السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


كيف تعاقبي طفلك حسب عمره؟


فلنعد إلى الوراء؛ إلى مرحلة الطفولة، إلى اللحظات النادرة حين قمتِ بامتحان صبر والدتك بأعمال مشاغبة تجعلها تريد الصراخ! وقبل أن تشتعل تقول: حذار، أنتِ تمتحنين صبري الذي يكاد أن ينفذ. ومن الممكن أن تستمر مشاغباتك التي قد تؤدي إلى قول والدتك: اذهبي وهاتي لي العصا أو الحزام اللاسع!


التربية هي التعليم والتوجيه، ولا تعني العقاب والتقريع بل تعليمهم ما نتوقعه منهم من خلق. التأديب يتطلب إيجابية، دعم، علاقة محبة بين الوالدين، كذلك اتقان فن المديح لتعزيز التصرفات المرغوبة وإيصال فكرة النتائج المترتبة عند مخالفة أي قوانين منزلية.. هذه النتائج أو العواقب هي العقاب.


بالرغم من أن العقاب هو جزء صغير من مراحل التأديب والتربية، فهو أداة هامة لتنبيه الأطفال أنهم قد أقدموا على قرار سيء وأن عليهم أن يتذكروا عدم تكراره. إذن العقاب هو طريقة لتصحيح التصرفات السيئة وتفاديها مستقبلاً، ولا يجب استعماله انتقاماً أو عناداً أو وقت الغضب.


هناك أنواع متعددة للالعقاب. منها التأديب اللغوي والاستنكار والضرب الخفيف ويجب أن يستعمل الأخير كآخر حل. والعقاب يجب أن يناسب العمل والعمر والقدرات. فطريقة عقاب طفل عمره 4 سنوات لن يناسب من هو في عمر 14 سنة.


إذن ما المتوقع من أطفالك بالأعمار المختلفة؟ متى تعاقبي طفلك؟ وكيف؟ هنا سأعرض بعض التصرفات السيئة خلال مراحل العمر والعواقب:


4-6 سنوات




في هذا العمر، يكون الطفل في مرحلة الاستكشاف، خاصة استكشاف حدوده واختبار ردات فعل من حوله. خلال هذه السنوات ستواجهك الكثير من المواقف التي تظهر عدم المسؤولية واللا مبالاة، مثل أن يسقط الحليب على الأرض ولا يبالي الطفل، ملابس ممزقة، ألعاب مكسرة! هذه الأفعال يجب أن تصحح، ولكن لا تعاقب عقاباً شديداً. مع هذا العمر، أكثر ما يناسب هي نظرة "الغير رضا"، وبضع كلمات حازمة تؤدي الغرض.
وطريقة أخرى هي تصحيح الطفل لخطئه بنفسه، فإن سكب الحليب، ينظفه. الطفل الأصغر سناً (4 سنوات) إن كسر صحنه، فعليه أن يساعد حول المنزل بالمزيد من الأعمال المضافة على واجباته المنزلية لتعويض هذا الطبق.


الأطفال في هذه السنوات يتصرف تصرفات-رغم أنها طبيعية لهذا السن-إلا أنها تضايق بشكل كبير، الطفل بعمر 4 سنوات ممكن أن يشتم، طفل الخمس سنوات يبدأ بالتحدي والعناد، طفل الست سنوات يرفض تنفيذ ما عليه عمله مثل الاستحمام أو جمع ألعابه. فالطفل في هذا السن يعرف تمام المعرفة ما المطلوب منه أن يفعل أو لا يفعل ويستطيع تنفيذه ويرفض ذلك عمداً، هنا يأتي دور البحث عن عقاب..


في هذا العمر، العقاب المقترح هو الانفراد والبقاء في مكان واحد لفترة زمنية محددة مع تجاهل أي صوت يأتي منه مثل بكاء أو زن. هذا النوع من العقاب يساعد الطفل خلاله تعلم السيطرة على النفس والتفكير في أسباب هذه التصرفات التي قام بها!!. عندما يسيء الطفل التصرف، ممكن أن يقول الوالد: "أنت بحاجة إلى بعض الوقت بمفردك لتصبح قادراً على التفكير وتهدئة نفسك. هل تريد الذهاب بنفسك إلى هناك أم آخذك أنا؟ بإمكانك العودة إلى هنا عندما تشعر أنك أصبحت بحال أفضل".


من 6 إلى 10 سنوات




الأطفال في هذا العمر لديهم قدرة أكبر على السيطرة على تصرفاتهم وبإمكانهم تنفيذ القوانين ببساطة أكبر ويعرفون حدودهم جيداً. خلال فترة نموهم، يقوم الآباء بزيادة الأعباء والمسؤوليات على عاتقهم لا شعورياً. وبما أنكِ الوالدة أو الوالد.. فبالطبع يجب أن يقوم الطفل بتنفيذ هذه المهمام وبلا تردد.. أليس كذلك؟!


هناك طريقة تجعل طفلك ينفذ هذه الإرشادات بلا معركة، وهي أن لا تطلبي منه شيئاً بشكل مفاجئ وهو منشغل بنشاط ما، مثل مشاهدة برنامجه المفضل، بل عرفيه مسبقاً أنه عندما ينتهي البرنامج ، يجب أن يقوم بلبس ملابسه والذهاب للنوم. إن كان لا يزال يشاهد برنامجاً آخراً ولم ينفذ الطلب، هنا يكون الوقت لأخذ موقف حازم. ودائماً يجب أن يكون تصرفك سريعاً حتى يعرف الطفل أن هذا التصرف من قبلك تابع لتصرفه الحالي فيقوم بربط الأحداث ببعضها وفهمها للمستقبل.


أولاً، اشرحي له لمَ يجب أن يستمع لكلامك: "يجب أن تفعل ما أقوله لك بالضبط" وأخبريه عن الأسباب: "لأن النوم صحة، وووو...". ممكن استخدام الـtime out ولكنه لا يعمل بكفاءة بعمر أطفال المدارس. المنطق هنا أفضل. هنا تربطين ما بين التصرف السيء والنتائج، فبسبب عدم استجابته في الذهاب للنوم، ستضطرين لمنعه من مشاهدة برنامجه المفضل في اليوم التالي.


وهناك طريقة أخرى تتعلق بالعواقب الطبيعية، وهذا بعمر المدرسة، بمعنى أن أخطاء الطفل فرص تعليمية له، ويجب أن يترك الآباء النتائج تلعب دورها تلقائياً. مثلاً إن نسي الطفل بحثه في البيت، لا تركضي إلى المدرسة وتأخذيه له، فهذه مسؤوليته وسيتعلم منها أن لا ينسى شيئاً ولا يعتمد على والديه لحل كل مأزق. ولكن يتصرف الوالدان حسب الموقف، فإن كانت النتائج المترتبة فورية، فلا بأس من المساعدة، بمعنى إن كان الموقف يشكل خطراً سريعاً على الطفل مثل أن يضربه المدرس بسبب إهماله، فيجب تفادي هذا مع شرح الموقف للطفل وأهمية عد تكراره، أما إن كان معنى هذا الموقف رسوبه بهذا البحث، فيجب أن يتعلم من هذا الخطأ بنفسه.. وهنا تركتِ الموقف يأخذ مجراه الطبيعي بلا تدخل وهذا سيعلم الطفل.


كذلك موقف نسيانه الطعام في المنزل، لا تركضي إلى المدرسة خوفاً من أن يجوع وإلا أهمل في كل مرة، فالطفل لا يموت من الجوع.. ولكن إن كان مريضاً ويحتاج إلى طعام معين مثل مرض السكري لا قدر الله، هنا يحتاج الطفل إلى تصرفك السريع لأن هذا خطر عليه، أما الموقف الأول فما من خطر ولا يحتاج إلى تصرفك، بل الظروف تتصرف وحدها.


من سن 10 إلى 14




في هذه الأعوام، سيواجه الوالدين أصعب المراحل التربوية والتحديات. فهو وقت اقتراب الطفل إلى مرحلة البلوغ، والبدن يتحول من حالة إلى أخرى باستمرار، كذلك نفسية الطفل تتقلب كثيراً، فلحظة هو في حالة هدوء وسكينة، ولحظة أخرى متوتر وحساس وردات فعله غير متوقعة.


ذو العشرة أعوام يتصرف بعض الأحيان بعنف، 11 سنة يتحدى القوانين، 14 سنة ربما يتحدى العادات والتقاليد والقيم. هذه التحديات هي وضع طبيعي وجزء من مراحل النمو، وإن حاول الوالدان التخفيف من ردات فعلهما، ثم التوجيه وإظهار وجهات النظر بتفهم، فهذا سيخفف جداً من حدة المواجهة بين الطرفين.


ولكن هذا لا يعني تجاهل التصرفات السيئة، كذلك لا يعني أن يتسرع الآباء بالتصرف فوراً ومن أول مواجهة لموقف سيء بعصبية ومبالغة؛ يجب منح الفرص لتصحيح الخطأ، والمطلوب هنا المناقشة بهدوء، ومعرفة أسباب الخطأ، طبعاً هذا طالما أن الخطأ لا يخص القانون أو الخلق والدين، ومع إظهار سبب عدم الرضا عن هذه التصرفات.


كما أن الاستماع للمراهق هام جداً، ولا بأس من التحاور والوصول إلى حل وسط، بحيث يسمح الوالدان بأشياء مقابل التعاون من الطفل "سأسمح لك بكذا، ولكن عليك أن تثبت أنك جدير به وتكون قدر المسؤولية ولا تخالف الاتفاق"، وبموافقته، فليعطِ الوالد بعض القوانين التي تناسب عقل ومرحلة نمو هذا الطفل، ثم يوضح أن هذه القوانين لا يجب أن تخالف، فإن حدث بالمقابل سيخسر الطفل بعض الامتيازات.


عادة هذه الخطة تنجح مع عمر المراهقة. ممكن أن تكون هذه الخسارة تخص حرمان من الهاتف، التلفزيون، أو الكمبيوتر ليوم أو أكثر، حسب الخطأ، وإن كان أكبر، ممكن حرمان من التدريب على قيادة السيارة لعدد من الأيام. وكله يجب أن يتم بهدوء وتفهم وبلا جدال بصوت عالٍ. وحتى تنجح هذه الخطة، يجب أن يفهم الطفل معنى امتيازات، يجب أن يتم شرح هذه المعاني حتى يتفهم الطفل أن هذا العقاب ليس بسيطاً، فهذه الامتيازات منحت له من البداية كمحبة نابعة من الوالدين، ولكن عندما يقبل الطفل على مخالفة القوانين العائلية، يحرم من هذه الامتيازات لفترة زمنية، وبالطبع سيشعر الطفل أنه أخطأ وسيحاول أن لا يكررها مرة أخرى، أنا شخصياً قد جربتها مراراً وتنجح في كل مرة.


ولا يجب أن ينسى الوالدان أن العقاب جزء من التربية، وأنها أيضاً نابعة من المحبة، ويقابلها التشجيع وإظهار الإيجابيات التي تبني الثقة بالنفس والتي تثبّت القوانين العائلية بشكل دائم.


التصرفات التي لا يجب أن يعاقب الطفل عليها في أكثر الأحيان:




• تبليل السرير خلال النوم. هذا تصرف نفسي ولا يتصرف به الطفل بإرداته، ومن النادر أن يتغير بالمكافأة أو العقاب.


• مشاكل الكلام. أحياناً يظن الأهل أن الطفل يتكلم ويتلعثم ببعض الكلمات تحبباً أو بقصد لجلب الانتباه، فيعمد الوالدان إلى عقاب الطفل حتى لا يكرر الكلام بهذه الطريقة، ولكن أكثر هذه الحالات تحتاج لتشخيص طبي، فبعض الأطفال لا يملكون قدرة على التطور مثل غيرهم من الأطفال.


• الحوادث. بعض الحوادث لا تكون متعمدة، مثل انسكاب الحليب على الأرض، يكون عادة السبب هو الإهمال، وفي هذه الحال، لا نعاقب الطفل بحرمانه أو أخذه لغرفته، بل نقول له أن عليه أن ينظف المكان، بكل بساطة، وإن كان كسراً لشيء ممكن تصليحه، نخبره مكان الأدوات لتصليحه.


• التوتر والغضب عندما يكون السبب التعب أو المرض.


• تقارير المدرسة إن لم تكن كاملة. لا يجب أن يعاقب الطفل إن لم يحصل العلامات النهائية كما اعتاد، ولكن ممكن توضيح ما المتوقع منه، مثل أن نخبره أننا نتوقع قيامه بعمل واجباته قبل اللعب واللهو في المنزل. إن كانت إنجازاته أقل من قدراته، ربما تكمن المشكلة بإهمال الطفل مما يحتاج إلى التوجيه ثم يقوم بتهذيب نفسه وترتيب برنامجه وتنسيق وقته لإنجاز أفضل.


• المشاكل المرضية والنفسية مثل مرض كثرة الحركة وقلة التركيز والفهم. طفل بهذه الحالة تواجهه الكثير من المصاعب، ويصعب عليه السيطرة على الوضع والتعلم من الأخطاء، حتى لو حاول أن يقوم بالعمل الصائب، تكون النتيجة خاطئة عن غير عمد. كذلك الأدوية، بعضها تسبب تقلبات في الطفل، هذه الحالة تحتاج للكثير من التوجيه والتدريب والتعليم للتقدم والقدرة على التغلب على مصاعب الحياة. تربية طفل من هذا النوع هو فن واختبار للصبر.


• عدم إتقان الرياضات البدنية. عدم قدرة الطفل على النجاح في لعبة رياضية أو الحصول على مركز في فريق، لا يجب أن يعاقب أو ينظر له بأولوية في المنزل. بل لا يحتاج طفلك هنا إلا للدعم والتشجيع، وهو أهم ما يمكن أن يقدمه الوالدان.