صاح وبكى ، واحمر وجهه وأذناه وهرب منه الكلام ، ولما حاول التكلم جف حلقه ، وارتعشت يداه ، وزادت سرعة نبضات قلبه .. بل أحيانًا يكاد يغمى عليه ... ما الحل ؟
طفلي مدهش ، كثير الحركة ، ذو نشاط جم وحب للسيطرة داخل البيت فقط ، وأما خارج البيت فيبدو خجولاً منطويًا لدرجة أنه يخفي رأسه إذا رأى شخصًا يعرفه في مكان ما بل يشتد خجله إذا حادثه ، إنني لا أدري كيف أتعامل معه ، إذ أخشى أن تزيد حالته سوءًا .
طفلي يبكي ويصرح ولا يتكلم ، إذا زرنا أحدًا أو زارنا أحد ، مما يزيد إحراجي . طفلي ينقصه التركيز ، ولا يحب كثرة الناس في المكان ، إنه لا يحب المباراة والمنافسة خوفًا من ان يتغلب عليه الآخرون .
طفلي لا يحب اللعب مع الأطفال ، حاولت مرارًا تأنيبه ، ولكن حالته في ازدياد ، إنه يلعب مع أطفال البيت فقط ، أما الغرباء فلا يحب الاجتماع بهم .
طفلي يعرف إجابة السؤال الذي يطرحه معلمه في الصف ، لكنه لا يجرو على الإجابة .. أخاف أن يقلل هذا من سعادته ، أو يُفقده حب الناس له .
كلي أمل في الحياة أن أراه سعيدًا في الدنيا والآخرة .. ما الحل ؟!
هذه الأشياء هي الأعراض المذمومة للخجل والتي قد يتعرض لها طفلنا العزيز وتصاحبه طوال حياته إذا لم تعالج بحكمة .
إنها أعراض قد تبدأ مع الطفل في أي لحظة من السنوات العشر الأولى ، وقد تستمر معه إذا لم تعالج بحكمة وصبر .
حقًا ، إنها مشاكل كبيرة يسببها الخجل للطفل ؛ فالطفل الخجول يجد صعوبة في تكوين علاقة طيبة مع من حوله ، أو عقد صداقات سريعة من أقرانه .
وقد يُفضي الخجل بالطفل إلى الخوف والرهبة واضطراب الأعصاب ، وكذلك إلى الخوف من القيام بأي عمل خشية الإخفاق ، وقد يجد صعوبة في التركيز فيما يجري حوله ، ولا يعرف كيف يواجه الحياة منفردًا ، وخاصة عند دخوله المدرسة ، فقد يشعر بعدم الرضا عن نفسه ؛ فلا يتجرأ على طرح الأسئلة خوفًا من الرفض أو الصد . لذلك فإن الباحثين يهتمون بهذه الظاهرة لما لها من آثار سيئة على نفسية الطفل .
وقد تتضمن بعض شكاوى الآباء أن الطفل يعاني من الحياء ؛ فإن كان المقصود من الحياء هو ما ذكرنا من الأعراض السابقة ، فهناك خطأ في التعبير ؛ فذاك هو الخجل المذموم ، وإن كان المقصود بالحياء الأدب أمام الكبار ، وعدم التحدث أمامهم لغير حاجة ، ونحو ذلك ، فإن ذلك هو الحياء الذي هو خُلق رسول الله صلى الله عليه وسلم [ أشدُ حياء من العذراء في خِدرها ] (رواه مسلم ).
وقد مرَّ صلى الله عليه وسلم على رجل يعاتب أخاه في الحياء فقال له صلى الله عليه وسلم : [ دعه فإن الحياء من الإيمان ] .
وينبغي أن ينمي الأب خلق الحياء في نفس طفله حيث إنه من اخلاق الفطرة .
ولكن ما الأسباب والدوافع التي تؤدي بالطفل إلى ذلك الخجل المذموم ؟؟
1. العامل الوراثي :
يرى فريق من الباحثين ، أن فسيولوجية الدماغ عند الأطفال المصابين بالخجل هي التي تهيؤهم لتلك الاستجابة . من هنا فإن العامل الوراثي بالإضافة إلى البيئة المحيطة له أثره ، كذلك فإن الاضطرابات الانفعالية والعاطفية والحالات النفسية التي تعاني منها الأم خلال مرحلة الحمل ، قد تؤثر على نمو الطفل ، وتهيؤه لظهور حالة الخجل لديه في مستقبل حياته .
2. طريقة تعامل الوالدين مع الطفل :
بالإضافة إلى العامل الوراثي فإن الوالدين مسؤولان عن إصابة الطفل بالخجل دون أن يشعرا ، ويحدث هذا من خلال مواقف بسيطة ، أو ملاحظات عابرة ، لا يشعران بتأثيرها على الطفل .
فقلق الأم الدائم والزائد على طفلها ولهفتها عليه من أكبر أسباب تكون الخجل لدى الطفل ، فهي لشدة حبها له تجعل عينيها دائمًا على كل تصرفاته ، بهدف حمايته وهي لا تدري أنها بذلك تحول دون انطلاقه بغير قصد منها ، مما يجعله لا يستمتع باللعب أو الجري ، لأنه يتوقع في كل لحظة أن يُصاب بأذى فيفضل البقاء بجانب أمه منطويًا .
3. الخلافات بين الزوجين :
تسبب مخاوف غامضة للطفل ، وتجعله لا يشعر بالأمان ، مما يؤثر على نفسيته ، وقد يصل في هذه الحالة إلى الإنطواء ويلوذ بالخجل .
4. إثارة الغيرة لدى الطفل :
وذلك بالمقارنة بينه وبين أحد أقرانه ، أو أشقائه ، إذا كان متفوقًا في أي جانب من الجوانب وذلك بمدحه على ذكائه ،أو حسن تصرفه وخاصة أمام الآخرين مما قد يُشعر الطفل بالإحباط والحرج ويؤدي إلى شعوره الشديد بالخجل .
5. القسوة في العقوبة :
وذلك بمعاقبة الطفل لمجرد ارتكابه أي خطأ ، أو تقصير في أداء الوظائف المنزلية ، أو انخفاض درجات الاختبار .
6. مشكلات خاصة :
كأن يكون مصابًا بعيب خَلقي ، أو مرض مزمن ، أو عيب في النطق ، مثل التأتأة ، فيشعر الطفل أنه أقل من نظرائه ويبتعد عنهم ولا يشاركهم نشاطهم .
كل ذلك يؤدي إلى شعور بالنقص أو التقليل من قيمة نفسه ...
وهذا أصل الخجل .