(فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرت اللَّه التي فطر الناس عليها لا تبدليل لخلق اللَّه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون) (الروم: 30). هذه الفطرة هي من الألطاف الإلهية التي خصَّ اللَّه تعالى بها الإنسان من بين جميع المخلوقات، فعن زرارة سألت أبا عبد اللَّه عن قوله تعالى «فطرت اللَّه» فقال: «فطرهم جميعاً على التوحيد»(1).


وهذه الفطرة هي التي أرادها اللَّه سبحانه وتعالى أسلوباً للحياة ومنهجاً لها، والوسيلة التي يتبعها الإنسان في علاقته مع ربه، ومجتمعه، ونفسه. ولكن هذه الفطرة قد تتعرض للانتقاصات وقد تتعلق بها الشوائب فتمنعها من تأدية الدور الذي أراده اللَّه سبحانه وتعالى لها منذ تكوينها في نفس الإنسان، لذلك دعا الإسلام الوالدين إلى اعتماد التربية الدينية كقاعدة أساسية في تربية الأطفال، ليجعل منهم أفراداً صالحين. وحتى يكونوا ريحانة من رياحين الجنة وزينة للحياة الدنيا، والحياة الآخرة.




الإيمان أساس التربية
إن الأساس الأول الذي يجب تعليمه للطفل في سبيل التربية الصحيحة؛ هو اشعاره بوجود اللَّه والإيمان به.


والحاجة للإيمان باللَّه موجودة في باطن كل إنسان بفطرته الطبيعية، فعندما يبدأ جهاز الإدراك عند الطفل بالنشاط والعمل ويأخذ في السؤال عن علل الأشياء ومنشأ كل منها، فإن نفسه الطاهرة؛ وغير المشوبة؛ تكون مستعدة لتلقي الإيمان بخالق العالم وهذه الحالة هي أشد الحالات طبيعية في بناء الطفل.


وعلى القائم بالتربية أن يستفيد من هذه الثروة الفطرية، فيفهم الطفل أن الذي خلقنا، والذي يرزقنا والذي خلق جميع النباتات والحيوانات والجمادات، والذي خلق العالم وأوجد الليل والنهار، هو اللَّه تعالى... وأنه يراقب أعمالنا في جميع اللحظات فيثيبنا على الحسنات ويعاقبنا على السيئات.


إن هذا الحديث سهل جداً وقابل للاذعان بالنسبة للطفل ونفسه، فنراه يؤمن بوجود اللَّه في مدة قصيرة ويعتقد به(2).




أثر الإيمان في نفس الطفل
إن للإيمان باللَّه أثرين مهمين:


الأول: أنه يعمل على إحياء أعظم واقعية روحانية، أي الفطرة العقيدية، ويقوي ركائز السعادة الواقعية للإنسان.


الثاني: أن جميع الفطريات الروحية والفضائل الخلقية تستيقظ في ظل القوة التنفيذية للإيمان وتتحقق في الخارج(3).


إن التربية الإيمانية باللَّه التي نسلِّح بها الأطفال، منذ البداية تمنحهم إرادة قوية وروحاً مطمئنة.




التربية الإيمانية واجب على الآباء والمربين
من واجبات الوالدين والمربّين أثناء قيامهم بالمهمة التربوية، تنمية المشاعر الإيمانية والخلقية في نفس الطفل من خلال ايقاظ فطرة عبادة اللَّه بواسطة العبادات التمرينية وتشجيعهم على اتباع الأوامر الإلهية والارتباط بالخالق العظيم، وقد ورد في هذا الموضوع أحاديث وروايات كثيرة عن الرسول (ص) والأئمة الأطهار (ع).


عن الرسول (ص) أنه قال: «إن المعلم إذا قال للصبي بسم اللَّه كتب اللَّه له وللصبي ولوالديه براءة من النار»(4).


ويقول الإمام السجاد (ع): «إنك مسؤول كما وليته به من حُسن الأدب والدلالة على ربه».


لقد استأثر موضوع التربية الدينية للأطفال بقسط وافر من اهتمام الرسول الأعظم (ص) إلى درجة أنه تبرأ من الآباء المهملين لهذه المهمة ولهذا الواجب، وهو يقول في هذا الأمر: «ويلٌ لأولاد آخر الزمان من آبائهم! فقيل: يا رسول اللَّه، من آبائهم المشركين؟ فقال: لا، من آبائهم المؤمنين لا يعلمونهم شيئاً من الفرائض، وإذا تعلّم أولادهم منعوهم ورضوا عنهم بعرضٍ يسير من الدنيا. فأنا منهم بري‏ء وهم مني براء»(5).