أود أن تشاركني قصة شخصية والتي اشعر بأنها تحتوي على جوهر هذا الكتاب. وبالقيام بذلك، آمل أن تتعلق بالمبادئ الأساسية التي تحتوي عليها تلك القصة. منذ سنوات مضت أخذت أسرتنا إجازة سبتية من الجامعة التي ادرس فيها؛ لكي أتمكن من الكتابة، وعشنا سنة كاملة في لاي على الشاطئ الشمالي لأوهو في هاواي.

وبعد أن استقرت الأسرة بوقت قصير عشنا حياة روتينية في العمل والمعيشة ولم تكن منتجة فحسب بل أيضاً سعيدة للغاية. وبعد حلول الصباح الباكر على الساحل، كنا نرسل اثنين من آبائنا إلى المدرسة وهم حفاة الأقدام ومرتدين الشورت، وذهبت إلى مبنى منعزل بالقرب من حقول القصب حيث كان لدي مكتب لأمارس فيه كتابتي، وقد كان مكاناً هادئاً جداً، جميلاً وساكناً للغاية – فلا يوجد هاتف، ولا اجتماعات، ولا ارتباطات مع الصحافة.

وقد كان مكتبي خارج حدود الكلية، وذات يوم وبينما كنت أتجول بين أكوام الكتب في الجزء الخلفي من مكتبة الكلية وجدت، مصادفة، كتاباً لفت انتباهي. وبمجرد فتحه، وقعت عيناي على فقرة واحدة أثرت على بقية حياتي. وقرأت هذه الفقرة مراراً وتكراراً هي تحتوي اساساً على فكرة بسيطة ألا وهي أنه هناك فجوة أو مسافة بين المنبه والاستجابة وأن أساس تطورنا وسعادتنا هو كيفية استغلالنا لهذه المسافة. واستطيع أن اصف تأثير هذه الفكرة على عقلي بصعوبة برغم أني قد نشأت على فلسفة تقرير المصير، فإن الطريقة التي صيغت بها العبارة – "الفجوة بين المنبه والاستجابة" – قد أثرت فيّ بقوة منعشة، لا يمكن تصديقها، وكأني "اعرفها للمرة الأولى" كثورة داخلية! "فهي فكرة قد حان وقتها".

ولقد فكرت فيها مراراً وتكراراً وبدأ تأثيرها القوى يطغى على تصوراتي الذهنية. وكأني أصبحت مراقباً لمشاركتي فيها، وبدأت أقف عند هذه الفجوة وانظر، للخارج، إلى المنبهات، ووحدت متعة بالغة نتيجة الإحساس الداخلي بالحرية في اختيار استجابتي – أو حتى لأصبح مثيراً أو على الأقل لأوثر فيه – أو حتى لأغيره. وبعد وقت قصير، ومنذ ذلك الحين فصاعداً، وكنتيجة جزئية لهذه الفكرة الثورية. بدأت أنا وساندرا في ممارسة نوع من التخاطب العميق، فقد كنت آخذها معي قبل الظهيرة على دراجتي القديمة هوندا 90، وكنا نأخذ طفلينا اللذين لم يلتحقا بالمدرسة بعد – واحداً منهما يجلس بيننا والآخر على رجلي اليسرى – حيث كنا نقودها إلى خارج حقول القصب في طريقي لمكتبي، وكنا نركب ونسير ببطء لمسافة طويلة لما يقرب من ساعة لمجرد التحدث سوياً.

وكان الطفلان يتوقان إلى ركوب الدراجة، كانا لا يسببان أية ضوضاء، ونادراً ما كنا نستطيع سماع بعضنا البعض بسهولة، وكنا دائما ننتهي عند شاطئ منعزل؛ حيث كنا نترك الدراجة ونسير لمسافة 200 ياردة تقريباً لبقعة منعزلة حيث كنا نتناول غدائنا. وقد كان الشاطئ الرملي والنهر الجاري القادم من الجزيرة يجذبان اهتمام طفلينا كلية لذلك فقد كنت أتمكن أنا وساندرا من تكملة حديثنا دون مقاطعة احدهم لنا، وربما لا يتطلب الأمر المزيد من التخيل لرؤية مستوى التفاهم والثقة الذي استطعنا التوصل إليه عن طريق قضاء على الأقل ساعتين كل يوم لمدة سنة كاملة في تخاطب عميق وداخلي.

ففي مستهل العام، تحدثنا عن كل أنواع الموضوعات الشيقة – الناس، الأفكار، الأحداث، الأطفال، كتابتي، أسرتنا في المنزل، الخطط المستقبلية وهلم جرة. ولكن شيئاً فشيء تعمق تخاطبنا، وبدأنا نتحدث أكثر فأكثر عن عالمنا الداخلي – تربيتنا، تخطيطنا ومشاعرنا وعن عدم ثقتنا بالذات، وبينما كنا ننغمس بعمق في هذه التخاطبات، فقد لاحظناهم، ولاحظنا أنفسنا فيها، وبدأنا نستخدم المسافة بين المنبه والاستجابة ببعض الطرق الجديدة والشيقة والتي جعلتنا نفكر في وضعنا، وكيف كنا مبرمجين، وكيف شكلت هذه البرامج كيفية رؤيتنا للعالم.

ولقد بدأنا مغامرة مثيرة داخل عالمنا الداخلي ووجدناه أكثر إثارة، وأكثر روعة وأكثر قوة ومليء باستكشافات واكبر من أي شيء عرفناه في العالم الخارجي. ولم تكن كلها "حلوة ومرحة" فقد كنا أحياناً نلمس أوتاراً حساسة في حياتنا وقد كنا نمر ببعض التجارب المؤلمة والمحرجة وتجارب تروح عن النفس وهي التجارب التي تجعل كلانا منفتح أمام الآخر وعرضه لانتقادته، ووجدنا أنفسنا بحاجة إلى الخوض في مثل هذه الأشياء لسنوات، وعندما خضنا في أمور أعمق وأكثر حساسية، ثم خرجنا منها، شعرنا أننا شفينا منها إلى حد ما.

وبشكل مبدئي كنا مدعمين ومساعدين لبعضنا البعض، وكنا كذلك مشجعين ومتعاطفين سوياً حتى أننا راعينا وسهلنا هذه الاستكشافات الداخلية في بعضنا البعض. ووضعنا، تدريجياً، قاعدتين أساسيتين غير منطوق بهما، وكانت الأولى هي "لا لتحقيق أو التدقيق" فطالما أننا نكتشف عن الطبقات الداخلية لمدى قابليتنا للجرح، فلسنا مخولين لاستجواب بعضنا البعض، فقط لنؤكد على ذلك، إن التحقيق "التدقيق" هو – ببساطة – أمر عدواني وهو كذلك متحكم جداً ومنطقي للغاية، وقد كنا نخفي الأشياء الجديدة الصعبة التي كانت مروعة وعرضة للريبة والتي تثير المخاوف والشكوك، وكنا نريد أن نخفي منها المزيد والمزيد ولكننا دورنا احترام حاجتنا ليدع كل منا الآخر يفتح قلبه في الوقت المخصص لنا.

والقاعدة الأساسية الثانية هي: عندما يكون الأمر مؤلماً جداً، وجارحاً فإننا ببساطة – نتوقف عن الحديث لمدة يوم، وبعد ذلك إما أن نبدأ اليوم التالي من حيث توقفنا أو أن ننتظر حتى يشعر الشخص أنه مستعد للاستمرار في هذا. وكنا نترك النهايات مفتوحة، مدركين أننا بحاجة للتعامل معها، ولأنه كان لدينا الوقت والبيئة المساعدة على ذلك، ولأننا كنا مهتمين جداً بملاحظة شكوكنا في الأمور وللتعمق في أرواحنا، فقد عرفنا – ببساطة – أننا سنتناول هذه النهايات المفتوحة إن عاجلا أن آجلا وسننهيها أو بأخرى. وجاء أصعب جزء من هذا النوع من التخاطب والذي كان – أخيرا – أكثر الأجزاء إثماراً عندما لمسنا قابليتي للجرح وقابلية ساندرا للجرح أيضاً، ثم وجدنا أن المسافة بين المنبه والاستجابة لم تعد موجودة بسبب استغراقنا الشخصي في هذا الشأن، وظهرت على السطح قليل من المشاعر البغيضة. ولكن رغبتنا العميقة الضمني، أعدونا لنبدأ من حيث توقفنا، وأن نتعامل مع هذه المشاعر حتى قضينا عليها.

ومرت علينا واحدة من تلك الأوقات العصيبة مع رغبة أساسية في شخصيتي، فقد كان والدي شخص له خصوصيته – منضبط وحذر جدا. وكانت أمي وما زالت اجتماعية جداً، وصريحة وتلقائية جدا، ولقد وجدت هاتين الرغبتين داخلي، وعندما اشعر بعدم الأمانة، أميل لأصبح خصوصي مثل والدي وأعيش داخل ذاتي وأراقب بأمان. إن ساندرا مثل أمي – اجتماعية، موثوق بها وتلقائية، ومررنا بالعديد من التجارب عبر السنين والتي أحسست فيها أن عدم تحفظها غير مناسب – وشعرت هي أن اضطرابي يعد اختلالا وظيفياً – على المستوى الاجتماعي، وبالنسبة لي كفرد لأني سأصبح متبلد تجاه مشاعر الآخرين، وظهر كل هذا وما يزيد عنه أثناء تلك الزيارات العميقة، وأصبحت اقدر نفاذ بصيرة ساندرا وحكمتها والطريقة التي تساعدني بها لأصبح أكثر انفتاحا وأكثر عطاء وحساسية، ولأصبح كذلك شخصاً اجتماعياً.

ومر علينا وقتاً آخر عصيباً مع ما اعتقد أنه "هوس" تعاني منه ساندرا والذي كان يضايقني لمدة اعوام، فقد كان يبدو أنها تعاني من هوس الأجهزة الكهربائية ماركة "فريجيدير". الأمر الذي عانيت كثيراً لأفهمه، فلم تفكر حتى في شراء ماركة أخرى. حتى عندما كنا في بداية حياتنا الزوجية، وكانت ميزانيتنا صغيرة، صممت أن تقطع مسافة 50 ميل إلى "المدينة الكبيرة" حيث تباع أجهزة فريجيدير وهذا – ببساطة – لأنه لم يكن توجد تاجر في مدينة الجامعة الصغيرة يبيع هذا النوع من الأجهزة في ذلك الوقت.

وكان هذا الأمر يعد إشارة بالنسبة لي، ولحسن الحظ أصبح الأمر على ما يرام فقط عندما اشترينا الجهاز. ولكن عندما عرضنا هذا الأمر للمناقشة كان كمنبه ضغط بشدة على زر استجابة حادة، وبدا لي الأمر كرمز لكل التفكير غير العقلاني وقد ولّد داخلي سلسلة من الأحاسيس السلبية. وعادة ما كنت ألجأ إلى سلوكي الخاص بي المختل وظيفياً، وافترضت أن الطريقة الوحيدة التي يمكنني التعامل بها على ذلك الأمر؛ هي ألا أتعامل معه – وإلا – شعرت أني سأفقد سيطرتي على نفسي، وسأتلفظ بأشياء ما كان يجب عليّ ذكرها، وقد كانت هناك بعض الأوقات التي كان يلفت فيها لساني وأتلفظ بكلمات سلبية، وكان يتعين عليّ أحياناً أن أتراجع واعتذر.

وما أزعجني أكثر لم يكن حبها لماركة فريجيدير ولكن تصميمها على فعل ما اعتبره أنا غير منطقي تماماً والعبارات غير الدفاعية التي كانت تستعين بها للدفاع عن فريجيدير والتي ليس لها أساس من الصحة، وإذا اتفقت على أن استجابتها كانت غير عقلانية بكل ما في الكلمة من معنى، اعتقد أنه كان بإمكاني معالجة الأمر. ولكن كان تبريرها مزعجاً بالنسبة لي. وعندما أنهينا هذا الأسبوع كنا في بداية فصل الربيع، وقد أعدنا تخاطبنا، وترسخت القواعد الأساسية بعمق – عدم التحقيق وترك الموضوع إذا أصبح مؤلماً لأحدنا أو لكلانا.

فلن أنسى أبدا ذلك اليوم الذي تحدثنا فيه عن هذا الأمر. فلم ننته إلى الشاطئ في ذلك اليوم فقد واصلنا الركب وسط حقول القصب ربما لأننا لم نغب في أن ينظر احدنا للآخر. لقد كان هناك تاريخ نفسي طويل والعديد من المشاعر السيئة المرتبطة بهذا الشأن، ولقد بقيت مغمورة طويلاً، فقد كان من الصعب الخوض فيها خشية أن تؤدي إلى قطع علاقاتنا ولكن عندما حاولنا تطوير علاقة موحدة جميلة فإن أية قضية حاسمة تعد مهمة.

واندهشت أنا وساندرا مما تعلمناه من هذا التفاعل. حقاً فقد كان تعاونياً، وكأن ساندرا عرفت ولأول مرة - السبب وراء هوسها بتلك الأجهزة، فبدأت تتحدث عن والدها، وكيف عمل كمعلم للتاريخ بمدرسة ثانوية وعمل كمدرس خصوصي لعدة اعوام، وكيف اتجه للعمل في مجال الأجهزة ليتمكن من كسب ما يكفيهم للعيش، وفي أثناء أحد الانكماشات الاقتصادية مر بصعوبات مالية خطيرة والشيء الوحيد الذي مكّنه من البقاء في العمل في ذلك الوقت كان حقيقة أن فريجيدير قد موّل المخزون لديه.

وكانت تربط بين ساندرا ووالدها علاقة جميلة عميقة بشكل غير عاد، وكان عندما يعود للمنزل بعد الانتهاء من يوم متعب للغاية، يرقد هو على الأريكة وكانت ساندرا تغني له، فقد كان وقتاً جميلاً يقضيانه معاً يومياً لعدة اعوام. وانفتح هو الآخر، وتحدث أثناء قلقه وهمومه عن العمل، وتقاسم هو وساندرا التقدير العميق لتمويل فريجيدير له، بذلك تمكن من تكملة مسيرته أثناء الأوقات العصبية.
إن هذا التخاطب بين الأب وابنته حدث بطريقة تلقائية أثناء الأوقات الطبيعية حيث تحدث أقوى أنواع الاستجابة، وأثناء أوقات الاسترخاء هذه تكون السيطرة غير كاملة، وتتعمق جذور جميع أنواع التخيلات والأفكار في العقل الباطن، وربما تكون ساندرا قد نسيت كل ذلك حتى وصلنا لتلك السنة التي تم فيها تخاطبنا حيث خرجت الفكرة بطريقة طبيعية وتلقائية.

واستطاعت بصيرة ساندرا أن تنفذ بداخلها بعمق، ودخلت كذلك إلى الجذور العاطفية لمشاعرها تجاه فريجيدير، واكتسبت أنا كذلك نفاذ بصيرة ومستوى جديد من الاحترام، ووصلت لإدراك أن ساندرا لم تكن تتحدث عن الأجهزة بل كانت تتحدث عن والدها عن ولادته – ووفاته باحتياجاته.
وأتذكر أن كلانا دمعت عيناه في هذا اليوم ليس بسبب نفاذ بصائرنا بل يسبب شعور الاحترام المتزايد الذي كان كل منا يكنه للآخر، واكتشفنا أنه حتى الأشياء التي تبدو تافهة لها جذور تمتد إلى تجارب عاطفية عميقة. إن التعامل مع توافه الأمور السطحية دون النظر إلى الأمور الأعمق والأكثر حساسية هو أن تخوض في منطقة مقدسة في قلب شخص آخر.

وقد كان هناك العديد من الثمار الجيدة كنتاج لتلك الأشهر ، وأصبح تخاطبنا قوياً جداً لدرجة أننا تمكّنا من التخاطب مع أفكار بعضنا البعض بصورة سريعة وعندما غادرنا هاواي، قررنا الاستمرار في ممارستنا لهذا التخاطب وواصلنا بارتياد دراجتنا بشكل معتاد أو السيارة إذا كان الجو سيئ أثناء السنوات العديدة، فقد لنتحدث سوياَ، وشعرنا بأن أساس استمرار حبنا هو أن نتحدث وخاصة عن المشاعر، ونحاول أن نتحدث مع بعضنا البعض عدة مرات أخرى كل يوم حتى أثناء سفري فهو مثل الوصول إلى أساس المنزل والذي يدخل كل السعادة والأمن والقيم التي تمليها. فقد كان توماس ولف مخطئ. فيمكنك الرجوع إلى المنزل مرة أخرى – إذا كان منزلك عبارة عن علاقة ثمينة وصحبة غالية.










المرجع: العادات السبع للناس الأكثر فعالية
اسم الكاتب: ستيفن ر. كوفي
دار النشر: مكتبة جرير
سنة النشر: 2004
رقم الطبعة: السادسة
رقم الصفحة: 443-450
كلمات مفتاحية: المنبه – الإستجابة – العالم الداخلي – الخطاب العميق – احترام حاجات الأخرين
أرسل بواسطة: عماد الشيخ حسين
رابط القصة: http://trainers.illaftrain.co.uk/ara...l.thtml?id=181