشرق الأوسط وأندونيسيا التي تعتبر واحدة من أكبر أسواقنا نقدم نكهات حلال بالنسبة للمسلمين. ولفعل ذلك لدينا يومين من المراقبة الكاملة على التصنيع شهرياً، ونفعل ذلك بشفافية مطلقة وثقة مطلقة".
ويضيف: "عندما تبدأ بخداع الناس فلا يمكنك المكوث مطولاً بينهم".
وتستمر خطة مان الاستثمارية في المنطقة على مدى السنوات الخمس المقبلة. فيقول جان مان :"بحلول 2015، نخطط لافتتاح أربع مكاتب في أربع دول مختلفة في المنطقة تتضمن قسم مبيعات وقسم الدعم التقني الأساسي. ونخطط لمركز خاص بالإنتاج أوروبي - شرق أوسطي يكون مقره دبي".
أما ميسون يونس فتقول تعليقاً على المكاتب الجديدة في دبي: "إن منتجات مان موجودة في أسواق الشرق الأوسط منذ عقود. وفي 2005 وتجاوباً مع نمو حصة الشركة السوقية في المنطقة افتتحنا مكتبنا الأول في دبي لنعمل مع عملائنا وشركائنا في المنطقة عن كثب".
وأضافت يونس: "إن افتتاح المكتب الجديد في دبي يأتي في سياق خطتنا التوسعية وحرصاً من قبل عائلة مان على زيادة استثمارها في المنطقة لتعزيز خدماتها لعملائها وتوطيد علاقاتها مع شركائها هنا، حيث يبدو مستقبل هذا القطاع واعداً، فهو يمثل خمسة مليارات دولار تتوزع بنسبة 32 % في أميركا الشمالية و25 % في أوروبا و26 % في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. وإذا ما أخذنا في الاعتبار العطور والنكهات الغذائية، ازدادت هذه السوق اتساعاً لتصل إلى 4.18 مليار دولار".
وتضيف يونس: "تتطلع مان إلى أسواق الشرق الأوسط باعتبارها واحدة من أكبر الأسواق وأسرعها نمواً بين الأسواق الناشئة على مستوى العالم، إضافةً إلى كون العطور واحدة من أهم الصناعات بالنسبة لشعوب المنطقة. ومن جهة أخرى فإن فرص النمو والمناخ الاستثماري المشجع، كل هذه العوامل عززت لدى عائلة مان اهتمامها بهذه الأسواق ودفعتها إلى وضع خططها التوسعية فيها على قائمة أولوياتها في الفترة المقبلة". وبالرغم من أن العام الماضي 2009 لم يكن عاماً سهلاً على القطاعات كافة في العالم إلا أن مان كانت خارج نطاق الأزمة، حيث حققت عائدات وصلت إلى 500 مليون دولار.
الخلطة السرية للعطور
تواجه شركات صناعة العطور اليوم في أوروبا تحدياً كبيراً، حيث تضغط السلطات المشرعة على الشركات المصنعة للكشف عن الخلطة المكونة للعطور، وهي التي عادةً ما تكون سريةً وبسريتها فقط تعمل هذه الشركات وتتميز إحداها عن الأخرى. فهل ستصبح الخلطة السرية للعطور غير سرية.
حول هذا يقول جان مان أن السلطات لا تطلب الإفصاح عن الخلطة المركبة للعطور، وإنما الإفصاح عن المواد الخام التي ممن شأنها أن تسبب حساسية للأفراد، وذلك من أجل الحفاظ على الصحة العامة. ويشرح قائلاً: "في حال دخل واحد من المواد الطبيعية الخام التي يمكن أن تسبب حساسية فعلينا الإفصاح عن ذلك. ولا أحد يطلب معرفة التركيب الكامل لعطر ما".
Accept the pain and get ready for success
المفضلات