مشرف
المدربون المعتمدون
- معدل تقييم المستوى
- 35
حتى لا يصيبك الدوار، انظر إلى الأفق البعيد
حتى لا يصيبك الدوار، انظر إلى الأفق البعيد
رؤوف شبايك
حين كتبت مقالتي الماضية عن قطار التغيير، لم أكن أدرك ساعتها أن التغيير سيلحق بي شخصيا وعلى الفور، فها أنا أبحث حاليا ومن جديد عن وظيفة جديدة، في وقت صعب، ولعل الرحال تحط على بلد جديد، وهكذا الدنيا لا تعرف فتورا أو سباتا، ولعل في قصة تيم روبل التالية نقطتين يبعثان على الأمل والتفاؤل، أركز عليهما بعد انتهائي من سرد قصة صانع الخبز اليومي.
جاء ميلاد تيم روبل Tim Roupell في ويمبلدون بانجلترا في عام 1955، وتفرقت سنوات شبابه ما بين الغربة في ألمانيا واليمن وهونج كونج، مرافقا لوالده الذي خدم في الجيش البريطاني، وما بين المدارس الداخلية، على أنه هجر مقاعد الدراسة وعمره 18 سنة ليعمل في وظيفة توفرت حيث كان يعمل أخوه الأكبر، وكان عمله كمسؤول مشتريات يجلب عليه المال الوفير (بمعايير ذلك الوقت)، حتى أنه استسلم لرهن عقاري تطلب دفعات مالية شهرية، واعتاد شيئا فشيئا على حياة الترف والمرح.
بعد انقضاء عشر سنين عليه في وظيفته، تبين له أنه يمقت هذه الوظيفة، وأنه يريد أن يعمل لصالحه، وأن يكون حرا، مدير نفسه. لأنه لم يحصل على درجة علمية، فهو أدرك أن فرص إطلاق نشاط تجاري خاص محدودة أمامه، وتوصل إلى نتيجة مفادها أن عليه صنع شيء بيديه ليبيعه، وفي حالته هو، وجد أنه اشتهر عنه أنه يصنع ساندويتشات / شطائر طيبة الطعم، وامتد تفكيره إلى رفاقه من الموظفين العاملين حيث كان يعمل، إذ لم يتوفر لهم وقتها فرصة شراء طعام سريع وذي جودة عالية يأتيهم حتى عتبات مكاتبهم، فجمع ما بين الاثنين ورأى أن أمامه فرصة طيبة ليبدأ عمله الخاص.
الطريف أن قطار التغيير نال منه هو الآخر، إذا وبينما يفكر في هذا الأمر، جاءه الخبر من شركته باستغنائهم عن خدماته وصرفه من العمل. بسرعة بدأ تيم العمل، إذا استثمر مبلغ 800 جنيه إسترليني في شراء ماكينة تقطيع اللحوم إلى شرائح، واشترى بضعة باقات قش لحمل الشطائر، وأثقل في الطلب من صديق حتى سمح له باستعمال الدور السفلي من محله ليعمل وينطلق منه، وهكذا كانت البداية.
العمل الجديد كان له متطلباته الشاقة، مثل الاستيقاظ في الرابعة والنصف صباحا، من أجل إعداد الساندويتشات، وبعدها يبدأ تيم في الطواف على المكاتب التجارية حاملا باقات الشطائر، ورغم أنها وظيفة تتطلب الجلد والصبر، وتقبل النظرة الدونية من المشترين، ناهيك على أن رفاق الأمس نظروا إليه على أنه مجنون، لكن حصيلة مبيعات اليوم الأول كان 35 شطيرة مباعة، وهو ما أعلن رسميا انطلاق ديلي بريد Daily Bread أو الخبز اليومي.
بدأت المبيعات تزيد، ما مكن تيم من توظيف آخرين ليساعدوه في عمله، الأمر الذي ساعده على تقديم أطباق تحوي ساندويتشات وأطعمة جانبية، ذات سعر أعلى. هذا التوسع البسيط صاحبه مشاكل تنظيمية بالجملة، مثل العثور على طلبة جامعيين يريدون عملا جانبيا، ويقبلون الطواف على الموظفين في دور عملهم، ويكونوا ناجحين في بيع الشطائر، لكن الأهم ملتزمين، ففي الأيام التي لا يأتي فيها هؤلاء الباعة الجائلين، كان تيم يقوم بنفسه بالطواف على المكاتب لبيع شطائره. بعد انقضاء العام الأول، كان لدى تيم 5 موظفين منتظمين، واستطاع الانتقال إلى مقر جديد خاص به.
لا يقف قطار التغيير أبدا، فبعد مرور 10 سنوات على هذه البداية، تعرض المشروع لأزمة عنيفة، إذ مرت السوق الانجليزية بأزمة كساد، وخسر تيم أكبر عميلين عنده، وتراجعت المبيعات بوتيرة كبيرة ومؤلمة، وكانت المرة الأولى التي يعاني فيها مشروع الخبز اليومي من الخسارة. في محاولة منه لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، افتتح تيم محلا لشطائره، لكنها كانت محاولة خاسرة بشدة، إذ بعد 45 يوما من الافتتاح أغلق تيم هذا المحل، فالشطائر كانت لا تتحرك، ولم يجد مشترين لساندويتشاته، وكانت خطوة مؤلمة بكل المعاني، جاءت مثل الضربة القاصمة التي كادت تدفع تيم نحو الإفلاس.
جلس تيم ليفكر ماذا سيفعل، فهو قد بلغ الأربعين، وعنده زوجه وأولاد ثلاثة، وتجارة تعب كثيرا حتى قامت أركانها، وعنده بغض شديد للعمل لدى الغير، لكنه كذلك كان يملك ورقة صغيرة يلصقها أمامه على طاولته، كتب عليها: حتى لا تشعر بدوار البحر، ركز عينيك على الأفق الواسع (بمعنى عندما تركب في السفينة ويصيبك دوار / دوخة بسبب اهتزازها، فإن علاجك هو أن تركز ناظريك على الأفق البعيد، لأنه بعده يعطي الإيحاء بأنه ثابت لا يتحرك، فيقلل من شعور الدوار والغثيان)، وهو كناية عن ضرورة التفكير بعيد المدى طويل الأجل.
في آخر ثانية، وعلى غرار المسلسلات التليفزيونية التي يأتي الفرج فيها في آخر مقطع من آخر حلقة، تلقى تيم طلبا كبيرا من متعهد إقامة حفلات، وكانت هذه هي نقطة التحول في تاريخ تيم وشركته وخبزه. مع انتظام طلبات هذا المتعهد، أدرك تيم أن العمل مع كبار العملاء وعلى مستوى الجملة هو أكثر مجال يجلب له الربح ويقلل المصاريف التشغيلية لشركته، فرغم تراجع هامش الربح على مستوى الشطيرة الواحدة، لكن بيع مئات الشطائر دفعة واحدة أفضل من الطواف على مواقع كثيرة وبيع أرقام صغيرة هنا وهناك. حين تيقن تيم من صحة هذا الاكتشاف، قرر وقف بيع الشطائر عبر الباقات الطوافة، والتركيز على البيع بالجملة لكبار المشترين.
الباقي – كما يقولون – جاء كما هو متوقع له، إذا تنقل تيم من نجاح لآخر، وتزايدت المبيعات رابحة، حتى باع تيم شركته كلها لشركة أمريكية، بمبلغ ثقيل لكن غير معلن عنه، مع بقاء تيم على رأس العمل، ليدير شركته حتى تصبح أكبر وأكثر انتشارا.
نقطتان يجب على القارئ الوقوف عندهما بعد انتهاء أحداث القصة:
الأولى، حين نظر تيم في أمره وحياته، فلم يجد له أفضل من بيع شيء من صنع يديه. لعل الكثيرين منكم ينطبق عليه هذا الأمر وهذه النظرة، فما الذي يمكن ليديك تقديمه؟
الثانية: البيع لكبار العملاء يكون في أحيان أفضل بكثير من البيع لصغار العملاء. الكثيرون من قرائي أجدهم ومن خلال تعليقاتهم يقتتلون دفاعا على مرة البيع الواحدة، وأن بيعة واحدة خير من مائة على الشجرة. هذه النظرة وهذه الطريقة من التفكير بحاجة لمراجعة، وبحاجة لتجربة البيع للعملاء الكبار الذين يشترون كميات كبيرة في المرة الواحدة، حتى ولو كان مقابل هامش ربح متدني، فحيتى لا يصبيك الدوار، انظر إلى الأفق دائما، انظر إلى بعيد، كم ستربح وكم ستخسر في نهاية الأمر.
على الجانب:
قبل أن تقترح علي الشروع في مشروعي الخاص، أنا بالفعل أعمل على ذلك، لكن الأمر يتطلب المزيد من الانتظار.
لعل من مزايا صرفي من العمل أني ربما خصصت وقتا أطول للمدونة، ومن عيوب ذلك أني ربما انشغلت عنها بحثا عن بديل.
بدأ الصديق Djug مشروعه الخاص، موقع يسمح بكتابة رسائل تغريد / تويتر أطول من 140 حرفا، على هذا الرابط، وهو بحاجة لاقتراحاتكم وأفكاركم ومساندتكم
المصدر : مجلة افكار عملية مبدعون
عن مدونة شبايك
التعديل الأخير تم بواسطة نادية أمال شرقي ; 10-May-2010 الساعة 12:50 PM
كلما أدبني الدهر أراني نقص عقلي
وإذا ما ازددت علماً زادني علماً بجهلي
^______________^ ودمتم سالمين
المفضلات