من خبرتنا الماضية في موضوع وضع الأهداف، تبين لنا أن هناك منطقتين للمتاعب:

1) الإحساس بالهوان والخوف عندما لا نحقق أهدافنا،
2) النتائج المدمرة التي تحدث نتيجة وصولنا إلى هذه الأهداف.

السحب من حساب الكرامة الشخصية:

كما ذكرنا سابقاً، لكل منا حساب للكرامة الشخصية، يعكس مقدار الثقة التي نضعها في أنفسنا، ولذلك عندما نلتزم بعهد ما ونحافظ عليه، فإن عملية وضع الأهداف وتحقيقها تغدو بمثابة إضافة لحساب الكرامة. حيث نشعر بالثقة بأنفسنا، وأننا ملتزمون حيال أنفسنا، وحيال الغير. إن الرصيد العالي في هذا الحساب يصبح مصدراً للقوة والأمان.

ولكن عندما لا نحقق الأهداف، هنا يبدأ السحب من رصيد ذلك الحساب، ويصبح ذلك مصدر للألم الكبير. وبمضي الوقت، يسبب السحب المتكرر من ذلك الحساب فقدان الثقة في قدرتنا على قطع العهود والالتزام، وبالتالي فقدان الثقة بأنفسنا وبالغير. أما التشكك والتروي فيأتيان بعد ذلك، مما يحد من قدرتنا على وضع وتحقيق، الأهداف المقبولة عندئذ. وعندما نحتاج القوة الذاتية لمواجهة التحديات الكبيرة في حياتنا لن نجد هذه القوة متوافرة.

يقولstephen:
عملت ذات مرة مشرفاً في معسكر من المعسكرات، وكنت أقود مجموعة من الطلبة في جولة ليلية. فانتهى بنا المسير إلى واد حيث يجب أن نعبر نهراً من خلال حبل معلق فوق هذا النهر. كنا عطاشاً مرهقين ومتعبين. لم يكن لدينا الماء ولا الغذاء منذ اليوم السابق. وكلنا يعرف أن عبور هذا النهر الذي يبلغ عرضه أربعين قدماً معناه أننا سنجد الماء والغذاء. كواحد من قادة المجموعة، كان علي العبور قبل الجميع. بدأت العبور بكل تصميم بل وكبرياء، بدأت التأرجح حول الحبل مستعرضاً قدراتي. ولكن عندما بلغت منتصف النهر شعرت بأن قواي بدأت بالانهيار. حاولت بكل الأساليب استرجاعها، بما في ذلك استرجاع الطعام الذي ينتظرنا على الناحية الأخرى، ولكنني كنت قد وصلت إلى نقطة لم يكن في استطاعتي تحريك يدي من على الحبل للتقدم خطوة أخرى. لم يكن لدي الثقة بأن يدي ستواصل الرحلة خوفاً من ألا تستطيع يدي الأخرى حمل ثقل جسمي.

في وسط النهر سقطت. لم تكن هناك القوة. كنت معلقاً من وسطي بحبل الأمان فوق مياه النهر المتدفقة. كان الطلاب سعداء بالمنظر! في هذه اللحظة سقط كبريائي قبل هذا السقوط. لحسن الحظ أن معظم من عبروا بعد هذه السقطة مروا بنفس الموقف، قليلون هم من استطاعوا عبور النهر بلا سقوط. إن بناء قوة الشخصية مثله مثل بناء الجسم القوي. فعندما يأتي وقت الاختبار، وما لم تكن لديك الشخصية القوية فإن أي تجميل خارجي لن يغطي ضعف تلك الشخصية. فلا يمكنك إخفاء ذلك الضعف. بل لابد من توافر القوة لكي تضع هدفاً كبيراً، أو لتحل معضلة كبيرة من النوع الذي لا تفلح معه المسكنات. وهذه القوة هي التي تضمن تماسكك عندما تسير الريح في اتجاه غير الذي تريد.

هناك العديد من الأسباب وراء عدم وصولنا إلى أهدافنا. أحياناً يكون ذلك لأن هذه الأهداف غير واقعية. وأحيانا لأننا نضع توقعات لا تعكس أي إدراك للذات. أحياناً عند بداية سنة جديدة نتوقع أن نعدل من أسلوبنا في الأكل، وممارسة الرياضة، أو في معاملة الغير لمجرد أن هذه السنة الجديدة بدأت. ونحن في هذا مثلنا مثل من يتوقع لطفله الصغير أن ينتقل في يوم واحد مباشرةً من مرحلة الحبو إلى مرحلة الأكل بالشوكة والسكين، وقيادة السيارة. هنا تكون أهدافنا مبنية على سراب، دون إدراك لقدرات الذات، ودون إدراك للقوانين التي تحكم النمو الطبيعي للأمور. أحياناً نضع أهدافنا ونعمل على تحقيقها، ولكن قد تتغير الظروف، أو نتغير نحن. قد تظهر فرص جديدة، الاقتصاد من حولنا يتبدل، قد يدخل شخص جديد في حياتنا، وهنا يصبح السيناريو مختلفاً. في هذه الحالة ومع الإصرار على هذه الأهداف نصبح نحن في خدمة هذه الأهداف نشعر بالذنب لأننا لم نلتزم بما تعهدنا به. يصبح من الصعب علينا أن نتعرض لتغيير الأهداف باستمرار أو عندما نفشل في الوصول إليها.

وضع السلم على الحائط الخطأ:

بينما يرتب الفشل في تحقيق الأهداف آلاماً، فإن لتحقيق الأهداف آلاماً من نوع آخر. فأحياناً ما يكون تحقيق أهداف معينة على حساب جوانب أخرى هامة في حياتنا. أي أننا وضعنا سلم النجاح على الحائط الخطأ بالنسبة لحياتنا.

يحكي أحد زملائنا القصة التالية:

منذ عدة سنوات، أعلن أحد الأشخاص لزملائه وجيرانه أن هدفه للعام القادم هو أن يكسب مليون دولار. كان هذا الرجل من رجال الأعمال المبدعين الذي يؤمن بالحكمة القائلة " أعطي فكرة جيدة وأنا أكسب مليوناً". عمل هذا الرجل على تطوير وتسجيل منتج مبتكر له علاقة بالرياضة البدنية، ودار في كل المناطق لبيعه. أحياناً كان يأخذ أحد أولاده معه لمدة أسبوع خلال هذه الرحلات. اشتكت زوجته إليه من أخذ الأولاد معه؛ لأنهم بعد عودتهم من الرحلة يصبحون أكثر إهمالاً لدروسهم وواجباتهم المدرسية، ولأن الأطفال يرون أن هذا الأسبوع مجرد إجازة، فإن ذلك يمنعهم من القيام بما يجب أن يقوموا به.

في نهاية العام أعلن هذا الشخص أنه حقق هدفه وكسب المليون دولار. ولكن بعد ذلك بقليل طلق زوجته، وأدمن اثنان من أبنائه المخدرات، بينما خرج الثالث ولم يعد. باختصار تفككت العائلة تماماً. هذا الرجل ركز كل جهده ووجدانه على هدف واحد، وأصبح يقيس كل شيء من خلال هذا الهدف، ولكنه نسى أن يحسب التكاليف الإجمالية لبقية حياته. لقد كلفه هذا المليون دولار ما هو أغلى من ذلك عندما يستوعبنا هدف واحد. نصبح، مثل الحصان المعصوب العينين، غير قادرين على رؤية أي شيء آخر. أحياناً ما تكون أهدافنا من نوعية" اخطف واجر" تاركين الكثير من الضحايا في الطريق. فغالباً ما تكون هذه الأهداف محددة بطريقة جيدة، ولكن تحقيقها قد يترك خلفها آثاراً غير طيبة.

في إحدى برامجنا التدريبية قال لنا أحد المشاركين من روسيا ما يلي: لقد حاول GORBACHEV الحد من استهلاك الشعب الروسي للمشروبات الكحولية، حتى يرتفع إنتاج ذلك الشعب. وكما يحدث في أية عملية منع، فبدلاً من أن يذهب الناس إلى العمل المنتج ذهبوا إلى المخدرات بدلاً من الكحول. لقد نجحت الحكومة في خفض الاستهلاك من الكحول، ولكنها لم تحقق الهدف الأسمى الذي كانت تسعى إليه.

نحن نضع الهدف متوقعين أن الوصول إليه سيحقق نتائج إيجابية معينة ترفع من جودة الحياة. ولكن أحياناً ما لا تتحقق هذه النتائج الإيجابية. فأحياناً ما يتسبب تحقيق الهدف في ترتيب سلبيات معينة. لذلك نصبح في حيرة بعد تحقيق تلك الأهداف. لعل سبب عدم الراحة التي نشعر بها عند وضع الأهداف هو أننا نكون أمام معضلة من نوع خاص. فعندما تتحقق الأهداف قد ترتب آثاراً سالبة، أما إذا لم تتحقق هذه الأهداف فإن ذلك يخلف الألم والحسرة.

هل هناك سبيل للإفادة من قوة الأهداف، دون أن نتعرض لهذه المشكلات؟ هل يمكن زيادة رصيد حساب الكرامة الشخصية القوية من خلال عملية تحديد الأهداف ثم تحقيقها بشكل منتظم؟ هل يمكن التخلي عن الأهداف، أو تعديلها، أو حتى الفشل فيها، مع بقاء رصيد حساب الكرامة الشخصية غير منقوص؟ هل هناك ضمان لأن نضع سلم تحقيق الأهداف مستنداً إلى الحائط الصحيح؟

نؤكد أن ذلك ممكن، بل من الممكن أن يكون في هذه العملية دعم لقدرتنا على تحقيق الأهداف. السر في ذلك هو في استخدامنا لملكاتنا الإنسانية الأربع بشكل متفاعل، عند قيامنا بتحديد وتحقيق الأهداف، شريطة أن تكون هذه العملية مبينة على مبادئ.









المرجع: إدارة الأولويات
اسم الكاتب: ستيفن ر.كوفي
دار النشر: مكتبة جرير
سنة النشر: 2000
رقم الطبعة: الأولى
رقم الصفحة: 198-203
كلمات مفتاحية: إدراك القدرات – مراعاة المتغيرات والظروف – تناغم الأهداف مع المتطلبات الحياتية – التحقق من الأهداف – ايجابية الأهداف – سلبية التركيز على هدف واحد
أرسل بواسطة: إدارة الموقع
رابط القصة: http://trainers.illaftrain.co.uk/arabic/modules/stories/detail.thtml?id=87