لذلك يحتاج الإنسان إلي الراحة والاسترخاء خلال فترات العمل. كما يحدث مع تلاميذ المدارس: يعطونهم فسحة بين الحصص, يسمونها في الإنجليزيةbreak, لأنها تكسر حدة العمل المتواصل, وتريح الذهن, كما تريح الجسد, وبالتالي تريح الأعصاب. ونلاحظ أن الله ـ تبارك اسمه ـ قد منحنا يوم راحة في الأسبوع. لأنه وهو الخالق لطبيعتنا, يعرف أن طبيعتنا تحتاج إلي هذه الراحة, كما يعرف أن العمل المتواصل بدون راحة, يسبب للإنسان مشاكل كثيرة. لذلك احترس من أن تدخل في لقاء أو حوار ساخن, وأنت مرهق جسديا, لأن أعصابك أيضا تكون مرهقة, ولاتحتمل سخونة الحوار.. بينما إذا تم ذلك اللقاء ـ وأنت مستريح جسديا وعصبيا ـ فانه يمر بطريقة سهلة ويأتي بنتيجة أفضل. إذن لاتعتبر فترات الراحة والاسترخاء لونا من الترفه, بل هي من لوازم النجاح. وكما لاتدخل في نقاش حاد وأنت مرهق, كذلك لاتدخل في مثل هذا النقاش مع شخص تعرف أنه مرهق, لأن حالته الصحية لاتساعده علي التفكير العميق, ولاعلي مجابهة رأي معارض.
أيضا قد يكون من أسباب التوتر, مرض الأعصاب:
فالأعصاب المريضة لاتحتمل كثيرا, بل تتوتر بسرعة. وهي تحتاج إلي علاج عند أطباء متخصصين, وبعض أمراض الأعصاب لاعلاقة لها بالنفسية والأخلاق. مثال ذلك: شخص مريض بالعمود الفقري, وإحدي الفقرات تضغط علي عصب معين فتتعبه أو تلهبه. ويكون هذا المريض ـ في ألمه ـ غير محتمل لحوار أو نقاش. بل المرضي عموما, الذين يشتد عليهم المرض والألم, قد يكونون في حالة من التعب لاتحتمل أي لون من الجدل. وقد يكون سبب التوتر, أن الشخص عصبي بطبعه, يثور بسرعة لأدني سبب. ويحتد ويرتفع صوته, وتتغير لهجته, وتتجهم ملامحه, ومثل هذا الشخص يحتاج إلي علاج نفسي, وإلي تداريب روحية علي الهدوء وضبط النفس وحسن معاملة الآخرين. والمعروف أن كلمة نرفزة مأخوذة من كلمةnerves أي أعصاب.. فابعد عن الاحتكاك بمثل هؤلاء, لئلا تسمع منهم ما لايرضيك. وقد يكون سبب توتر الأعصاب, هو طبع العنف أو التزمت:
فالإنسان الذي يتخذ العنف منهجا في حياته, تكون طبيعة تصرفاته مصحوبة بالتوتر. ولايقبل نقاشا ولامخالفة له في الرأي. ويحاول أن يصل إلي هدفه بسرعة ومن أقصر الطرق, وبشدة. فلو قوبل عنفه بعنف, يزداد الأمر توترا من الجانبين. كذلك الإنسان المتزمت لايكون واسع الصدر, ولاواسعا في تفكيره. وتزمته يجعله يضيق علي نفسه, وعلي غيره أيضا, ويكون التعامل معه مشحونا بالتوتر. وكما نجد الأشخاص المتزمتين ملامحهم عابسة, بجدية متحفزة وعيون ملتهبة, وأعصاب مستعدة للهجوم, مع تعليقات متشددة قاسية:' هذا خطأ, وهذا حرام, وهذا لايليق'. والمتزمت قد يقيم نفسه رقيبا علي جميع الناس, ومصلحا للمجتمع كله, محاولا أن يصلح الكبار كما يصلح الصغار, والذين يعرفهم والذين لايعرفهم, إنه يثور علي كل شيء, في كل مكان, في كل مناسبة ولامناسبة.. كل ذلك بأعصاب متوترة. لذلك, نصيحتي إليك ـ لكي تهدأ أعصابك وتبعد عن التوتر ـ أنك لاتقم نفسك رقيبا علي غيرك. ولاتتدخل فيما لايعنيك, ولا تحاسب أحدا إلا ما هو في حدود مسئوليتك الخاصة. أما ما هو خارج ذلك, فلا تحشر نفسك فيه, وقل لنفسك:' من أقامني قاضيا أو محاسبا'. بهذا تستريح أعصابك وتهدأ. وقد يكون سبب التوتر حالة نفسية: مثل الاضطراب أو القلق, أو الخوف أو الخجل أو التردد. ففي هذه الحالات تتوتر الأعصاب, وبخاصة لو لم تجد حلا, ولم تجد وسيلة للتعبير عما تريد.. ويحتاج الإنسان في هذه الحالة, أن يهدئ نفسه من الداخل. كذلك قد تتعب الأعصاب, بسبب الأفكار السوداء: إذ يفكرون بطريقة تشد أعصابهم وتتعبهم. مثال ذلك الذي لايتوقع إلاشرا, ولا يتخيل إلا أسوأ النتائج. ومثله الإنسان الشكاك, والمعقد, والذي يتمادي بسرعة في تفكيره, بغير حدود, فتتعب أعصابه. ومن أسباب توتر الأعصاب, الضغوط الخارجية: مع خطأ التعامل معها. كالمشاكل والضيقات المتتابعة, والتي تبدو صعبة الحل. وأيضا أخطاء الآخرين ونتائجها, أو قسوتهم وسوء معاملتهم. علي أن كل الضغوط الخارجية لاتؤثر إلا من جهة نفسية الشخص. فالبعض قد يقابلها باحتمال أو بحكمة, والبعض يقابلها بلا مبالاة أو يجعلها خارج نفسه. والبعض يقابلها بانفعال, وتتوتر أعصابه بسببها. ومن أسباب التوتر سماع أو قراءة الأخبار المتعبة: فهي إما أن تكون متعبة في نوعيتها, أو في تكرارها. فالأخبار المزعجة والمقلقة والمثيرة,
أو التي تحوي ظلما أو تسبب شرا, والأخبار المغرضة, والأخبار الكاذبة.. كل هذه كلها تثير الأعصاب وتسبب توترا, لذلك فالبعد عن هذه الأخبار يريح النفس, وأيضا مقابلتها بلا مبالاة..
من أسباب توتر الأعصاب أيضا الإلحاح المستمر, والإطالة والتكرار: ويكون ذلك الإلحاح ضغطا علي أعصابك, وبخاصة إذا قلت للمتكلم قد فهمت ماتقصد, ومع ذلك يزيد ويعيد نفس المفهوم, أو إذا وعدته بأنك ستنفذ طلبه, ومع ذلك يلح ويلح, غير مهتم بوقتك أو بأعصابك. أو من يشرح لك شيئا, وتقول له:' قد عرفت' ومع ذلك يطيل الشرح ويكرر الكلام. كل ذلك يسبب توتر الأعصاب. مما يريح أعصابك, أن تتعود البشاشة وأن يدخل في حياتك روح المرح, ففي ذلك تنبسط الأعصاب بدلا من التوتر. وبعكس ذلك يحكم المتزمتون علي المرح والضحك بأنه حرام! وتوتر الأعصاب يعالج أيضا بالحياة الروحية السليمة. فالإنسان الروحي بعيد عن التوتر, يؤمن أن الله يتدخل في المشاكل لكي يحلها, ويؤمن أن كل باب مغلق, له مفتاح يرسله الله, أو عدة مفاتيح. وهو إن قرأ عن أخبار متعبة, يضيفها إلي معلوماته وليس إلي أعصابه. ويؤمن أن الله سيحولها إلي خير.
|
المفضلات