المشهد الأول:


كان الموقف رهيبا بحق. فقد كان الرجل يقف أمام الغول الرهيب وليس أمامه من مفر. كان الغول يقطر غلا وينفث غضبا وكان الرجل يغوص في بحر من الخوف والرعب. العرق يتصبب من جسده .. كل شيء فيه يتحرك بعنف ما عدا قدماه ..

فالقلب ينبض بعنف واليدان ترتجفان بعنف والعينان ترمشان بعنف إلا ساقاه فقد تسمرتا من شدة الخوف.


كان الرجل يحاول أن يبدو متماسكا. ذلك التماسك الذي لا مفر منه حينما تكون في مواجهة غول عملاق يريد منك شيئا واحدا .. يريد أن يفترسك! إن الشجاعة لعزيزة بعيدة المنال .. والرجل يبذل مجهودا إغريقيا لكي يبدو شجاعا... يجب أن يبدو شجاعا على الأقل أمام نفسه..


فجأة .. وكأنها عاصفة رملية عنيفة...بدأ الهروب ... الهروب البدائي الذي لا يعرف أي حواجز أو قوانين. فقط عدوٌ محموم يتساقط معه رذاذ العرق مختلطا بخفقات القلب المضطربة .. الغول ينظر في دهشة من الشجاعة التي تهاوت عقب ثوان معدودة!


وفجأة (مرة أخرى) استيقظ الرجل من نومه يسبح في بحر من العرق والخوف من ذلك الكابوس الفظيع.


********************
الشيء الوحيد الذي يجب أن نخاف منه هو الخوف وحده! (فرانكلين روزفلت)
يقولون أن الخوف هو عدوّ الإنسان (الأول). يجب التأكيد على ضرورة رفع كلمة (الأول) بالضمة وعدم فتحها بالفتحة لكي يستقيم المعنى! فالرفع يفيد أن الخوف هو العدو رقم واحد للإنسان أم الفتح يفيد أن الإنسان البدائي الأول كان عدوه الخوف! اللغة العربية جميلة جدا .. وحيث أن الخوف هو عدو للإنسان سواء كان الإنسان الأول أو الآخر فقد وجب الحديث عنه


الخوف .. ذلك الكائن الأسطوري المرعب الذي يمزق أوصال الإنسان عند أول هجوم. يقع الكثير منا ضحايا عندما يطل علينا بوجهه المخيف والساخر في آن واحد.


كثيرا ما تخيلت أحد مواقف الخوف المثيرة للدهشة والضحك في آن واحد أيضا. أتخيل الأشخاص الذين يواجهون موقفا يكون الخوف فيه هو سيد الموقف. يتسمرون خوفا وترتعد فرائصهم رعبا ويقف شعر رأسهم وجلا .. يحاولون أن يظهروا كأقوياء أمام الوحش الضاري الذي يريد أن ينقض عليهم لكن الخلجات والرجفات والرعشات تكشف ذلك الرعب البهيم ..

فيتوقف المشهد وكأنه مشهد سينمائي توقفت صورته ... ثم وعلى حين غرة...تعمل الصورة من جديد وتبدأ العاصفة ويكون الهروب.

تواجهنا في حياتنا الكثير من المخاوف. فمثلا مخاوف الحياة الإجتماعية وما يصاحبها من مخاوف من التعرف على أناس جدد. والمخاوف المهنية وما يصاحبها من مخاوف من الفشل في العمل. ومخاوف الحياة الدراسية وما يصاحبها من خوف مستمر من الإمتحانات ..

لكن أصعب تلك المخاوف على الإطلاق من وجهة نظري هما الخوف من المجهول والخوف من الظهور بدرجة أقل مما ينبغي.

فعلى سبيل المثال نحن نعيش في خوف مستمر من المستقبل. والسبب؟ بكل بساطة لأننا نخشى المجهول، ولأننا لا نعرف ماذا سيحدث لنا بعد ثانية واحدة ..

نخشى من كل شيء لا نعرفه بدرجات متفاوتة .. نخشى الظلام لأننا لا نعرف هل سنصطدم بوحش ونحن نمشي إلى الحمّام ليلا.!. نخاف أن نفتح باب المطبخ ليلا إلا إذا أشعلنا المصباح .. نخاف أن ندخل شارعا مظلما لأننا نجهل ما بداخله.


نخشى من الإبتكار والإبداع لأننا لا نعرف نتيجة ذلك. نخشى من الزواج، لأننا لا نعرف كيف سيكون الزواج ولا نريد أن نظهر بمظهر أقل من الآخرين أمام الزوج أو الزوجة (واسألوا فتاة تمت خطبتها من جديد) .. إذن فالأمر كله هو خوف من المجهول وخوف من الدونية هما العنوان الرئيسي لكل مخاوفنا.




كيف نخاف؟


الكثير منا يتعرض لمواقف في الحياة منذ الصغر وتنغرس تلك المواقف لتتحول إلى مسببات للخوف اللاشعوري. فحين يفشل الإنسان مثلا في الدراسة يخاف من الدراسة كي لا يتكرر الفشل. وحين يحدث للطفل ماس كهربي لدى لمسه لسلك كهربي عارٍ يصاب بالخوف الغريزي من الإقتراب من الأسلاك الكهربية وهكذا.

لهذا يخاف طير الحمام من الإقتراب من الإنسان.. لأنه سمع عن الشواء والقلي والحشي (ويعلم أن التجربة تحدث مرة واحدة ولا تتكرر على الإطلاق)! وربما وقع أحد الأطفال حبيسا في البيت فيتحول ذلك الخوغ إلى خوف مرضي من الأماكن المغلقة .. تخيلوا بأن 5% من الناس يخشون الامكان المغلقة! كم طفل تم حبسه في البيت!

إذن فالخوف في الغالب هو عبارة عن موقف ما .. ماديا أم معنويا يتحول بعدها إلى مصدر للخوف بطريقة لا إرادية يعقبها حالة استسلام لذلك الخوف.