إن هنالك عواطف ترغب في تجربتها نظرا لأنها ممتعة لك ولذلك فانك تتحرك دائما في اتجاهها, فان لدينا قائمة من العواطف التي قد نفعل كل ما في وسعنا لكي نبتعد عنها وأود أن أتحدث هنا عن الفترة المبكرة من عملي حين كنت أبدأ في تكوين شركتي الأولى حيث خضعت لشعور مفعم بالإحباط نظرا لأنني كنت دائم السفر والتنقل وأحاول في نفس الوقت أن أدير عملي في الشركة وقد تبين لي في وقت ما أن شخصا يمثلني لم يكن صادقا تماما معي. تجدر الإشارة إلى أنك آن تعاملت, كما أفعل, مع مئات الألوف من الأشخاص, وحرفيا ومع آلاف الترتيبات في العمل, فان قانون المعدلات يشير إلى أن قلائل لابد لهم من أن يحاولوا استغلالك ولكن ذكرى تصرف هؤلاء الأشخاص هي التي تظل مع الأسف عالقة في دماغك وليس المئات أو حتى الآلاف ممن كانت لك معهم علاقات عمل وكان تعاونهم معك أكبر مما يمكن لك أن تتصور، نتيجة لهذا الوضع المؤلم أخذت أبحث عن مدير تنفيذي جديد يمكنه أن يدير شركتي.

أخذت أسأل كلا من المتقدمين على أساس ما تسلحت به من معرفة جديدة تمكنني من استنباط قيم الآخرين: (ماهو الأمر الأهم بالنسبة لك في حياتك؟ وقد كانت الإجابة بالنسبة للبعض هي (النجاح) أو (الإنجاز) أو (أن أكون الأفضل) غير أن شخصا واحدا استخدم الكلمة السحرية إذ قال (الصدق) لم أكتف بما قاله, بل استفسرت عنه من عدة أشخاص عملوا معه, فأكدوا لي بأنه في منتهى الصدق) وأنه يضع في بعض الأحيان احتياجاته جانبا إذا كان هنالك أي شيء يتعلق بمسألة الاستقامة وقد قلت لنفسي (هذا هو النمط من الناس ممن أود أن يمثلني وقد أدى عمله بصورة جيدة غير أنه تبين لنا فيما بعد أننا نحتاج لمساعد إضافي لكي نستطيع أن ندير عملنا الذي كان يتوسع باستمرار: نحتاج لشخص لديه مهارات إضافية وقد اقترح مديري التنفيذي شخصا يمكنه أن يصبح شريكا له بحيث يمكنهما معا أن يديرا مؤسستي, وقد بدا هذا ممتازا بالنسبة لي.

قابلت هذا الرجل الذي سأطلق عليه اسم السيد سميث (لقد غيرت الأسماء حماية لأشخاص لست أعتبرهم بريئين إلى حد كبير) وقد عرض إمكانياته بصورة مذهلة, حيث بين لي كيف يمكنه استخدام كل مهاراته التي طورها طيلة السنوات الماضية لكي يرفع مستوى شركتي إلى درجة أعلى فهو يستطيع أن يفرغني وأن يتيح المجال لي لاقامة حلقات دراسية أكبر, وأن أوثر في عدد كبير من الناس دون أن أضطر للسفر كثيرا كنت في ذلك الوقت اقضي حوالي 150 يوما من أيام السنة بعيدا عن بيتي لاقامة حلقاتي الدراسية يضاف إلى ذلك أنه لم يكن يريدنا أن ندفع له إلى أن يحقق النتائج التي يتحدث عنها. بدا هذا أفضل ما يمكنني أن أتوقعه, لذا وافقت على ذلك الترتيب, على أن يقوم السيد سميث ومديري التنفيذي بإدارة شركتي.

وبعد مرور عام ونصف استيقظت لأكتشف أن هذا الترتيب أفضل من أن يكون أمرا واقعا في الحقيقة. أجل, لقد توسعت حلقاتي الدراسية, غير أنني كنت قد أصبحت أقضي 270 يوما في السنة بعيدا عن بيتي. وازدادت مهارتي وتأثيري, وساعدت أعدادا من الناس أكبر من أي وقت مضى, غير أنني أبلغت بأن علي ديونا تبلغ 758000 دولار وذلك بعد أن بذلت جهودا أشق من أي وقت مضى في حياتي فكيف يمكن لهذا أن يحدث؟ حسنا الجواب هو أن الإدارة هي الأساس, بالنسبة للشركات كما هي بالنسبة لنا نحن أنفسنا ومن الواضح أنه لم يكن لدى المديرون المناسبون ولكن الأدهى من ذلك أن السيد سميث اختلس ما يزيد عن ربع مليون دولار من خزينة الشركة أثناء فترة الأشهر الثمانية عشر. لقد أصبح يمتلك بيتا جديدا وسيارة جديدة, كنت أفترض أنه حصل عليهما من أعماله الأخرى. ولكنني كنت على وشك مواجهة مفاجأة! إن قولي إنني غضبت أو دمرت بسبب هذه التجربة هي تعابير تحويلية لتخفيف حدة مشاعري. أما التعابير المجازية التي استعملتها حينذاك فهي مثل: (أشعر بأنني طعنت في الظهر) أو لقد حاول أن يذبح أول طفل أنجبه) فما رأيك في هذه الحدة العاطفية؟

ولكن ما حيرني هو كيف أمكن لمديري التنفيذي الصادق أن يقف جانبا دون أن يحذرني مما يحدث لقد كان يعلم به! وهنا بدأت أدرك بأن الناس لا يسعون فقط لتحقيق المتعة ولكنهم يحاولون أيضا الابتعاد عن الألم لقد حاول مديري التنفيذي بالفعل أن يبلغني بأنه قلق من تصرفات شريكه, إذ جاءني بعد فترة غياب امتدت ثلاثة أشهر كنت خلالها أتنقل من مكان لآخر, وفي أول يوم بعد وصولي جاء ليقول لي بأن لديه تساؤلات حول استقامة السيد سميث. أقلقني هذا وقلت له على الفور لماذا يقول فأجاب بأنه حرص على احتلال المكتب الأكبر) لدى انتقالنا إلى مكاتبنا الجديدة وقد كان هذا التصرف من الدناءة بحيث إنني شعرت بغضب شديد وقلت له: (اسمع لقد كنت أنت الذي جاء به للعمل معنا, ولذا فان عليك أن تعالج أمره شخصيا) وخرجت غاضبا لقد كان علي أن أدرك في ذلك اليوم أنني أعطين هذا الرجل ألما في الوقت الذي كان يحاول فيه إعطائي معلومات فقد حال إرهاقي وتوتري دون تفهمي للموقف بحيث فشلت في تقييم المعاني الأعمق لما يحدث وكأنما هذا الأمر لم يكن من السوء بما فيه الكفاية فقد جاءني مديري التنفيذي الصادق ثانية لكي يبلغني بمعلومات مماثلة, فما كان مني إلا أن قلت له أنه لم يكن من باب الصدق تماما, بالنسبة له أن يأتي ليبلغني بهذه الأمور بدلا من أن يفعل ذلك مع السيد سميث واندفعت إلى مكتب سميث وقلت (لقد قال لي كذا وكذا عنك, وعليكما معا حل هذه المشكلة! فهل تتصور مدى الألم الذي تلقاه من السيد سميث؟

حين أستعيد هذه التجربة الآن فإنني أستطيع أن أرى بوضوح لماذا كان يبلغني بالحقيقة إذ أن إبلاغي بالحقيقة – بأنه جاء بشخص إلى شركتي, وأن هذا الشخص قد اختلس ربع مليون دولار – كان يبدو له بأنه أكثر إيلاما على المدى القصير من تأجيل البحث في الموضوع ومحاولة العثور على طريقة أخرى لمعالجته في النهاية.

كما أنني حين أستعيد كل الانزعاجات التي عانيتها مع هذا المدير التنفيذي يمكنني القول بأنها كانت دائمة لأنه لم يفعل الأشياء التي كان عليه أن يفعلها لسبب بسيط وهو أنه كان يريد أن يتجنب الشعور بالمواجهة, إذ إن هذا كان يمثل الألم الأقصى بالنسبة له ولذا فانه ببساطة لم يبلغني بما يجب علي أن أعلم, وكان يبرر ذلك لنفسه, بأنه صادق في ذلك لأنني لم أسأله قط فيما إن كان السيد سميث يأخذ مالا لو أنني سألته لأبلغني بذلك!

وعلى الرغم من أن تلك الوضعية أثارت غضبي الشديد, ومن أنها كانت مؤلمة من الناحية المالية والعاطفية, فأنها زودتني بأحد أهم الدروس التي تلقيتها في حياتي لأنها أعطتني واحدة من الأجزاء النهائية التي تمكني من استكمال أحجية فهم السلوك الانساني. إذ أن فهم القوتين التوأمين, أي الألم والمتعة لم يمكنني فقط من التأثير إيجابيا على نفسي وعلى عائلتي, بل كذلك التأثير, وبدقة أكبر, على كثير من الناس حول العالم.







المرجع: أيقظ قواك الخفية
اسم الكاتب: انتوني روبنز
دار النشر: مكتبة جرير
سنةالنشر:2003
رقم الطبعة: الخامسة
رقم الصفحة: 381-384
كلمات مفتاحية: التوافق مع القيم – الألم – المتعة – إدارة – التعابير المجازية
أرسل بواسطة: أحمد الخطيب
رابط القصة: http://trainers.illaftrain.co.uk/ara...l.thtml?id=254