لكي نفهم قوة هذه المبادئ لابد لنا من أن نفهم ما هو قانون المزرعة؟ ففي الزراعة، كنظام طبيعي، من السهل أن ترى كيف تتحكم قوانين الطبيعة في العمل والمحصول ويظهر ذلك مادياً وملموساً. ولكن في البيئة الاجتماعية، أو التنظيمية، قد نتصور أن بإمكاننا تجاهل هذه القوانين الطبيعية. مثال ذلك أن نتحايل على النظام، ومع ذلك نتوقع المكسب. على سبيل المثال، هل حدث لك أن تركت عملك المدرسي بلا عناية حتى ما قبل الامتحانات؟ وليلة الامتحان سهرت حتى الصباح تحاول أن تحشو كل ما درسته خلال الفصل الدراسي في ذهنك؟

يقول: Stephen "أنا أخجل من الاعتراف بأني كنت أفعل ذلك. لقد نهجت هذا المنهج طوال دراستي حتى البكالوريوس، معتقداً أنني بهذا الشكل من الأذكياء. لقد برعت في الضحك على النظام ومعرفة ما يريده المعلمون. " كيف يضع ذلك المعلم الدرجة؟ حسب ما يقوله في محاضراته، ممتاز. إذاً ما عليك من المراجعة فلا داعي لها. ماذا عن المعلم الآخر؟ إنه يرغمك على قراءة الكتاب. إذن لنبحث عن ملخص لزميل فمنه نحصل على الخلاصة السريعة؟ لقد أردت الحصول على الدرجة العلمية، دون أن أغير من نمط حياتي.

بعد ذلك ذهبت إلى الدراسات العليا. هنا تجد قواعد اللعبة مختلفة تماماً. فلا فرار من العلم الحق والمعرفة العميقة، لذلك حاولت خلال الثلاثة شهور الأولى أن أعوض ما فاتني من التحصيل الذي ضاع خلال أربع سنوات كان يجب أن أدرس فيها بالضبط. وفي نهاية الشهور الثلاثة كنت طريح الفراش في المستشفى أعاني من قرحة في القولون. لقد كنت أضغط على العمليات الطبيعية لتعويض ما فات، واكتشفت أنه على المدى البعيد لا يمكنك النجاح في ذلك.

لقد ظللت لسنوات بعد ذلك أحاول تعويض سوء تصرفي في الماضي عندما ربطت حياتي بنظام بعيد عن المبادئ بالمرة" هل لك أن تتصور عملية "حشو" مثل تلك التي ذكرتها هذه تحدث لو أنك تعمل في مزرعة من المزارع؟ هل يمكنك مثلاً تجاهل رمي البذور في فصل الربيع، ثم تضيع وقتك في الصيف لعباً ولهواً، وتأتي في الخريف لكي تعمل ليل نهار في حرث الأرض وبذر البذور وري التربة ثم تتوقع أن يأتي المحصول الوفير صبيحة اليوم التالي؟!

هذا النمط من النظم الهشة(التي نسميها بالعامية كروته) لا تصلح للأنظمة الطبيعية مثل المزرعة. ها هو الفرق الأساسي بين النظم الاجتماعية والنظم الطبيعية. فالنظم الاجتماعية تبنى على القيم، أما النظم الطبيعية فتبنى على المبادئ. في الأجل القصير يبدو الحشو، والتحايل، والتسرع مجدياً في النظم الاجتماعية. فأنت ستنجز الأمور العاجلة بأساليب تبدو لك فعالة.

ولكن في الأجل الطويل، تأكد أن مبدأ المزرعة سيتحكم في كل حياتك. كم منا، الآن، من يتمنى لو أنه لم يتعجل الانتهاء من الدراسة للتخلص منها بأي شكل؟ لقد حصلنا على الدرجة، ولكننا لم نتعلم بما فيه الكفاية. وأخيراً اكتشفنا أن هناك فارقاً بين النجاح في المرور من خلال النظام الدراسي أيام المدرسة، والنجاح في تطوير عقل الإنسان وتنمية التفكير التحليلي والخلاق العميق، وبناء القدرة على الكتابة،والتعبير، والاتصال. فهذه القدرات هي أدوات الانطلاق وتخطي الأنماط التقليدية للممارسة، وبناء القدرة على حل المشكلات بأسلوب حديث وأفضل.

ماذا عن الشخصية؟ هل يمكنك أن تضغطها هي الأخرى، بحيث تصبح، وبسرعة، شخصاً له الشجاعة والكرامة والعاطفة الجيدة؟ ماذا عن الصحة البدنية؟ هل يمكنك أن تتخطى السنوات التي عشت فيها على الحلوى والأغذية الخفيفة وعدم ممارسة الرياضة، لكي تأتي عشية سباق الجري لكي تقضي الليل محاولاً الاستعداد لهذا السباق؟

ماذا عن الزواج؟ سواء اعتمدت على مبدأ المدرسة، أو مبدأ المزرعة، فالقضية تتعلق بسؤال: إلى أي حد تحتاج أن يستمر هذا الزواج؟

إن أولئك الذين يخافون لا يحبون تغيير نمط حياتهم بعد الزواج. فهم عزاب متزوجون. إنهم لا يأخذون الوقت الكافي لزراعة بذور الرؤية المشتركة مع الطرف الآخر وبناء علاقة تقوم على الإيثار، والعناية بالغير، والحب، والاهتمام. ثم بعد ذلك يعجب هؤلاء من أنهم لا يحصدون إلا الشوك. فالحلول السريعة للجانب الاجتماعي، والاعتماد على الطرق الشخصية المستخدمة في حل المشكلات لا تؤتي ثمارها. هذه الحلول لا يمكنها أن تحل محل العمل والصبر خلال مواسم الزراعة والري والعناية في قانون المزرعة.

ماذا عن العلاقة مع الأبناء؟ يمكن استخدام الطريق الأيسر والأقصر. فنحن أكبر منهم، وأذكى منهم، ونملك السلطة عليهم. لذلك يمكننا أن نصدر إليهم الأوامر، ونهددهم، ونهينهم، ونفرض عليهم إرادتنا. كما يمكننا التهرب من مهمة تربيتهم بإلقائها على المدرسة، أو النادي، أو أي مكان آخر.ولكن بمرور الوقت هل هذه الطرق الأيسر الأقصر تضمن بناء أولادك كأشخاص لديهم المسؤولية، والعناية، والنضج، والقوة لصنع قرارات ذات فاعلية، تضمن لهم العيش في حياة سعيدة. هل هذا الطريق الأيسر والأقصر الذي نستخدمه يرتب علاقات جيدة مع أولئك الذين سيصبحون أقرب الأقربين إلينا؟

على المدى القصير، قد تستطيع ترتيب بعض الأمور بسرعة ويسر وبشيء من النجاح. يمكننا إظهار المهارة والجاذبية، يمكننا استخدام بعض الحيل، والعزف على الأوتار المناسبة للحصول على رد الفعل المناسب. ولكن على المدى البعيد، نجد أن قانون المزرعة يتحكم في كل جوانب الحياة. فلا مجال في المزرعة لتزوير المحصول. وكما يقول SIDNEY BREMER في كتاب روح أبوللو :

إن الطبيعة متوازنة تماماً. لا يمكننا الإخلال بذلك التوازن؛ لأننا نعلم أن قانون السبب والنتيجة هو القانون الدقيق والمطلق للطبيعة. ولكننا نفشل في إيجاد التوازن الخاص بنا، كأمم وأفراد، لأننا لم نتعلم بعد أن هذه القوانين تعمل، بنفس القوة، في الحياة الإنسانية والمجتمع كما تعمل في الطبيعة، فإن ما نزرعه لابد لتا في النهاية أن نحصده.








المرجع: إدارة الأولويات
اسم الكاتب: ستيفن ر.كوفي
دار النشر: مكتبة جرير
سنة النشر:2000
رقم الطبعة:الأولى
رقم الصفحة: 72
كلمات مفتاحية: كما تزرع تحصد – التخطيط – اعتماد الحلول طويلة الأجل – أعط لكل عمل حقه من الوقت –مراعاة قوانين الطبيعة والمجتمع
أرسل بواسطة: بهاء الشيخ علي
رابط القصة: http://trainers.illaftrain.co.uk/ara...il.thtml?id=83