من منا ليس مصابا بالتسويف؟ ربما يظن البعض أن التسويف هو حالة طبيعية ويختلف الناس في درجات إصابتهم به. والحقيقة أنه حالة وليس مرض لأنه يروح ويعود وربدجرات متفاوتة. وأحيانا يحدث التسويف في حالات محددة. مثلا تكون نشيطا في معظم أحوالك حتى ما إذا طلب منك أحدهم أن تفعل شيئا لا تحبه، بدأت عضلاتك بالضمور، وتكاثف دخان خفيف حول خلايا مخك الرمادية فتصاب بفتور وتراخ وربما تنام!
التسويف هم بالليل والنهار
لماذا كتبت ما كتبت في الأعلى؟ السبب بسيط… كثير من القراء الأحباء يسألوني سؤالا عتيدا: كيف أقضي على التسويف؟ ولولا أن معظمهم يرسلون ذلك بالبريد الإلكتروني لرأوا ابتسامتي العريضة حين أقرأ السؤال. ومنشأ ابتسامي هنا ليس سخرية بل إحساسا بالمشكلة وبصعوبة السؤال.
هل تعرفون أيها الأصدقاء؟ إدارة الذات هي السهل الممتنع. كأنْ تقول لمدخّنٍ إن التدخينَ مضرٌ بالصحة وهو – أيم المدخن – طبعا يعلم ذلك أكثر من أي ناصح لأن صدره يكون قد تحول إلى مِرجلٍ يئزّ تحت وطأة السحابات الصفر اللاتي يملأن تجويف قفصه الصدري. كل يوم يقول أنه سيترك التدخين غداً فيأتي الغدُ فلا يترك. وهكذا تمر الأيام تترى والفرق بين تركه التدخين وعدم تركه هو مجرد ضغطة.. ضغطة على رز التشغيل.. تشغيل الإرادة.
يظن الكثير أن الضغط على زر الإرادة سهلاً، لهذا يسهل على الناصح أن يقول للمدخن “اترك التدخين” ظنا منه أن ذلك سهلا، ويغضب الناصح إذا مر يومٌ أو يومان ولم يترك المدخن التدخين! وهكذا يتعجل أكثر الناصحين. لقد نسوا أن سيدنا نوح استمر في نصحه 950 عاما! ليس المطلوب أن ننـ… يا إلهي.. لقد تماديت في شرح المثال ونسيت الموضوع الأصليّ.. دعونا نعود للتسوبف قبل أن ينشرنا بالمناشير.
لقد عانيت شخصيا كثيرا من هذا الداء (أو الحالة إن شئت). لا أدعي أنني شفيت تماما فهو كما قلت ليس مرضا، لكنه يعود حين أنغمس في أنشطة تساعد على التسويف ويسارع بالهرب حين أفيق من سكرتي. وسأسرد بعض الطرق التي قمت بها لمواجهة التسويف لعل يستفيد منها معظمكم أو بعض منكم.
الطريقة الأولى: اكتشفت أن المشكلة التي تواجهني هي اعتمادي على ذاكرتي في تخطيط مواعيدي، وفعلا كانت هذه طريقة جيدة حنيما كان عمري ثلاث سنوات! لكن مع كثرة المواعيد والإنشغالات بدأت أواجه مشكلة في ترتيب جدولي. وبعد إحباطات وإحراجات قررت الاعتماد على كتابة المواعيد وبالتحديد استخدام تقويم ومهام برنامج الآوتلوكMS Outlook ثم لاحقا الجوال. ولا يتحجج أحد بأنه لا يملك جوالا ذكيا. أخبرني عن أهمل جوالٍ وسوف أؤكد لك أنه يحتوي على خاصية ترتيب المواعيد والمهام.
منذ أن بدأت في ترتيب جدولي باستخدام هذه الطريقة قل منسوب التسويف لديّ والحمد لله.
الطريقة الثانية
الطريقة الثانية: وجدت في جدولتي للمواعيد والمهام مشكلة. مثلا ذات مرة كتبت في المهام (الاتصال بأحمد ومحمود) فاتصلت بأحمد ولم أتصل بمحمود لعلمي أنه مسافرٌ. كلما فتحت جدول المهام لديّ كنت أصاب باكتئاب لأن عقلي الواعي يرى أن أحمد ما زال موجودا على قائمة الاتصال في حين أنني قد اتصلت به وأنهيت أمره (كلا.. لم أقتله يا اخي!). فقمت بعدها بتجزئة المهمة إلى جزئين، مما سهل عليّ متابعة كلا الجزئين. النفس تشعر بثقل المهام الكبيرة فيتسلل اليأس إليها وتبدأ بالتسويف.
إذن تجزئة المهام الكبيرة إلى صغيرة يساهم في حل مشكلة التسويف. ويعمل أيضا على تحسين منسوب الإحساس بالإنجاز.
الطريقة الثالثة
الطريقة الثالثة: حينما أشعر أن أمرا هاما ينبغي عمله لكني أتكاسل عنه، أقف مع نفسي قليلا (حتى وأنا نائم أو متكئ أقف مع نفسي!) وأسأل نفسي لماذا لا تفعلين ذلك الأمر؟
أذكر يوما كنت أريد الصلاة في المسجد لكني شعرت بتكاسل عجيب وبدأت نفسي تستحضر كل موجبات القعود مشفوعة بالأعذار.
سألت نفسي: ما الذي يمنعك أن تترك الأريكة الوثيرة ثم تنهض وتمشي إلى المسجد؟ الأمر متروك لك يا نفس.. إما أجر كبير جدا وإما لا شيء. والفاصل في الحصول على الأجر أو عدمه هو نهوضي من الأريكة.. فهل تقومين يا نفس؟ فوجدت نفسي – بدون أن أجيب أو أترك مجالا لاختلاق عذر جديد- أقوم مسرعا. وكم شعرت بفرحة هزيمة الكسل وأنا ذاهب.
إذن الأمر يعتمد على دقيقتين أو ثلاث لاتخاذك القرار وهذا يساعد على التقليل من منسوب التسويف لديك. تعود على هذه الطريقة فهي نافعة معي
الطريقة الرابعة
الطريقة الرابعة: على طريقة رعاة البقر فكرت وساعدني هذا التفكير في التقليل من التسويف. طبعا لم أرتد قبعة السومبريرو ولم أتمنطق بمسدس أمريكي ولم أرتد حذاء تكساس المدبب كي أفكر بطريقة رعاة البقر. رعاة البقر لا يفكرون كثيرا قبل اطلاق النار على الآخرين إذا اقتضى الأمر ذلك. وربما تعرفون لعبتهم القميئة التي يقف فيها اثنان من رعاة البقر في مواجهة بعضهما البعض ويطلق كلا منهما الرصاص على الآخر ويفوز الأسرع ويشعر بنشوة! الأبطأ طبعا لن يشعر لا بنشوة ولا بحزن لأنه مات .. بكل بساطة. ولهذا كنت أحيانا أقف مع نفسي (أيضا تارة أخرى!) وأقول لها بشكل سريع جدا.. إما الآن أو لا إلى الأبد! أي أنه حينما كنت أتكاسل عن تنفيذ مهمة ما وتبقى عالقة لعدة أيام حتى ولو كانت مكالمة هاتفية كنت أقول “قم بتنفيذ المهمة الآن فورا وإلا لن تنفذها”. وفعلا في المرات التي كنت أستمع فيها إلى الجانب السلبي كانت المهمة لا تنفذ إلا بعد وقت طويل. وعلى العكس، إذا أطعت داعي الإيجابية، نفذتها على الفور.
المفضلات