من المراحل المهمة في عمر الأطفال هي تطور الطفل بعد السنة الاولى فهي المرحلة الأساسية لتكوين شخصية الطفل واهنماماته وبنيته الجسدية، فيركز الأطباء على هذه المرحلة ويذكرون لنا تطور الطفل بعد السنة الأولى كالآتي:


عمر 12-18شهراً:


- التطور الجسدي :
يبطؤ معدل النمو بشكل أكبر في السنة الثانية من العمر وتنقص الشهية أيضاً . إذ يحترق (( شحم الرضيع )) بسبب زيادة الحركة ، ويؤدي القعس القطني الزائد لبروز البطن. بينما يستمر نمو الدماغ مع التغمد بالنخاعين خلال هذه السنة .


يبدأ معظم الأطفال بالمشي دون مساعدة حوالي عمر السنة ، ولا يمشي بعضهم حتى عمر 15شهراً، أما الأطفال شديدي الحركة والنشاط وغير الخائفين فيميلون للمشي بعمر أبكر، في حين يتأخر مشي الأطفال الأقل حركية والأشد جبناً وأولئك الذين ما زالوا مشغولين باستكشاف الأشياء بتفاصيلها . لا يترافق المشي الباكر بتقدم التطور في الميادين الأخرى.


يبدأ الرضع مشيهم بخطوات واسعة القاعدة مع ثني الركبتين ، وعطف الذراعين عند المرفق، ويدور بحمل الجذع مع كل خطوة ، قد تتجه أصابع القدمين للداخل أو الخارج وتضرب القدم سطح الأرض. تؤدي تعديلات تحسينية لاحقة في المشي إلى ثبات أكبر وفعالية أكثر كفاءة، وبعد عدة أشهر من التدريب يعود مركز الثقل إلى الخلف ويصبح الجذع أشد ثباتاً، في حين تنبسط الركبتان وتهتز الذراعان على جانب الجسم مع كل خطوة تحقيقاً للتوازن ، ويصبح ارتصاف أصابع القدمين أفضل، ويصبح الطفل قادراً على التوقف والدوران والانحناء دون أن يتمايل فاقداً توازنه.


التطور في المعرفة :
يتسرع استكشاف الأشياء بسبب تمام نضج عمليات الوصول إليها والإمساك بها وتركها، ولأن المشي يسمح بالوصول للأشياء الجذابة . يجمع الطفل في أول سن المشي ( الدارج ) بين الأشياء بطرق غريبة لإيجاد تأثيرات سارة، مثل رصف المكعبات أو وضع الأشياء في التجويف الخاص بشريط التسجيل في جهاز الفيديو. كما يرجح استخدام أدوات اللعب في الغايات المقصودة منها ( مثل استخدام المشط للعشر والكوب للشرب). وبعد تقليد الأبوين والأطفال الأكبر نمطاً هاماً في التعلم. يتركز لعب الادعاء على جسم الطفل ( مثل التظاهر بالشرب من كأس فارغ ) .


تطور سلوك الطفل من 1 الى 5 سنوات :


- التطور الانفعالي :
قد يصبح الأطفال سريعي الاستثارة عندما يقتربون من المعلم الأول في خطواتهم التطورية، فعندما يباشرون المشي تتغير الأمزجة المسيطرة عندهم بشكل ملحوظ . يوصف الأطفال في سن الحبو ( الدارجون ) بأنهم (مغرمون ) بقدرتهم الجديدة والجهد الذي يبذلونه للسيطرة على المسافة بينهم وبين والديهم. يحوم الأطفال الدارجون حول والديهم كما تدور الكواكب حول الشمس ، ويتحركون مبتعدين وهم ينظرون للخلف، فيتحركون مبتعدين أكثر ثم يعودون ليكتسبوا الأمان مجدداً من خلال ملامستهم للأبوين . وفي الأوضاع غير المألوفة تكون تحركات الأطفال ذوي المزاج المتصف بالخوف محدودة أو أنهم لا يتحركون بعيداً عن والديهم، وفي حال كون الأوضاع مألوفة قد يحوم الطفل الجريء بعيداً عن مجال نظر والديه.


إن قدرة الطفل على الاعتماد على أحد الأبوين ( كقاعدة أمان ) للاستكشاف تعتمد على علاقة الارتباط بينهما، ويمكن تقييم هذا الارتباط يجعل الوالدين يتركان طفلهما في غرفة ألعاب غير مألوفة بالنسبة له ( وضع غريب عنه ) ، وفي هذه الحالة يتوقف معظم الأطفال عن اللعب ويبكون ويحاولون اللحاق بالوالدين ، وعلى كل حال تعتبر النتيجة ذات الأهمية الأعظم هي رد فعل الطفل على عودة والديه . حيث أن الأطفال ذوي الاربتاط الوثيق مع الوالدين يعودون مباشرة للتمسك بوالديهم، والشعور بالراحة ، ويصبحون قادرين على العودة للعب. أما الأطفال ذوي الاربتاط المتناقض وجداناً فيعودون لأبويهم لكنهم يقاومون شعورهم بالراحة قد يضربون أبويهم بغضب. أما الأطفال المصنفين بأنهم معزولون فقد لا يرتكسون عندما يغادر الأبوين وقد ينصرفون عنهما عندما يعودان قد تعكس أنماط ردود الفعل غير الآمنة خططاً يطورها الأطفال لمواجهة المعاملات الوالدية العقابية أو غير المسؤولة ، وقد تنذر بمشاكل انفعالية واستعرافية لاحقة . ما زال الجدل مستمراً حول الكيفية التي تؤثر بها مزاجية الطفل وتجربة الانفصال السابقة له على تفسير نتائج الوضع الغريب الناشئ.


التطور في اللغة :
تسبق اللغة الاستقبالية اللغة التعبيرية. ففي الوقت الذي يتكلم فيه الرضيع أول كلماته ( حوالي عمر الشهر الثاني عشر ) فإنه يكون قد استجاب لعدد من العبارات البسيطة مثل ( لا ) و ( باي باي ) ، و( أعطني ). وفي حوالي الشهر الخامس عشر من العمر يشير الطفل عادة إلى أقسام الجسم الرئيسية ويستخدم 4-6 كلمات بشكل عفوي وصحيح ، بما فيها الأسماء الصحيحة. كما يستمتع الطفل بهذا العمر بلفظ كلمات عديدة المقاطع غير مفهومة ولكنه لا يبدو منزعجاً من عدم فهم أحد له . ويستمر معظم التواصل المتعلق بالطلبات والأفكار بشكل غير لفظي.


ردود فعل الوالدين :
عندما يبدأ الطفل بالمشي يميل الأبوان اللذان لم يتمكنا من متابعة أي من المعالم التطورية عند طفلهما بتذكر هذه المعالم، وذلك للقيمة الرمزية للمشي كفعل معبر عن الاستقلالية ومع ازدياد قدرة الطفل على التجول بعيداً عن مرأى والديه تزداد صعوبة الإشراف عليه وتزداد مخاطر حدوث الأذية . وعندما يكون المشي متعذراً بسبب عجز جسدي فعلى الوالدين ومقدمي الرعاية تسهيل اكتشاف الطفل لما حوله ومساعدته لتحقيق سيطرة أكبر على الانفصال والقرب.


وقد يكون من الممكن – وفي عيادة طبيب الأطفال- ملاحظة أنماط من الاستجابة مشابهة لتلك المشاهدة في حال تعرض الطفل لوضع غريب (كالمذكور مسبقاً ) . إذ يكون العديد من الأطفال الدارجين مرتاحين في استكشاف غرفة الفحص لكنهم يتعلقون بالأبوين عند تعرضهم للشدة الناجمة عن الفحص . قد يكون الأطفال الذين يصبحون أكثر تعرضاً للشدة ( وليس العكس) حين يحملون على ذراعي والديهم أو الذين يرفضون الوالدين في أوقات الشدة ذوي علاقات ارتباط غير وثيقة مع الوالدين. أما الأطفال الصغار الذين يلجئون حين التعرض للشدة إلى الغرباء طلباً للارتياح رغم وجود أبويهم فيعد وضعهم بشكل خاص مقلقاً.


عمر 18-24 شهراً:


التطور الجسدي :
يعد التطور الحركي متسارعاً خلال هذه الفترة من العمر مع تقدم في مجالات التوازن والرشاقة وظهور الجري وصعود الدرج . يتزايد الطول والوزن بمعدل ثابت مع أن نمو الرأس يتباطأ قليلاً .


التطور في المعرفة :
تحدث في حوالي الشهر الثامن عشر عدة تغيرات استعرافية تحدد جميعها نهاية الفترة الحسية الحركية. يتعزز جيداً استمرار وجود الأشياء المادية، ويتوقع الطفل الدارج المكان الذي وضع فيه جسم ما ولو لم يكن الجسم مرئياً بالنسبة له حين وضعه. يزداد تفهم مبدأ السبب والنتيجة ، كما يبدي الطفل مرونة في حل المشاكل، باستخدام عصا للحصول على دمية بعيدة عن متناول يده ويشير إلى كيفية ربط لعبة آلية بغية تشغيلها. لا تعود التحويلات الرمزية في اللعب مرتبطة بأعضاء جسم الطفل، لذلك من الممكن إطعام الدمية من صحن فارغ. تتوافق التغيرات الاستعرافية في عمر 18 شهراً ( كما في إعادة التنظيم التطوري الذي يحدث بعمر 9 أشهر ) مع تغيرات هامة في الميادين الانفعالية واللغوية .


التطور الانفعالي :
يؤدي الاستقلال النسبي للفترة السابقة لدى العديد من الأطفال إلى ازدياد التعلق بعمر حوالي 18شهراً. قد تكون هذه المرحلة المسماة بمرحلة التقارب ( أو إقامة العلاقة الودية ) ارتكاساً للحذر المتزايد لامكانية الانفصال ، ويفيد العديد من الآباء أنهم لا يستطيعون في هذه المرحلة الذهاب إلى أي مكان دون أن يكون برفقتهم طفل صغير متعلق بهم. ويكون الانفصال وقت النوم صعباً عادة، مع تكرار لبدء غير حقيقي في النوم ونوبات غضب. يستخدم العديد من الأطفال بطانية خاصة أو دمية محشوة كشيء انتقالي: أي شيء يمثل رمزاً للأب أو الأم الغائبين ( شيء مدرك بالحواس في المصطلحات التحليلية النفسية). يبقى الشي الانتقالي هاماً حتى يتم الانتقال إلى الأفكار الرمزية ويندمج بشكل كامل الوجود الرمزي للأبوين في ذاتية الطفل.


يظهر التنبه ذاتي الشعور والمعايير المندمجة في الذاتية للتقييم أول ما تظهر في هذا العمر . يسعى الطفل في هذا العمر حين ينظر إلى المرآة للمرة الأولى ويرى بقعة حمراء على أنفه أو أي مظهر آخر غير طبيعي أن يلمس وجهه وليس خياله في المرآة . وفي هذا العمر يبدأ الطفل بالملاحظة حين تكسر اللعبة وقد يذهب بها إلى أحد أبويه ليعيد تثبيتها . وعندما يغرى الطفل بلمس جسم محظور لمسه يقول لنفسه ( لا ، لا ) وهو دليل على اندماج المعايير السلوكية في الذاتية النفسية له ، وهكذا يقرر القوة النسبية للمثبطات المندمجة قبل لمس الجسم المراد لمسه .


التطور في اللغة :
قد يكون التطور الأكثر إثارة في هذه المرحلة هو التطور اللغوي . تتوافق تسمية الأشياء مع تطور التفكير الرمزي. وسيشير الأطفال إلى الأشياء مستخدمين السبابة أكثر من اليد ككل كما لو كانوا يهتمون بالأشياء ليس بهدف تملكها بل لإيجاد أسماء لها وتتضح أهداف الطفل عندما تترافق هذه التسميات اللغوية البدئية مع عبارة ( ما هذا – شو هادا ) . وتتضخم قائمة مفردات الطفل بعد معرفته بأن الكلمات يمكن أن تعبر عن الأشياء فتزداد من 10-15 كلمة بعمر 18 شهراً إلى 100 كلمة أو أكثر بعمر السنتين . وعندما يكتسب الطفل ( 50كلمة ) يبدأ بتجميعها لتكوين جمل بسيطة ، وهذه البداية استخدام القواعد اللغوية. ( أعطني الكرة وخذ حذاءك ) . يميز ظهور اللغة اللفظية نهاية المرحلة الحسية والحركية ، وعندما يتعلم الطفل استخدام الرموز للتعبير عن الأفكار وحل المشاكل تتضاءل الحاجة للاعتماد على الإحساس المباشر والمناورات الحركية بغرض الاستعراض .


الحالة النفسية للوالدين :
مع زيادة حركية الطفل تصبح الحدود الجسدية لاستكشافات الطفل أقل تأثيراً ، وتصبح الكلمات وبشكل متزايد أكثر أهمية لتوجيه السلوك إضافة لدورها في الاستعراف. ويعاني الأطفال ذوي الاكتساب اللغوي المتأخر عن مشاكل سلوكية أكبر عادة. يصبح تطور اللغة أيسر عندما يستخدم الأبوان ومقدمو الرعاية جملاً بسيطة واضحة، وتواصلاً بالأسئلة والاستجابة لجمل الطفل غير التامة بمساعدة الإيماء المترافق بكلمات مناسبة. كما تساهم الفترات المنتظمة من النظر إلى كتاب الصور وبرفقة الوالدين في استمرار تقديم سياق من الأفكار يصب في تطور اللغة.